نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية تقريرا تناولت فيه الحلول الممكنة من أجل التصدي لموجة
التطرف التي تجتاح العالم، ناقشت فيه الفرق بين "التيار السلفي" والتيارات الدينية المتشددة.
ورأت الصحيفة أن الاقتصار على معالجة هذه الظاهرة من خلال التدخل الأمني والعسكري يعد خطوة غير كافية. وقال إن الطريقة المثلى لوقف تطور هذه الظاهرة تكمن في نشر الوعي عن طريق الأئمة والأساتذة الجامعيين، باعتبار أنهم أكثر من يتعامل مع الشباب والأقرب إليهم.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن المنهج السلفي لا علاقة له بالجماعات المسلحة التي تجتاح العالم في هذه الأيام، حيث أن الجماعات الدينية المتطرفة لم تعد تحتاج في تكوينها إلى أئمة أو رجال دين سلفيين، بل إنها أصبحت تعتمد على مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية، وتسعى للسيطرة على الجوامع والمدارس ومراكز التكوين في العلوم الدينية.
ونقلت عن عالم الاجتماع موسى خديم الله؛ أن "الضغط الأمني والرقابة المستمرة التي تمارسها الدولة ضد مظاهر التدين، على غرار اللحية والحجاب والصلاة، أجبرت الشباب على الانزواء والابتعاد عن الأماكن العامة وتحاشي الحوار، وهو ما سهل التأثير عليهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى الأزمة التي أصبحت تعيشها
فرنسا منذ حادثة محمد مراح، حيث أصبح من الصعب تعقب وكشف المنتمين للخلايا المسلحة، باعتبار أنهم تمكنوا من الاندماج في المجتمع، بعدما اكتسبوا قدرات جديدة على التمويه، من خلال عدم إظهار التدين الذي يجعلهم محل مراقبة.
ونقلت الصحيفة عن سمير أمغار، وهو كاتب وباحث في شؤون الحركات المسلحة، أن "الحد الفاصل بين السلفية والتطرف أصبح متداخلا خاصة بعد ظهور تنظيم الدولة، حيث انزلق بعض السلفيين المعتدلين نحو التطرف، بسبب الدعاية القوية التي يبثها التنظيم مستفيدا من حالة اليأس والغضب التي سببتها الأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط. وفي المقابل انتبه بعض المتطرفين، في الوقت ذاته، إلى مساوئ التنظيمات المسلحة ونجحوا في النأي بأنفسهم عن العنف".
وقالت إن الباحثين الفرنسيين مقتنعون بأن جوهر الإسلام لا يشجع على العنف، وأنه من غير العادل أن يتم تشويه صورة دين بأكمله على خلفية حوادث معزولة. وأكدت أنه من المنطقي جدا دعوة كافة أئمة المساجد إلى المشاركة في مواجهة التطرف والإرهاب، عبر محاولتهم إقناع مرتادي المساجد بشرعية الدولة وضرورة المشاركة في الحياة المدنية.
ونقلت عن برنارد غودارد، وهو كاتب وباحث في موضوع الإسلام والحركات المتطرفة، أن "الأمر منوط بنفسية الشاب المتلقي لهذه الدعايات الزائفة، فهنالك من السلفيين من انزوى عن محيطه واختار طريقة عيش معينة، ولكن في كنف الاحترام المتبادل والعقلانية التامة. وهنالك من تأثر بدعايات المُجنِّدين، واختار طريق العنف من أجل الدفاع عن حقوق إخوانه
المسلمين المقموعين، بحسب رأيه".
وأكدت الصحيفة أنه في ظل تفاقم الخطر المحدق الذي تمثله التنظيمات المسلحة، فإن الحل الأمني وحده لا يكفي، باعتبار أن فرنسا تحوي بين 10 آلاف و15 ألف سلفي، وأن الرأي العام الفرنسي لا يزال مترددا في الحكم على هذا التيار.
وأشارت إلى أن دنيا بوزار، مديرة معهد الوقاية من الانحرافات الطائفية، ترى أن المجال التربوي بدأ يتأثر بهذه الانشقاقات "الطائفية"، بعد أن لاحظت أن بعض الأولياء المنتمين للتيار السلفي قاموا بسحب أبنائهم من المدارس، معتبرة إياهم بذرات مقاتلين في طور النمو.
وقالت الصحيفة إن إصدار الأحكام المسبقة والجماعية واعتبار أن كل سلفي سينتهي إلى أن يصبح مقاتلا وإرهابيا يعقد الأوضاع أكثر ويعرقل التوصل إلى حل ملموس. ونقلت عن سمير أمغار أن "الحل يكمن في توجيه السلفيين نحو الاندماج في الحياة السياسية الفاعلة ومنحهم مجالا للتعبير الحر، والسماح لهم بالتعبير عن القضايا التي يهتمون بها، مثل قضية معاناة الشعب السوري، وذلك في إطار القانون".
وذكرت في السياق نفسه، أن موسى خديم الله يعتبر أن معاملة الفرنسيين المسلمين على قدم المساواة وإعطاءهم الحق في حياة سياسية فاعلة، كفيل باجتثاث المشكل من جذوره، وبإسكات الذين يزعمون أنهم توجهوا للتنظيمات المسلحة نظرا للقمع الذين كانوا يتعرضون له في بلادهم.
وفي الختام، فقد خلصت الصحيفة إلى أن الحل المثالي يكون في وضع برامج حوار يديرها أئمة وأساتذة جامعيون، بهدف التباحث في هذه الظاهرة الجديدة، والتوصل إلى خارطة طريق للقضاء على كافة أشكال التطرف، الفكري منها والديني.