قال تقرير لموقع ميديل إيست آي البريطاني إن
ليبيا توشك أن تشهد تجميد أموالها من قبل المجتمع الدولي بحسب محللين ومسؤول سابق رفيع المستوى، وذلك نتيجة للمعركة المستمرة والتي تدور رحاها من أجل
السيطرة على المصرف المركزي للبلاد.
ويضيف التقرير إن القتال على موارد ليبيا المالية بات الحافز الأساسي في الحرب الأهلية المستعرة بين تحالفات متنافسة من مدن وقبائل وقوات مسلحة وبرلمانات. قتل حتى الآن المئات وأجبر ما يقرب من ربع مليون إنسان على النزوح من مناطق سكنهم بسبب الاشتباكات العنيفة التي تجري في مختلف أنحاء البلاد بين تحالف مصراتة الإسلامي المسمى"فجر ليبيا" وقوات يقودها خليفة حفتر، الجنرال السابق في نظام القذافي الذي عاد إلى البلاد عام 2011 ليدعم الثورة قبل أن يتحول إلى شخصية مارقة.
وتقع العاصمة طرابلس حالياً تحت سيطرة كل من فجر ليبيا والمجلس الوطني العام السابق الذي يهيمن عليه الإسلاميون، والذي عاد إلى الانتظام ليناوئ مجلس النواب الذي انتخب أخيراً والذي يتخذ مقراً له في مدينة طبرق شرقي البلاد، والتي يبدو أنها تمنح دعمها بشكل متزايد لعملية الكرامة بزعامة حفتر.
وتتركز المعركة المحورية للسيطرة على ثروة ليبيا على مصرف ليبيا المركزي، الذي يمسك بمفاتيح موجودات البلاد المالية نظراً لامتلاكه ما يزيد عما قيمته مائة مليار دولار أمريكي بالعملة الأجنبية والاستثمارات. كما أن المصرف يتلقى الدخل الوارد من بيع احتياطيات النفط الهائلة التي تملكها ليبيا، والتي تشكل ما يزيد عن 95 % من دخل الدولة.
ويقول المحللون لموقع ميديل إيست آي بأن دور مصرف ليبيا المركزي يتعاظم بسبب احتكاره للهيمنة على النظام المصرفي الليبي.
ويقول المستشار السابق لمصرف العراق المركزي مارك ديمبسي - والذي أجرى بحثاً شاملاً حول المؤسسات المالية الليبية: "مصرف ليبيا المركزي مهم لأنه يتحكم بتنظيم النقد وبتدفق رأس المال. يكاد يكون القطاع المصرفي الخاص ميتاً ولا يوجد بين المصارف الموجودة من يقدم القروض، ولذلك فجميع إيداعاتها مدخرة لدى مصرف ليبيا المركزي. هذه هي الطريقة الوحيدة أمام المصارف الخاصة لجني الدخل".
وسعى السياسيون من كل الأطراف في ليبيا إلى التحكم بموارد مصرف ليبيا المركزي منذ أن انخفض إنتاج النفط بعد ثورة 2011. وتقول بيانات صندوق النقد الدولي لشهر نيسان/ إبريل بأن إنتاج النفط في عام 2014 تراجع بنسبة 40 % مقارنة بمستويات عام 2013، وبناء عليه فإن دخل الحكومة لهذا العام سيعاني من انخفاض حاد تقدر نسبته 45 %.
وفي خضم تزايد الإنفاق الحكومي حذر صندوق النقد الدولي من استخدام مصرف ليبيا المركزي كوسيلة لحل الأزمة المالية المتفاقمة.
وقد صدر عن صندوق النقد الدولي في تقرير شهر نيسان/ إبريل ما نصه: "بنهاية عام 2013 قدرت الاحتياطيات العالمية في مصرف ليبيا المركزي وفي سلطة الاستثمار الليبية معاً بحوالي 180 % من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع أن يتصاعد معدل الانخفاض في الاحتياطيات من واحد % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 إلى 30 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014". وأضاف التقرير إن "اجتماع الاضطراب في إنتاج المواد البترولية بسبب الأزمة الأمنية المتفاقمة والإسراف في الإنفاق يمكن أن يأتي على احتياطيات ليبيا المالية في أقل من خمسة أعوام".
وبناء عليه فقد ناشد مصرف ليبيا المركزي الأطراف المعنية بتركه خارج التصارع السياسي ما بين المجلس الوطني العام في طرابلس ومجلس النواب المنتخب شعبياً في طبرق.
في الأول من أيلول/ سبتمبر أصدر المصرف بياناً قال فيه إنه "مؤتمن على أموال الشعب الليبي" وأنه يؤدي مهمة "خط الدفاع الأخير" عن البلاد.
ولكن رغم هذه المناشدة إلا أن المصرف ومحافظه ظلا يتعرضان لضغط سياسي شديد.
ويتابع التقرير، "في الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر، أقيل محافظ مصرف ليبيا المركزي صادق عمر الكبير من قبل مجلس النواب في قرار تم التصويت عليه بأغلبية 94 من أصل 102 صوتاً. ويقال إن إقالة صادق الكبير جاءت بعد أن رفض تحويل 65 مليون دولار من مصرف ليبيا المركزي إلى مجلس النواب. ويعتقد بأنه أوقف تحويل المبلغ بسبب خلافه الشخصي مع الشرعية التشريعية للبرلمان المنتخب حديثاً".
وقد سبق لرئيس الوزراء المعين من قبل مجلس النواب عبد الله الثني أن قال بأن الكبير "يتصرف كما لو كان حاكم ليبيا ويفعل ما يريد" متهماً إياه بالتحالف مع الإخوان المسلمين، مع أن المحللين يشكون في وجود أي علاقة له بالجماعة.
وينقل ميديل إيست آي عن وولفغانغ بوسزتاي، وهو محلل مستقل في مجال الأمن والسياسات عمل ملحقاً عسكرياً للنمسا في ليبيا من 2007 إلى 2012: "لا أظن أن الكبير على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين. لعل المؤشر الوحيد على ذلك هو تطبيق التمويل الإسلامي في ليبيا )والذي اقترحه مصرف ليبيا المركزي في عام 2012)، إلا أن حجم هذه التعاملات ظل محدوداً جداً ويمكنني أن أتصور أنه لربما رضخ لضغوط من الإسلاميين، لعل السبب في ذلك أنه كان خائفاً منهم".
وأضاف: "لقد عمل من قبل لدى نظام القذافي كما أنه رئيس مؤسسة المصارف العربية التي تتخذ من البحرين مقراً لها، والتي يملك مصرف ليبيا المركزي وسلطة الاستثمار الكويتية 60 % من أسهمها. لا يعتبر أياً من هذين الموقعين من المواقع التي يتصور أن يشغلها أحد من مؤيدي الإخوان المسلمين".
كما أن المجلس الوطني العام لم يكف عن ممارسة الضغوط على الكبير إلى أن انتهت فترة انتدابه في حزيران/ يونيو الماضي، ولا أدل على ذلك من أن المجلس كان قد أعلن في تموز/ يوليو 2013 عن الحاجة لشغل وظيفته التي باتت شاغرة، الأمر الذي أدى إلى انتشار إشاعة مفادها أن محافظ مصرف ليبيا المركزي قد أقيل من منصبه، هذا بالرغم من أن الإعلان في نهاية المطاف لم يسفر عن شيء وبقي هو في منصبه.
ورغم أن مجلس النواب قام رسمياً بعزله من منصبه إلا أن الكبير أشار إلى أنه لن يقبل بالقرار الذي صيغ في طبرق.
وبعد الإعلان عن إقالته مباشرة، تحدث الكبير في مؤتمر في الجزائر قائلاً إنه لم يتلق أي إشعار رسمي بقرار فصله وأنه كان ما يزال بانتظار أن ينهج مجلس النواب الإجراء الرسمي. وقال إنه، وإلى أن تحين تلك اللحظة، سيستمر في اعتبار نفسه محافظ مصرف ليبيا المركزي.
ويقول المحللون إن رده على قرار مجلس النواب إنما يشير إلى أنه سيعارضه على أساس قانوني.
وتقول كبيرة المحللين للشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازاني: "تراه يستخدم نفس الحجة التي استخدمها أعضاء المجلس الوطني العام السابق الذين قالوا بأن برلمان طبرق غير قانوني. لدي شعور بأن الكبير لن يحترم القرار لأنه لا يعترف بمجلس النواب ممثلاً شرعياً للدولة الليبية".
وادعى المجلس الوطني العام بأن مجلس النواب لم يستلم رسمياً السلطة بالإضافة إلى أنه لا يعمل من طرابلس، وهذا ما يفقده الشرعية التمثيلية، وذلك رغم أن معظم المجتمع الدولي اعترف به ممثلاً شرعياً للشعب الليبي.
وقام مجلس النواب بتعيين نائب الكبير، علي الحبري، محافظاً مؤقتاً لمصرف ليبيا المركزي إلى أن يتم إيجاد بديل دائم. تقول غازاني إن التعيين جاء نتيجة لأن حبري يدعم مجلس النواب، وأضافت: "حبري متعاطف جداً مع طبرق، وهو موجود فعلياً في البيضا (شرق ليبيا)، وهو مساند بشكل تام للحكومة هناك".
ويبدو أن مصرف ليبيا المركزي بات بمحافظين متنافسين، في تناغم مع وجود برلمانين متنافسين في البلاد. عاد الكبير إلى العاصمة طرابلس حيث يسيطر تحالف فجر ليبيا، ومازال الغموض يكتنف الطريقة التي سينفذ من خلالها مجلس النواب قراره دون أن يتمكن من الوصول إلى المقر الرئيسي لمصرف ليبيا المركزي في طرابلس.
وترى غازاني من مجموعة الأزمات الدولية أن هذا الانفصام يعزز من احتمالات نشوء مصرفين مركزيين في ليبيا خلال الأسابيع القادمة. وتقول: "قد تتمكن حكومة طبرق من الاستيلاء على فرع بنغازي لمصرف ليبيا المركزي وتحوله إلى مقر رئيسي، ولكن ليس واضحاً ما الذي سيعنيه ذلك فيما يتعلق بالسيولة وبالأموال. حتى الآن، كان مصرف ليبيا المركزي في طرابلس هو الذي يحول الأموال إلى بنغازي، فإذا ما حدث انفصال في مصرف ليبيا المركزي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيحصل فرع بنغازي على الأموال؟ سيتطلب ذلك إعادة توجيه الدفعات المستحقة عن مبيعات النفط من الحساب الرئيسي في طرابلس إلى حسابات فرعية أخرى". وأضافت: "وهذا بدوره يعني إعادة نفض كاملة لعملية سداد مداخيل النفط".
وكشف فرع مصرف ليبيا المركزي في طرابلس النقاب في تموز/ يوليو عن أنه يقوم بنقل الأموال إلى البنوك في أنحاء البلاد بشكل آمن بواسطة طائرة هليكوبتر وذلك لضمان توفر السيولة في البنوك. وكان
البنك قبل ذلك يواجه مشقة في توزيع النقد وذلك بسبب الارتفاع الحاد في عدد حوادث السطو المسلح حينما يتم نقل الأموال بالسيارات.
ونظراً لاحتمال أن ينتهي الوضع في ليبيا إلى وجود مصرفين مركزيين فقد تزايدت المخاوف من أن تتعرض أموال ليبيا عبر العالم إلى التجميد، وهو الأمر الذي حذر منه مسبقاً مصرف ليبيا المركزي حين أعلن أن "ذلك سيؤدي إلى فقدان السيادة ولن يكون في صالح البلاد ولا أمنها ولا استقرارها".
وكان ما يقرب من 150 مليار دولار من أموال ليبيا قد جمد خلال عام 2011 في إجراء ضد نظام القذافي، الأمر الذي أدى إلى تعليق الاستقلال إلى أن تم رفع التجميد إثر استلام سلطات انتقالية مقاليد الأمور في البلاد.
ويقول الرئيس السابق لوكالة الاستثمار الليبية، والتي تشرف على ما يقرب من 60 مليار دولار من الموجودات الليبية، إن السياسيين يرفضون احترام المؤسسات العامة، وهو الأمر الذي يعزز احتمال التدخل الدولي في الشؤون المالية للبلاد.
ويقول محسن دريجيا، الذي شغل منصب رئيس وكالة الاستثمار الليبية لمدة عام ابتداء من إبريل 2012: "السياسة في ليبيا لا تحافظ على المؤسسات ولا يوجد ههنا مفهوم حقيقي لموظف القطاع العام. كل المواقع ينظر إليها على أنها جزء من غنائم الحروب السياسية، ولعل هذا ما يوضح الطبيعة غير المستقرة للمؤسسات الليبية".
ويضيف: "إذا ما أخذنا ذلك بالاعتبار فإن الأمم المتحدة قد تتخذ قراراً بتجميد الموجودات الليبية إذا ما رأت خطراً يتهددها، وذلك بهدف منع الاستخدام السياسي أو العسكري لها".
وكان مجلس الأمن الدولي قد أجاز قراراً في مارس يحظر"محاولات بيع النفط الخام من ليبيا بطريقة غير مشروعة " ويؤكد على "المسؤولية الأولية للسلطات الليبية في اتخاذ الإجراء المناسب" لوقف التجارة التي تمارسها جهات غير حكومية.
ومن غير الواضح حتى الآن فيما إذا كانت الأمم المتحدة ستتدخل في حالة نشوب نزاع بين فرعي مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وطبرق حول إيرادات مبيعات النفط. لم يصدر حتى الآن عن المؤسسات الدولية ما يشير إلى أنها تنظر في أمر تجميد الموجودات.
إلا أن غازاني من مجموعة الأزمات الدولية تقول إن تجميد الأموال يمكن أن يستخدم للضغط باتجاه الوصول إلى تسوية بين المجموعات السياسية والعسكرية المتحاربة: "يمكن أن يعني تجميد الأموال أن يفرض المجتمع الدولي الحوار على جانبي الانقسام السياسي وإيجاد حل لإنهاء هذا الانغلاق".