ملفات وتقارير

توقع إحالات للقضاء بعد تقرير رقابي للمالية بالمغرب

التقرير يضم ثلاثة أجزاء في 2000 صفحة - عربي 21
صدر أخيرا تقرير للمجلس الأعلى للحسابات بالمغرب للفترة الممتدة من 2007 إلى سنة 2012، يكشف العديد من الاختلالات التدبيرية والمالية التي ترزخ تحتها عشرات المؤسسات العمومية.

التقرير -الذي يضم ثلاثة أجزاء في 2000 صفحة- رفعت نسخة منه إلى الملك محمد السادس كما ينص على ذلك الدستور الذي يعرف المجلس في فصله 47 بأنه "الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاله".

جدير بالذكر أنه ولأول مرة شكلت وزارة العدل والحريات لجانا خاصة بهذا التقرير، تحيل تلقائيا على القضاء كل ملف بدا لها أن خطورته كبيرة وقرائن الإدانة متوفرة، وتم وفق ذلك جر عدد من المؤسسات عقب تقرير سنة 2011 إلى القضاء، وذلك بعد مدة كانت القوى الحية بالبلد تطالب بتجاوز مستوى نشر الاختلالات التي يقوم بها إلى محاسبة المتورطين؛ وهو ما جعل كثيرين يتوقعون إحالات ملفات عدة على القضاء.

في هذا الإطار كشف التقرير عن سيل من الاختلالات تهم مئات المجالات والاختصاصات الخاضعة للتدبير العمومي، خاصة في مجالات الصحة والجماعات المحلية وشركات التدبير المفوض والشباب والرياضة ومؤسسات ذات صلة بالبناء وسياسة المدينة والإحصاء والتخطيط وغيرها، وفيما يأتي تناول أولي لبعض أقوى مظاهر "الفساد" ببعض المؤسسات. 

أسعار الأدوية بالمغرب تفوق أسعارها في فرنسا 

ضمن الحقائق التي وقف عندها تقرير المجلس الأعلى للحسابات: الطريقة التي يتم بها تدبير تحديد أسعار الأدوية في المغرب، وهوامش الأرباح الخيالية التي يجنيها الصيادلة من خلال تسويقهم أدوية مصنعة محليا، أو مستوردة من الخارج.

وجاء في التقرير الخاص بسنة 2012، أن التحقيقات التي أجراها حول قطاع تسويق الأدوية في المملكة، أبانت عن حقائق مذهلة؛ حيث إن أسعار الأدوية في المغرب تفوق أسعارها في فرنسا –مثلا- بنسبة تتراوح ما بين 200 و300%.

وضرب المجلس الأعلى -الذي يرأسه إدريس جطو- المثل بمجموعة من الأدوية، من ضمنها "سيفادروكسيل" الذي يبلغ سعره بالجملة 128.21 درهما في المغرب، في حين لا يتجاوز ثمنه 42.81 درهما في فرنسا. الشيء نفسه بالنسبة للمستحضر الدوائي "ريسبيريدون" الذي يسوق بالجملة بسعر 484 درهما في المملكة، في حين يبلغ سعره في فرنسا 214 درهما.

وتوقف المجلس عند خروق في مسطرة اقتناء لقاحات في عهد الوزيرة الاستقلالية ياسمينة بادو، وكذا وجود مستودعات لتخزين الأدوية غير مناسبة تشوبها عيوب على مستوى البناية والرفوف، وهما القضيتان اللتان كانتا أسالتا الكثير من مداد الصحافة في المغرب.

اختلالات وغياب الشفافية في تسيير المخيمات الصيفية 

ضمن الاختلالات التي وقف عندها المجلس الأعلى للحسابات، وخصها بمذكرة استعجالية وجهها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إدريس جطو، للسلطة الحكومية المكلفة بقطاع الشباب في موضوع: التسيير المالي للمخيمات الصيفية. حيث وقف عند ما اعتبره "ممارسات غير قانونية"؛ منها أن النفقات المتعلقة بنشاط التخييم تنجز خارج قواعد المحاسبة العمومية.

وأكد قضاة المجلس على أن كتابة الدولة المكلفة بالشباب ومصالحها الخارجية، تقوم بإنجاز نفقاتها المتعلقة بنشاط التخييم خارج قواعد المحاسبة العمومية والنصوص المنظمة للصفقات العمومية.

وأوردت بهذا الصدد ملاحظات عدة؛ منها توريد مواد بما يفوق مبالغ الصفقات المبرمة، "إذ في بعض الحالات، يطلب النواب الإقليميون من نائلي الصفقات الاستمرار في تزويد النيابات الإقليمية بالمواد الغذائية بما يتجاوز بكثير الكميات المتعاقد بشأنها، دون سلك مسطرة العقد الملحق المنصوص عليها في المرسوم المنظم للصفقات العمومية".

وسجل في هذا الإطار ما يتم من توريد مواد وإنجاز أشغال في غياب علاقة تعاقدية، "حيث يلجأ مسؤولو النيابات الإقليمية عادة إلى توريد مواد وإنجاز أشغال في غياب أي علاقة تعاقدية، ويطلب من بعض الممونين الذين يقبلون بهذا التعامل إنجاز أشغال، أو توريد مواد غذائية إلى حين التوصل بالاعتمادات المالية، وإبرام صفقات أو إصدار سندات الطلب "لتسوية" مستحقاتهم.

وأكد التقرير أمر أداء المبالغ الإجمالية للصفقات المبرمة، رغم عدم التسلم الكامل للكميات المتعاقد بشأنها؛ "حيث يلجأ النواب الإقليميون، في حالات أخرى، من أجل تفادي إلغاء اعتمادات التسيير، إلى إبرام صفقات بكميات تفوق الاحتياجات الحقيقية، تؤدى مبالغها الإجمالية للمتعاقدين معهم، رغم عدم التسلم الفعلي لجميع المواد المتعاقد بشأنها برسم هذه الصفقات".

وأشار التقرير إلى ما يتم من اعتماد نظام لصرف النفقات العمومية، بديلا للنظام الذي أسسه القانون العام المالي، بالإضافة إلى عدم احترام مبدأي المنافسة والمساواة في ولوج الطلبيات العمومية، وعدم شفافية وصدقية المحاسبة الإدارية للمندوبيات.
 
مندوبية التخطيط.. عشوائية في توقيت البحوث والعينات

المندوبية السامية للتخطيط التي انطلقت كوزارة للتوقعات الاقتصادية سنة 1998 قبل أن تصبح مندوبية في 2003، لا حظ قضاة المحاكم المالية أنها تقوم باستهداف غير صائب للوحدات المستطلعة، وأن وحدات البحوث غالبا ما تكون موضوع عدد من البحوث المتزامنة؛ مما يؤدي إلى ضجر وسأم بعض الأسر؛ وبالتالي رفض التعاون مع باحثي المندوبية السامية للتخطيط.

التقرير سجل أيضا قيام المندوبية ببحوث في فترات غير ملائمة، وسجلت كمثال بهذا الصدد أن البحوث المنجزة على المقاولات تتزامن برمجتها من طرف مديرية الإحصاء إلى جانب ما ذكر من وجود فوارق كبيرة ما بين العينات المستهدفة والبحوث اليدانية؛ حيث رأى القضاة أن النسبة العالية للإلغاءات أو الأخطاء تجعل من العينة الأساسية المعتمدة أقل تمثيلا. 

ورصد التقرير أيضا عدم ملاءمة مؤهلات الباحثين لطبيعة البحوث الإحصائية؛ حيث إن البحوث التي تتطلب تقنيات خاصة، تنجز من طرف باحثين لا تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة.

ولوحظ على المندوبية الاستعمال المحدود للتكنولوجيا الحديثة في عملية جمع المعلومات، وأيضا الاستغلال والنشر المتأخر لعدد من البحوث والدراسات.

لاحظ المجلس أنه يتم صرف تعويضات عن "بحوث وهمية"؛ من خلال تعميم توزيع تعويضات التنقل لتشمل حتى الموظفين الذين لا يشاركون في البحوث الإحصائية. 

وقال إن هؤلاء يستفيدون من تعويضات على أساس بحوث وهمية مسماة "الدراسات الجهوية". وأوصى المجلس باحترام المقتضيات القانونية المتعلقة بالتعويضات عن التنقل، والتفكير مع السلطات الحكومية المختصة في صياغة نظام خاص للمندوبية السامية للتخطيط، فيما يتعلق بالتعويضات المتعلقة بالبحوث الإحصائية.

وأفاد التقرير ذاته -كذلك- بأن البحوث الإحصائية الوطنية لا تستجيب لمتطلبات الفاعلين المحليين؛ ذلك أن المديريات الجهوية لا تتوفر إلا على معطيات ومعلومات ذات طابع جهوي، في حين أن الحاجيات تتموقع على مستوى العمالات والجماعات. ويرجع ذلك، بالأساس، إلى محدودية العينة التي يتم اعتمادها لإنجاز العمليات الإحصائية.

كما أن المديريات الجهوية لا تتوفر على قاعدة معطيات جهوية من شأنها تلبية الطلبات المتزايدة على المعلومة الإحصائية؛ لما تكتسيه من أهمية في برمجة الأنشطة الخاصة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، سواء على المستوى الجهوي أم المحلي.

لذا؛ أوصى المجلس الأعلى للحسابات المديريات الجهوية بتعزيز التعاون مع الفاعلين المحليين، وذلك للاستجابة، قدر المستطاع، للحاجيات والتطلعات، فيما يتعلق بجمع المعطيات الإحصائية على الصعيد المحلي.

مخزون العقار بالدار البيضاء في خطر

أفاد التقرير نفسه للمجلس الأعلى للحسابات بأن غلاء وندرة العقار بجهة الدار البيضاء الكبرى، يشكل أحد المخاطر التي تهدد إنتاج شركة العمران، وخلصت مراقبة تسيير الشركة من طرف قضاة المجلس، للفترة ما بين 2007 و2012، فيما يخص ضبط المخاطر وتدبير الوعاء العقاري، إلى امتلاك الشركة مخزونا عقاريا يقدر بـ1983 هكتارا؛ منها: 1738 هكتارا (أي 88 في المئة) وضعت رهن إشارتها عبر ثلاث اتفاقيات موقعة من طرف الشركة القابضة العمران والدولة، خلال الفترة 2003 - 2009، و245 هكتارا (أي 12 في المئة) تم الحصول عليها بثمن بلغ 50 درهما للمتر المربع في المتوسط. 

وقال تقرير المجلس إن هذا المخزون تتهدده أخطار وتواجهه إكراهات متعددة؛ تتمثل في "قيام سلطة الوصاية أو الدولة بتحويل جزء من هذا العقار إلى مؤسسات أخرى، أو تخصيصه لمشاريع أخرى لا يتم تدبيرها من طرف الشركة"، فضلا عن "التخلي عن أراض تبعا لنتائج دراسات الجدوى"، ثم "احتلال العقار من أطراف أخرى"، و"عدم فتح بعض المناطق للتعمير". 

وذكر التقرير -فيما يخص موضوع النشر- أن شركة العمران تتخلى عما يقارب 520 هكتارا من مخزونها، أي 30 في المئة من الأراضي الموضوعة رهن إشارتها من طرف الدولة؛ نظرا لطبيعة ومحتوى هذا الوعاء، والوضع الجغرافي والتعميري للعقار، إضافة إلى اعتبارات أخرى ترتبط أساسا بأولويات الدولة.

وخلص التقرير بخصوص استغلال العقار إلى أن الشركة لم تستطع أن تعبئ منه سوى 610 هكتار، في حين أن 607 هكتارات لم تستغل بعد. أما فيما يتعلق بالأراضي -موضوع الاتفاقيات المبرمة مع الدولة- فإن نسبة الاستغلال لم تتجاوز 35 في المئة. إضافة إلى ذلك، فإن العمليات التي قامت بها الشركة على الأراضي المعبأة لم تتعد نسبة الإنجاز بها 48 في المئة.

من جهة أخرى، تبين أن هذه الشركة لا تتوفر على مساطر دقيقة تتعلق باقتناء العقار، تكون مبنية على مقاربة للبحث على الأراضي، سواء الخاصة منها أم العمومية؛ إذ إن مختلف المشاريع المبرمجة يعتمد عقارها على مخزون عقار متكون حصريا من العقار العمومي الذي لا يتم تجديده بنفس وتيرة استهلاكه. وتبقى مجهودات الشركة، في هذا الصدد، متواضعة؛ حيث إنها لم تستطع رصد سوى 247 هكتارا لتعزيز مخزونها، منها: 230 هكتارا في ملكية الخواص، يتراوح ثمنها ما بين 70 و900 درهم للمتر المربع. 

وأوصى المجلس الأعلى للحسابات الشركة بتعزيز مخزونها العقاري، والتقليص من الاعتماد على العقار العمومي.

شركات التدبير المفوض.. إجحاف للسكان وتعاقدات دون تقييم 

قام قضاة المجلس الأعلى للحسابات ببحث واقع مؤسسات التدبير المفوض بالمغرب، وهي مؤسسات أوكل لها بمختلف المدن المغربية تدبير أمور الماء والكهرباء، وتطهير السائل وهي في المجمل أجنبية وفرنسية أو إسبانية على وجه الخصوص.
 
في هذا الصدد سجل التقرير عدة اختلالات في التسيير المالي والمحاسبي لعقد تفويض تدبير الخدمات المتعلقة بتوزيع الكهرباء والماء والتطهير السائل بجهة الدار البيضاء الكبرى لصالح شركة "ليديك"، وتوقف عند عدم "مطابقة بعض بنود عقد التدبير المفوض للقوانين والأنظمة المعمول بها"، خصوصا تلك التي تنص على إضافة المصاريف المالية المرتبطة بالنشاط الكلي للشركة إلى كلفة الاستثمار ورفعها بـ6 بالمئة، علاوة على إضافة المصاريف العامة إلى كلفة الاستثمار، وزيادة رفعها بـ10 بالمئة.

وأفاد التقرير بأن المقتضيات المالية بالعقد "مجحفة في حق المشاريع والسلطة المفوضة"، كما تحدث عن "غياب مؤشر على تقييم استحقاق وملاءمة الأرباح الموزعة من طرف المفوض له"، ووجود "تناقص ملحوظ للفائض الخام للاستغلال؛ بسبب بعض القرارات والمصاريف غير المبررة".

وأكد انه خلال الفترة الممتدة بين 2009 و2011، بلغ الهامش التجاري لليدك نحو 1.6 مليار درهم، وناهز الفائض الخام للاستغلال نحو 470 مليون درهم.

أما النتيجة المحاسبية المالية غير الاعتيادية فتعانيان عجزا هيكليا؛ مما جعل النتيجة الصافية لليدك ترسوحول 240 مليون درهم، أي نحو 15 بالمئة من هامش الربح التجاري، و51 بالمئة من الفائض الخام للاستغلال.

ضمن خروق التدبير المفوض التي رصدها تقرير المجلس من خلال تقييمه الدقيق للتدبير المحاسباتي والمالي؛ للوقوف على مدى احترام شركة "ريضال" لالتزاماتها التعاقدية من حيث مسك المحاسبة والتعرفات المطبقة وفوترة الأشغال المسددة والتدبير التجاري ومراجعة التعرفات ودورة الأعمال التجارية وفوترة استهلاك الكهرباء والماء الصالح للشرب والتطهير السائل.

وسجل تقرير المجلس أن السلطة المفوضة لا تقوم من جانبها بتفعيل الإجراءات العقابية المخولة لها رسم عقد التدبير ضد المفوض إليها، بالرغم من تمادي هذه الأخيرة في التماطل في تقديم المعلومات والوثائق الدورية المدرجة في العقد؛ مما يشكل خرقا واضحا لعقد التدبير.

أما بخصوص "التدبير المحاسبي والمالي"، فسجل التقرير "عدم مسك ريضال للمحاسبة التحليلية وللمحاسبة المتعلقة بالميزانية"، و"التصديق على حسابات ريضال دون تحفظ من الخبراء المحاسبين مع وجود تقارير تفيد بوجود عدة تحفظات"، فضلا عن "إنجاز خارج الآجال لعملية الرفع من رأسمال ريضال"، و"أداء ريضال لمصاريف دون أساس تعاقدي أو تنظيمي"، وسجل المجلس أيضا "الربط بالشبكة الكهربائية بصورة غير مشروعة".

عمليات مراقبة التدبير المفوض لخدمات جمع النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، والتنظيف وتدبير المطرح العمومي، أفضت بمدينة طنجة إلى تسجيل مجموعة من الملاحظات؛ منها: "إبرام العقد الجديد دون تقييم التدبير المفوض السابق"، و"غياب دراسات تقييم حجم الخدمات التعاقدية، وعدم تحيين المعطيات الأساسية للعقد"، و"غياب إطار استراتيجي لتدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، وعدم دمج كل مكونات المرفق العمومي الجماعي المتعلق بتدبير النفايات الصلبة"، ووجود "قصور ونواقص في بنود عقد التدبير المفوض"، بالإضافة إلى "عدم احترام البنود التعاقدية المتعلقة بمراجعة الأثمان".

يذكر أنه ولأول مرة وضمن المقتضيات الدستورية الجديدة يلزم الفصل 148 من الدستور الرئيس الأول للمجلس بعرض  أعمال المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، ويكون متبوعا بمناقشة.  

ورفع رئيس المجلس -وفق المقتضيات الدستورية- تقريرا لملك البلاد، وتسليم نفس التقرير إلى كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين. ونُشر في الجريدة الرسمية للمملكة عدد 6228 مكرر بتاريخ 6 فبراير 2014.