قضايا وآراء

توفيق عكاشة ينهي الحكم الملكي في الأردن!

1300x600
ظلم مبين للإعلام أن نحسب "توفيق عكاشة" عليه، ولكن الرجل المهرج يشغل، شئنا أم أبينا، حيزا إعلاميا كبيرا، حيث تبين، في زماننا الذي تطوحت فيه المعايير، أن أعدادا هائلة من المصريين، من بينهم ثلة ممن يفترض أنهم من الأكاديميين والمثقفين، يثقون بوطنيته وعبقريته، بل ويعتبرونه أحد أهم وأصدق العاملين في مجال الإعلام! لكني أعطيهم بعض العذر في ذلك إذا أردتم الحق، بالنظر إلى أن الرجل يأتي بنبوءات تحدث بالفعل. غير أنه لا يأتي بمثل تلك النبوءات بالطبع انطلاقا من عبقريته الفذة أو من قدرته على التنبؤ بالغيب أو حتى على التحليل الموضوعي المتبصر، وإنما من ارتباطه، فيما أكاد أجزم، بعدد من أجهزة الاستخبارات، في مقدمتها جهاز الموساد التابع للعدو الصهيوني. هذا الاتهام بارتباطه بالموساد له ما يبرره، فتهجمه الشرس الدائم على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ودعوته إلى سحقها، وتمجيده للصهاينة، وتشكيكه في الحقوق العربية في فلسطين، فضلا عن إعدام خال له قبل سنوات في مصر بتهمة التجسس لصالح ذلك الكيان، كلها مؤشرات تدعم القول بأنه ممن تم تجنيدهم لخدمة "إسرائيل". علما بأن ما يسمى بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي يرتبط بتحالف وثيق وحميم مع نظيره المصري، تمتن وترسخ في عهد "السيسي"، الذي توجد مؤشرات كثيرة ووجيهة على تجنيده هو أيضا من جانب الموساد، منها صوره وهو مجرد ضابط صغير في جو تعاوني ودي مع عدد من الضباط الصهاينة، وتأخره وحده عن الإقلاع في تلك الطائرة التي تفجرت في الأجواء الأمريكية وقُتل كل من فيها من الضباط المصريين بعد انتهاء دورتهم العسكرية، وتنسيقه المثبت مع قيادات الكيان العبري قبل إعلان انقلابه على الحكم الشرعي في مصر!                                                                                                                                                                                              
وبحكم ارتباط "عكاشة" بتلك الأجهزة، كما سبقت الإشارة، فإنه يشكل أداة لتمرير ما يراد له تمريره من معلومات ومخططات تستهدف المنطقة، ليس بغرض التحذير منها بالطبع، وإنما بغرض بلبلة الشارع العربي وشل حركته وتمهيده لتقبل الكوارث التي تخطط له كقدر حتمي لا مفر منه، بسلبية وتسليم وعجز، إضافة إلى الضغط على الأنظمة العربية وابتزازها وإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات. من آخر تلك النبوءات "العكاشية" المريبة، الزعم بأن الأوضاع في الأردن ستشتعل بعد عيد الأضحى المقبل، وأن البلد سيعاني عما قريب مما يعاني منه العراق وسوريا، بل إن العاهل الأردني سيكون آخر ملك في الأردن! وهو ما ينسجم تماما مع  تصريح سبق وأن أطلقه ما يسمى بقائد القوات العسكرية المحتلة في الضفة الغربية "يائير نافيه" قبل عدة سنوات! 

خطير ومقلق هو تصريح "عكاشة"، فمن المعروف ان الاردن هو من أقرب حلفاء واشنطن و "تل أبيب" في المنطقة، ومن اكثر الاطراف استجابة لضغوطهما وابتزازهما، في ظل فقره وتواضع قدراته وحساسية موقعه وقلة حيلته. كما أن من المعروف أن الأردن يقيم علاقات دافئة مع نظام "السيسي" الانقلابي. فما الدافع لدفع "عكاشة"، الذي لا ينطق عن هواه بالتأكيد، للحديث عن نهاية وشيكة للأردن وللحكم الملكي فيه؟! والمثير أكثر أن نبوءات "عكاشة" تأتي في وقت يشهد الأردن فيه حركة داخلية غريبة، قيل إنها تسير باتجاه تحويل المملكة، ولو بصورة موجهة ومتحكم بكل خيوطها من فوق، إلى ملكية نيابية، يتخلى الملك فيها عن سلطاته لحكومات تشكلها الأغلبية البرلمانية، التي ستضمن الترتيبات والقوانين الجديدة التي يتم طبخها خروجها مطيعة تماما للقصر. فهل في هذه الحركة محاولة استباقية من النظام الأردني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بنية الحكم الملكي، لعلمه بأن البلد مقبل بالفعل على تطورات ومخاطر حادة على الأرض، لا سبيل إلى تجنبها أو احتوائها كليا، ربما تؤدي إن لم يتم التجهيز لمواجهتها، سياسيا وعسكريا، إلى زلزلة النظام وتهديد وجوده بصورة جدية! 

ليس من الممكن طبعا سقوط الأنظمة والدول ببساطة وسرعة، وإن كانت الحالة العراقية تكاد تقول العكس، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يقول: لماذا يتم التلويح أو التهديد المبطن على لسان الببغاء "عكاشة" بسقوط الأردن ونظامه؟! لم تنتف الحاجة الغربية إلى النظام الأردني بكل تأكيد، ولم تتغير أسس الدور الوظيفي الإقليمي المرسوم له فيما نعلم، وهو ما يزال يتمتع بجيش قوي نسبيا، قادر على أداء الكثير من المهمات المغامرة والخطرة نيابة عن غيره، التي لا يبدي الكثير من التردد لأدائها، فلماذا يتم الحديث عن اقترابه من مصير أسود، ليس معدا حسب الأجندة الأمريكية إلا للأنظمة التي تخرج عن طاعة واشنطن وتهدد مصالحها؟! 

هل في ذلك محاولة لوضع المزيد من الضغوط على عمّان لدفعها إلى التورط بإرسال قوات برية إلى سوريا والعراق، على أمل إبعاد الخطر الزاحف على "إسرائيل" إلى أقصى درجة ممكنة؟ وهل يصب قيام الاخيرة سيئة الذكر بتقديم 16 طائرة هليوكبتر للأردن مؤخرا لحماية حدوده مع سوريا في هذا الاتجاه؟! أم أن نظام "السيسي"، الذي لا يستبعد أن يكون وراء إلقاء قنبلة "عكاشة"، يريد تحذير الأردن من عدم تغيير موقفه الداعم له، مسايرةً للموقف السعودي الذي أخذ ينحو باتجاه التخلي عنه، وبخاصة بعد ورود الأنباء عن شيء من التقارب الملموس بين عمان والرياض في الآونة الأخيرة بعد فترة من الجفاء؟!

كل الاحتمالات واردة، إلا أنها لا تنفي حقيقة أن الأردن في خطر بالفعل، وأن الدخان المنبعث من تصريحات "عكاشة" يومي إلى وجود نيران حقيقية خلفه. وخلافا لما قد يظن أهل الحكم في عمان، فإن أفضل طريقة للحفاظ على النظام الملكي في الأردن لا تتمثل في الانزلاق إلى المزيد من الخضوع لابتزاز هذه الجهة أو تلك، وانما تتمثل في تعزيز الجبهة الداخلية للبلد. وذلك بالقيام بإصلاحات ديمقراطية واسعة وجدية وسريعة، تعيد إحياء دستور عام 1952، الذي تم تهميشه والالتفاف عليه، بعد أن أراد للمملكة أن تكون مملكة دستورية نيابية حقا، يختار الشعب فيها بحرية وشفافية من يحكمه ومن يتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات المصيرية بالنيابة عنه!