سؤال يجب التأكيد عليه قبل رسم خارطة طريق لما بعد زوال الانقلاب؟ أشك في صدق إدعاءات كثير من هذه القوى بإيمانها بتحقيق ديمقراطية حقيقية كإطار للحياة السياسية في
مصر في ما بعد زوال الانقلاب.
ولنستعرض بعضا منها:
الأحزاب اليسارية ممثلة في حزب التجمع والذي لعب دور الكومبرس في ديمقراطية شكلية في عهد مبارك، والناصريون ممثلون في حزب الكرامة والذين لعب زعيمهم ذات الدور في انتخابات رئاسية هزلية لتثبيت أقدام قائد عصابة الانقلاب العسكري، هؤلاء اليساريون والناصريون يحملون أفكارا مرجعيتها من بلاد لا تؤمن إلا بالحزب الواحد.. هل هؤلاء مستعدون لقبول حياة سياسية تقوم على التعددية الحزبية؟
الأحزاب الليبرالية كالوفد الذي لا يعيش إلا على إرث تاريخي قديم وقد عمل كومبرس لديمقراطية زائفة إبان حكم مبارك، والمصريون الأحرار وعدد من الأحزاب الأخرى التي تدعي الليبرالية والتي لا يعرف جل المصريين أسماءها، والتي ساعدت ودعمت انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 والذين يتمرغون الآن في أحضانه وهم يرون بأعينهم مصر كلها تنهار.. هل هؤلاء جادون في السعي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية؟
كلا النوعين السابقين شاركا في استدعاء العسكر لحكم مصر وهم يعلمون أن في حكمهم ضرب لكل مفردات
الديمقراطية، من قيام أحزاب سياسية حقيقية وتبادل السلطة عبر انتخابات حرة نزيهة والفصل بين السلطات. وقد توقف سقف طموحاتهم وآمالهم وطلباتهم من العسكر عند إلغاء قانون التظاهر الذي فرضه الانقلابيون.
الإخوان المسلمون الذين أقروا في أوراق وثيقة 1994 باعترافهم بالعمل الحزبي كوسيلة للتبادل السلمي للسلطة، وقد دخلوا المجالس النيابية من خلال تحالفهم مع الأحزاب الأخرى عامي 1984 و1987، ولكنهم تقاعسوا عن التقدم بإنشاء حزب في الثمانينات من القرن الماضي ولو بمجرد المحاولة، كما وقفوا في وجه مؤسسي حزب الوسط وأبعدوهم من الجماعة، بل وألزموا كل المشاركين فيه من الإخوان بإلغاء توكيلاتهم لوكيل المؤسسين في محاولة لإعاقة قيامه.
بعد ثورة يناير أنشأ الإخوان حزب الحرية والعدالة على عجل بتبعية كاملة للجماعة. فهل كان إنشاؤه خضوعا لضرورات المرحلة أم إيمانا بمبدأ الحياة الحزبية كأحد أعمدة الديمقراطية؟ وإذا أضفنا لذلك الإنشاء الصوري لجمعية الإخوان المسلمين لتكون ذرا للرماد في عيون من ينتقدون بقاء الجماعة خارج القانون، في الوقت الذى أصبحوا فيه هم حراس القانون.. هل الإخوان بعد هذه الأحداث والمحن جادون في السعي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية؟
أنا لا أعرف مدى صدق القوى الأخرى، من 6 إبريل والاشتراكيون الثوريون وغيرهم من القوى، في الإيمان بمبدأ الديمقراطية كآلية سياسية لحكم البلاد وأتمني أن يغصحوا عن مدى إيمانهم بهذا الخيار.
من الممكن ترجيح تبني كل من حزب الوسط وحزب غد الثورة وحزب الاستقلال وحزب مصر القوية وحزب البناء والتنمية، بدرجات متفاوته لقيام حياة حزبية حقيقية في مصر.
لم أذكر حزب النور تعمدا، حيث لا أعرف له موقعا من الإعراب. فمواقفه مثل خشبة الأرجوحة تتحرك من أبعد نقطة إلى عكسها، ومن أعلى مكان إلى أسفله.
إن استجلاء استراتيجية العمل السياسي لدى كافة فصائل الثوار ومدى صدقهم في تبنيها في ما بعد الانقلاب؛ يجب أن تقر من الآن بوصفها الخطوة الرئيسية الثانية مباشرة بعد الإجماع على إزاحة الانقلاب، بل وتسبق تفاصيل الاتفاق على شكل السلطة التي ستعقب زوال الانقلاب، بل ولها انعكاسها في تقارب الثوار وتعاونهم قبل وبعد زوال الانقلاب.
فعلى قدر صدق هذه الأحزاب والقوى فى تبنيها لمفردات الديمقراطية كنهج سياسي لحكم مصر في المستقبل، ومدى ثقة بعضها فى بعض في الالتزام بهذا النهج، وزوال الخوف من أن يكون البعض يتخذ من هذا القبول أهدافا مرحلية أو مكسبا مؤقتا، على قدر تبصرنا بمواضع أقدامنا وتبين الأرض المشتركة التي نقف عليها جميعا، وننطلق منها لنستعيد وطنا مسلوبا وشعبا مقهورا ونسير به إلى الأمام فى تعايش يراعي الجميع ويحترم الجميع ويوازن كل فصيل بين واجباته وحقوقه وحقوق وواجبات الآخرين.
دعنا من مقولة "إن محيطنا المحلي والدولي لن يسمحوا بتحقيق هذه الديمقراطية الحقيقية بمصر"، فالأهم من ذلك مدى إيماننا نحن بهدفنا ومدى صدقنا وجديتنا في السعي نحو تحقيقه.
#مذكرات_الزعفرانى