عندما تكلم الرئيس عن الفساد المالي والسياسي لم يحدد الجهات المتهمة، بل ساق الاتهام على الجميع. واتهام الجميع لاقى هوى في نفوس كسولة تحب اتهام الجميع، لكنه لم يقدم حلولا لأحد فلم نعرف من يقصد، وهو ما ميّع الجهود المدنية والشعبية التي يقودها فاعلون أفراد ومنظمات مستقلة ضد الفساد
مؤشرات كثيرة على أن الفساد سينتصر في هذه المعركة أيضا، ولكن المعركة لن تنتهي بما يجعل معركة تونس المتجددة مع الفساد قبل كورونا وبعدها معركة ضمن حرب مصيرية.. فإما البلد قائم يتقدم، أو الفساد يحكم ويخرب ويصنع نهاية بائسة لشعب لم يعزه الذكاء ولكن عازته الشجاعة في منعرجات التاريخ الحاسمة
لقد كان حزب النهضة يسعى إلى توريط شركائه الجدد، ولذلك تنازل عن كثير حتى أوقعهم في الشراكة، وهم الآن حيث أراد لهم: شركاء في حكومة تعلن برنامجا إصلاحيا، وكل خطوة مشتركة في اتجاه الإصلاح تقطع عليهم طريق العودة إلى ممارسة الإقصاء
نتخيل حساب كلفة التباعد الاجتماعي فنأخذ الأمر على محمل الهزل بالنظر إلى أنه خيال مفزع، لكن الحقيقة أشد فزعا. ماذا لو منعنا الوباء من تقبيل أولادنا؟ ماذا لو صارت القبلة العاشقة سببا لقتل الحبيب؟
برغم الوباء المتفشي وبرغم الخوف على المستقبل الذي يسكن قلوب التونسيين، تأبى النخبة الفرانكفونية في تونس إلا أن تخوض معارك التمييز السلبي من التونسيين، وتفرض أجنداتها الثقافية من وراء الصفوف المتراصة ضد الوباء وضد الخراب الاقتصادي القادم بعده
إننا على أبواب تغيير في الوعي لم تنجزه الثورة بكل عمقها وكأنما جاء كورونا ليعمق لحظة الوعي بأهمية الانتقال إلى اقتصاد إنتاج، لا الاكتفاء باقتصاد مناولة تابع يعرض خدماته على قارعة الطريق كأن الدولة فيه بكل حكوماتها صاحبة أقدم مهنة في التاريخ..
كورونا حدث عابر، ربما، لكنه سيترك أثرا بليغا الإنسان المتمدن خارج المدن. المدنية أو التحضر خارج المدن هذا أفق صحي الآن لكنه أفق عمراني قريبا، وهنا حدثت معجزة كورونا بتفريق السكان في حياتهم اليومية دون فصلهم في حياتهم العملية
هذا اختبار أول لتماسك الموقف السياسي داخل الحكومة ولشكل العلاقة مع الرئيس نفسه الذي يتمدد على حساب الحكومة، محاولا في ذات الوقت إلزام رئيس البرلمان بدوره التشريعي دون لعب أي دور سياسي خاصة في المجال الدبلوماسي
هذا الكبر السياسي استهدف في ظاهره حزب النهضة لحرمانه من موقع متقدم في قيادة الدولة معادل لحجمه البرلماني، أي حجمه في الشارع أو في الصندوق الانتخابي. لكنه في النتيجة أضرّ بالبلد وبالتجربة الديمقراطية
لقد اختصر الحزب، وربما شق من قيادته، الطريق إلى المكاسب، وفكر ضمن خطة كلاسيكية بإمساك وسائل التغيير الفوقي لفرض الخيارات ليست بالضرورة ديمقراطية ولا شعبية، وهذه هي أمراض كل النخبة التونسية التي تتشرب روح بورقيبة ومنهج ابن علي
لا وقت للشعب التونسي للفرجة، فقد زهد في الأمر وانصرف يتدبر أمره بلا حكومة. وفي تدبيره كثير من الحيل الفردية التي لا تعتمد القانون دوما، لذلك نكتب بكثير من الألم رغم أن الفرجة ممكنة
وهكذا نصل إلى مشهد ملغوم من كل النواحي فلا أحد يثق في أحد، ولا أحد يريد لأحد أن يغنم سياسيا من الحكم. وفي هذه الأجواء لا يجد الفخفاخ طرقا سالكة رغم وجود خيّرين يعملون في الظل ويجسرون الأخاديد بين الأحزاب. فهل ينجح الفخفاخ في بناء حكومته وبدء العمل؟