كتب عبد الله الشايجي: أتى العدوان
الإسرائيلي على
غزة الذي اقترب من شهره الأول وسط حمامات دم ومجازر وجرائم حرب وتدمير غير مسبوق لقطاع غزة- تجاوز جميع الاعتداءات والعدوان السابق وحروب إسرائيل السابقة على غزة في عامي 2008-2009 معركة الفرقان وعام 2012 حجارة السجيل والعدوان المستمر حتى كتابة هذه السطور صباح الاثنين 4 أغسطس 2014 - حيث يقترب عدد الشهداء 2000 وعدد الجرحى 10000 أكثر من 90 % منهم من المدنيين وبينهم 4000 طفل و250 سيدة! ومن هول المجازر غير المسبوقة بوحشيتها أبيدت 60 أسرة بشكل كامل.. حيث لم يتبق أحد من العائلات الستين لتلقي التعازي بالشهداء!
أتى العدوان الإسرائيلي بعد أن أعدت له حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة بشكل جيد واتهمت حماس بخطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم في الضفة الغربية الشهر الماضي.. وتحميل نتانياهو حماس المسؤولية وتوعده بالاقتصاص منها دون أن يقدم أي دليل، خاصة أن حماس التي اعترفت باختطاف الجندي شاليت قبل سنوات اعترفت بخطفه وفاوضت.
وأكد تقرير نشر في نهاية يوليو في مجلة نيويورك تايمز أنه بعد التحريات والتحقيق ثبت أن حماس ليست طرفا في خطف وقتل المستوطنين الثلاثة وأن من قام بالعملية هي جماعة محلية وقادة إسرائيل يعلمون ذلك!
وفي هذا دلالة واضحة أن هناك مخططا مبيتا كما ذكرت في مقابلتي على قناة الجزيرة السبت قبل الماضي.
والغريب بعد حوالي 2000 شهيد و10000 جريح معظمهم مدنيون لم ينجح أحد في وضع حد لعربدة إسرائيل. والأغرب أن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية لم يعمد لتوثيق المجازر والانضمام إلى اتفاقية روما والتقدم بشكوى رسمية إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق بمجازر وخرق إسرائيل لقوانين الحرب والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وخاصة بعد عشرات المجازر وقصف المدارس والمستشفيات والمنازل، ما يستوجب محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية -أمام محكمة الجنايات الدولية- وما يترتب على ذلك من محاكمة ومنع السفر لقيادات إسرائيل من نتانياهو ورئيس الأركان ووزير الدفاع وقائد المنطقة الجنوبية وقائد لواء جولاني وغيرهم من القادة الميدانيين والعسكريين، ليشكل ذلك الرادع الأكبر لغطرسة وتجاوزات ومجازر إسرائيل التي أكدت مفوضة حقوق الانسان الأممية بأن طفلا فلسطينيا يقتل كل ساعة في غزة، ما يشكل بحد ذاته فضيحة وكارثة إنسانية وجريمة حرب تُضاف لسلسلة جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل على مدار الساعة.
واضح أن القوة الضاربة الإسرائيلية تورطت في عدوانها على غزة، بعد أربعة أسابيع من العدوان والقصف الجوي و17 يوما من الحرب البرية لا تزال المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة تمطر المدن الإسرائيلية وخاصة تل ابيب وحيفا وعسقلان وأسدود بنفس عدد الصواريخ حوالي 100 صاروخ يوميا كما كان الحال في بدء عملية الجرف الصامد، وهذه نكسة كبيرة لحكومة نتانياهو التي فشلت في وقف انهمار الصواريخ من غزة على المدن الإسرائيلية، وفي تدمير الأنفاق التي تشكل كما تراه إسرائيل تهديدا لأمنها، وهما الهدفان الرئيسيان اللذان وضعهما نتانياهو كمبرر للعملية العسكرية.
واضح أيضا،أن هناك تعثرا وتخبطا وتوقع المزيد من الخسائر، يستمر عدوان إسرائيل بالرد على مقتل جنودها لتبرر قصفها العشوائي المجنون على رفح في جنوب غزة على الحدود مع مصر واستهداف المدنيين في رد جبان حيث سقط أكثر من 100 شهيد و300 جريح ووصل الحال بعد امتلأت ثلاجات الموتى في المستشفى الكويتي المستشفى الوحيد الذي يعمل في رفح مع تواضع امكانياته هو وضع الأطفال في ثلاجات المرطبات و «الآيس كريم»! للأسف أميركا وحلفاؤها جعلوا مجلس الأمن مطية لهم بالرغم من المجازر وقصف المدارس والمستشفيات يكتفون بالتنديد بالجريمة ولا يجرؤ على التنديد بالمجرم إسرائيل! لدرجة ان واشنطن وأمين عام الأمم المتحدة اتهما حماس بخرق هدنة 72 ساعة مطلع أغسطس-دون التأكد-، ما اضطر أمير دولة قطر للاتصال بأمين عام الأمم المتحدة وانتقاد ذلك الموقف المنحاز والتأكيد على الحاجة لحماية المدنيين في غزة!!هذه المهازل والانحياز الصارخ ما كشفه عدوان إسرائيل على غزة.
أحد أهم معالم تغير قواعد اللعبة كنتيجة لعدوان إسرائيل على غزة ضرب عقيدة الحرب وشنها، وكذلك في نقل الحرب للعمق الإسرائيلي، حيث فرضت المقاومة حصارا مقابل حصار ولو أنه لم يعمر طويلا ولكن كان له البعد النفسي والسيكولوجي والمادي الذي كبد إسرائيل خسائر كبيرة، خاصة أنه للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية يعيش 90%من شعبها وخاصة في مثلث المدن الرئيسية القدس-تل أبيب- وحيفا- في أجواء الحرب وفي الملاجئ وتتعطل حياتهم وأعمالهم وتجارتهم وتجرعوا من الكأس الذي أذاقوا منه العرب طوال سبعة عقود من الزمن، وتعرفوا على معنى صفارات الإنذار والعيش في في الملاجئ، وماذا يعني أن يُغلق المطار الرئيسي-مطار بن غوريون- ويُضرب الموسم السياحي في عزه!!في ضربة عسكرية ونفسية واقتصادية وبفرض توازن الرعب المكلف التي لمح اليها خالد مشعل في كلمته حول توازن الرعب، لمجتمع لم يعتد أجواء الحرب وبكلفة مالية عالية تصل إلى 10 مليارات شيكل-أو حوالي 2 مليار دولار 2%- من ميزانية الدولة، ما يدلل على تغير في موازين القوى.
ردود الفعل الإسرائيلية عن العملية العسكرية الإسرائيلية «الجرف الصامد»- تؤكد على شماتة واحتفال خصوم نتانياهو السياسيين بفشل عمليته العسكرية بالرغم من وحشيتها وحجم جرائم الحرب والدمار.
صحيفة معاريف الإسرائيلية لخصت الفشل الإسرائيلي بالتعليق «مصير نتانياهو السياسي يحدده شخص واحد هو محمد ضيف قائد كتائب القسام، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي زئيف إيكلين- أكد: سنشكل لجنة تحقيق حول من يتحمل إدارة الحرب الفاشلة مع حركة حماس، ووزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرائيل علق على مسار الحملة العسكرية بعد أربعة أشهر من العدوان «لم نأخذ العبرة من الحروب السابقة وأنا محبط من هذه الحرب» ووزير السياحة عوزي لاندو علق: «فشلنا في هذه الحرب ولم تحقق أيا من أهدافها، وانهارت قوة ردع إسرائيل».
يكفي أن نقرأ موضوع غلاف والموضوع الرئيسي لمجلة الايكونومست عدد 2 أغسطس 2014- عن إسرائيل ومستقبلها بعد حرب غزة «الانتصار في
المعركة وخسارة الحرب..» هذا الواقع المؤلم يغير قواعد اللعبة ويفرض توازن رعب وينقل الحرب لقلب الكيان الصهيوني وينهي اسطورة الجيش الذي لا يقهر وحروبه المباغتة والقصيرة، وقديما قيل، يمكن لطرف ما أن يشن حربا.. ولكنه قد لا يكون ذلك الطرف المعتدي من ينهيها أو من ينتصر بها.. صدام حسين وبوش الابن وأولمرت ونتانياهو معهم كما ستكشف لجان التحقيق.. وكل هؤلاء القادة الذين اتخذوا قرارات شن الحروب-كلهم شهود على ذلك! وعلى فشلهم المكلف!!.
(الوطن القطرية)