قضايا وآراء

اللاجئون بين اعتناق المسيحية وأسلمة أوروبا!

1300x600
في أواخر سبعينيات القرن الماضي استقر المقام بواحد من أصدقائي في إحدى الولايات الأمريكية بعد تخرجه من إحدى الجامعات العربية، وعمل لبضع سنين في الخطوط الجوية للبلد العربي الذي كان يحمل جنسيته.

كانت خطته أن يتابع دراساته العليا، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة بسبب تواضع مدخراته المالية. بالصدفة التقى بإحدى الفتيات الجميلات المتحمسات التابعات لإحدى الكنائس، فوجدها فرصة ذهبية للاستفادة من المساعدات التي يمكن أن تقدمها له تلك الكنيسة لتحقيق أهدافه.

ولأنه لم يكن مسلما ملتزما، بل كان أقرب إلى الإلحاد، لم يجد ضيرا في أن يدّعي أن المسيح شخصيا قد خلّصه، فقام باختلاق قصة عاطفية مؤثرة لرعية الكنيسة عن كيفية رؤيته للمسيح يتجلى له ويطلب منه أن يتبعه. تلك القصة المفبركة أضفت عليه ما يشبه القداسة، حتى بات أعضاء الكنيسة يكادون يتبركون بلمسه ويحثونه بانبهار على استعادة قصته المعجزة الملهمة مرارا وتكرارا.

لم يكن لصديقي المحتال توجهات روحية على الإطلاق، بل كان شخصا ماديا براغماتيا يحب الحياة والانغماس في ملذاتها حتى النخاع. لذلك بدأ يتضايق ويختنق من الجو الروحي الرتيب الذي فرضته عليه تبعيته للكنيسة. وحتى تزداد أموره سوءا، لم تمض أسابيع قليلة، حتى كانت الكنيسة تطلب منه تجهيز نفسه للسفر في رحلة تبشيرية طويلة إلى عدد من البلدان الأفريقية، كي يحمل رسالة المسيح، وينقل للناس هناك قصته الكفيلة بنقل كثير من الناس من الظلمات إلى النور! الأمر الذي دفعه دون كثير من التردد إلى أن يطلق ساقيه للريح، فارا بجلده إلى ولاية أخرى، ومقررا إيجاد طرق أخرى بعيدة عن الكنائس ومساعداتها المشروطة للوصول إلى طموحاته!

تذكرت تلك القصة القديمة، التي تشبه إلى حد ما قصة "إدوار والله" الشهيرة لميلان كونديرا، وأنا أقرأ تقارير عديدة مؤخرا تفيد إقدام أعداد من الساعين للجوء إلى أوروبا على تغيير ديانتهم واعتناق المسيحية. هناك أسباب كثيرة معقدة قد تدفع المرء لترك معتقده وتبني معتقد جديد، من أبرزها في حالة اللاجئين السوريين الغضب العارم من المسلمين، ومن كل ما يمت لهم بصلة، فخيبة الأمل المريرة والخذلان المفجع الذي تعرض له اللاجئون من إخوتهم في الدين من أبناء البلدان العربية الإسلامية كانت كالقشة التي تقصم الظهر.

فاليأس من المسلمين والرغبة في الاقتصاص منهم وجرحهم هو الذي دفع ببعض اللاجئين للارتماء في أحضان الكنيسة، وهو ما ينبغي ألا يجعل الكنيسة تشعر بالسعادة أو الزهو، فاللجوء إليها من جانب الكثيرين، لم يأت اقتناعا بتعاليمها التي يهجرها الكثير من المسيحيين كل يوم إلى الإسلام أو إلى الإلحاد حسب كثير من الإحصائيات المحايدة، وإنما طمعا فيما تقدمه من مزايا مادية، ونكاية بالمسلمين، دون أن ننفي طبعا وجود بعض حالات التحول عن اقتناع.

تاريخيا، ارتبط التبشير بالمسيحية على نحو وثيق بالاستعمار. فقد كان المبشرون يسبقون الجيوش الغازية لتمهيد الأرضية لها، وذلك بالسعي إلى تنصير أكبر عدد ممكن من الناس؛ ما يجعلهم أقرب إلى الترحيب بالمستعمر القادم والنظر إليه مخلصا، وبجمع المعلومات عن الشعوب المراد استعمارها. وفي هذا السياق يحسن ألا ننسى أن هناك صراعا قديما محتدما لم يتوقف يوما ولا يمكن إنكاره، بين الغرب المسيحي، وبين الإسلام وأهله.

فقد اقترن صعود الإسلام تاريخيا بتقوض الغرب ودوله، فالدولة البيزنطية مثلا تهشمت على يد المسلمين الأوائل، والصليبيون طردوا من فلسطين والشام على يد المسلمين، والقسطنطينية عاصمة الغرب المسيحي سقطت بسيوف العثمانيين، الذين ظلوا يشكلون كابوسا مرعبا لأوروبا حتى القرن الماضي! ذلك الصراع يمكن ملاحظته بوضوح حتى أيامنا هذه في كثير من المظاهر والمواقف والتصريحات وزلات اللسان، كزلة اللسان الشهيرة لجورج بوش الابن عندما أعلن عشية تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر أن "الحرب الصليبية، الحرب على الإرهاب، ستستغرق وقتا"! أو تحذير رئيس وزراء المجر قبل أيام قليلة بأن اللاجئين المسلمين يهددون الهوية المسيحية لأوروبا، أو إعلان دول أوروبية عديدة بأنها ستقتصر على استقبال اللاجئين المسيحيين وحسب...الخ.

والواقع أن الأمر فيما يتعلق باعتناق دين جديد لا يقاس بالعدد، فلا الذين سيتركون الإسلام في مثل ظروف اللاجئين سيضيرونه في شيء، ولا الذين سيدخلون المسيحية منهم سينفعونها في شيء. فهناك أكثر من مليار ونصف مسلم اليوم لا يقدمون شيئا مهما للإسلام، بل يمثل أكثرهم عالة عليه، بسلوكهم المنحرف المجافي لتعاليمه. وهناك ما هو أكثر من ذلك العدد ممن قد تقول شهادات ميلادهم أنهم من أتباع المسيح، ومع ذلك فإن علاقتهم بتعاليم المسيح مثل علاقة الماما تيريزا بملاهي لاس فيجاس!

لكن المزعج في أمر التنقل بين الأديان هو استغلال حاجة الناس والتغرير بهم، ثم العبث بمعتقداتهم لأغراض ومصالح سياسية رخيصة ليست من الدين في شيء. وهذا ما يحدث للأسف في كثير من الأحيان عند انتقال الشخص من دين لآخر. لأنه لا يتحول فقط إلى شخص متدين مسالم منغمس في تطهير نفسه وروحه وممارسة شعائر معتقده الجديد بسكينة وسلام، بل يتم تحويله غالبا إلى عدو شرس حاقد وعميل ضد أهله وقومه ودينه وتاريخه وأمته التي كان ينتمي إليها. وعادة ما يتم ذلك بطرق أبعد ما تكون عن النقاش والتدارس والبحث المتعمق المتبصر، تتركز حول استغلال مشاعره ومشكلاته الشخصية وحاجاته الأولية. 

ولكن في المقابل، ليس من المستبعد أن يسهم توافد مئات الآلاف من المسلمين على أوروبا في التأثير فعلا على هويتها المسيحية. وهذا ليس بالأمر السيء لأوروبا إذا ما أرادت الإنصاف ونظرت إلى الأمر من زاوية موضوعية بعيدا عن التعصب والعنصرية. فالهوية المسيحية المزعومة لأوروبا هي مجرد قشرة شكلية خالية من أي معنى، والناس في البلدان الأوروبية يتخبطون في مستنقعات آسنة من القيم المادية الصراعية الخاوية من الروح والمعادية للخلق القويم. فما أحوجهم إلى تأثير وهدي دين سماوي، مثل الدين الإسلامي، يعطي حياتهم المضطربة التوازن بين المادة والروح، ويقدم حلولا عملية ناجعة لمشكلاتهم الكثيرة.