قضايا وآراء

ثورة جامعات الغرب تمهد لنظام عالمي أعدل

أحمد القديدي
بدأت تتأكد مؤشرات تغيير عميق في المواقف بفعل ثورة ضمائر الشباب الجامع، فنقرأ منذ يومين استجوابا لأحد فلاسفة فرنسا المناصر القديم لإسرائيل (ألن فينكيلكروت) الذي قال لأول مرة بأن دولة إسرائيل مهددة بالزوال.. الأناضول
بدأت تتأكد مؤشرات تغيير عميق في المواقف بفعل ثورة ضمائر الشباب الجامع، فنقرأ منذ يومين استجوابا لأحد فلاسفة فرنسا المناصر القديم لإسرائيل (ألن فينكيلكروت) الذي قال لأول مرة بأن دولة إسرائيل مهددة بالزوال.. الأناضول
تزامنت انتفاضة الجامعات الأمريكية والأوروبية لنصرة غزة مع حركات النخب اليهودية التي تكاثرت للتنديد بحرب الإبادة وآخر هذه التحركات المؤثرة كتاب وشريط سينمائي للكاتب والمخرج اليهودي الأسترالي (أنتوني أوينشتاين) بعنوان (ليس باسمي ترتكبون المجازر).. ووقع على بيانه الشجاع 450 مثقف يهودي استيقظت ضمائرهم على جريمة دولة غير مسبوقة ارتكبها يهود في غزة.

ومعلوم أن محطة 7 أكتوبر غيرت ملامح المشهد السياسي الدولي الجائر والذي فرض بقوة السلاح والإعلام تصورات مغشوشة مشوهة للحقائق لعل الناس أينما كانوا تعودوا على التسليم بها على مدى عقود من الزمن والاكتفاء بما يحكى لهم من أكاذيب دون إعمال العقل ودون التدبر لكشفها، وخاصة المليار و800 مليون مسلم الذين مع الأسف خالفوا تعاليم ربهم سبحانه الذي أمرهم بالتدبر واستخدام عقولهم لتبين الحق من الباطل ثم التحرك والجهاد لفرض ذلك الحق كما كان فجر الإسلام منذ الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعصر الفتوحات الكبرى.

اليوم قام فتية آمنوا بربهم بتحقيق معجزة التغيير الكامل، حيث حطمت أصنام الخرافة الصهيونية التي سوقت لدولة ديمقراطية نشأت على أنقاض هولوكوست رهيب وعاد شعبها إلى أرضه الموعودة!

منذ أيام ملأت شاشات القنوات صور حية لمظاهرات الطلاب الأمريكيين يعتصمون في جامعة كولمبيا ويرفعون رايات فلسطين الحرة ويطالبون بوقف حرب الإبادة وكف دولهم عن إعانة القتلة ومجرمي الحرب.. واعتصم طلاب وأساتذة أعرق معهد للتكنولوجيا وهو أعرق معاهد التكنولوجيات المتطورة في العالم للمطالبة بإيقاف التعاون بين معهدهم والبنتاغون ووزارة الدفاع الإسرائيلية التي دفعت لإدارة المعهد 11 مليون دولار ثمن إنتاج صواريخ أدق وأسرع!

ثم انتقلت عدوى المظاهرات إلى كل جامعات الولايات المتحدة ومنها إلى جامعة السربون وكلية العلوم السياسية بباريس أشهر مصنع للقادة وحكام فرنسا منذ نصف قرن.. ويعتصم الطلاب وأساتذتهم داخل مباني الكلية لا يتراجعون أمام قمع السلطات الفرنسية رافعين أعلام فلسطين ومنددين بحرب الإبادة وقتل آلاف الأطفال.

بدأت تتأكد مؤشرات تغيير عميق في المواقف بفعل ثورة ضمائر الشباب الجامع، فنقرأ منذ يومين استجوابا لأحد فلاسفة فرنسا المناصر القديم لإسرائيل (ألن فينكيلكروت) الذي قال لأول مرة بأن دولة إسرائيل مهددة بالزوال، وكرر تلك العقيدة مع الإعلامي (بوجيداس) في قناة "أل سي أي".

هذه الثورات الشعبية التي قمعت في إبانها وسجن أو قتل محركوها استطاعت قلب موازين القرن العشرين ومكنت الأمم من حريات أوسع وفيها نضع ثورة الجامعات الغربية التلقائية التي انتفض شبابها ضد حرب الإبادة الإسرائيلية
وعودة إلى جامعة كولمبيا نقول بأنها كانت دائما الرائدة في رفض المظالم، ونتذكر ثورة طلابها عندما اغتيل (مارتن لوثر كينغ) في 4 أبريل 1968 كما انتفضت الجامعة للتنديد بحرب أمريكا في فيتنام عام 1972 وكان من أبرز المتظاهرين شابان هما (كلينتن) و(محمد علي كلاي) ثم إثر مقتل المواطن الأسود (جورج فلويد) بأيدي شرطي عنصري في يونيو 2021 واليوم تكمل نفس المسيرة لكن رجال السلطة الذين يقمعون طلابها هم أنفسهم الذين انتفضوا للاحتجاج على العنصرية واغتيال (لوثر كينغ)!!

تعيد الانتفاضة الراهنة للأذهان ثورة الشباب الفرنسي ضد الرئيس ديغول في مايو 196، وقد عشت تلك الهبة الطلابية والعمالية الشاملة في باريس، وأدركت نتائجها الكبرى بتغيير جذري في المجتمع الفرنسي والأوروبي بشعارات مناوئة لصناعة الأسلحة وترويج العبودية الجديدة وهدم الهياكل المتكلسة في الإدارة والتعليم والنقابات بشعارات منها (الحب عوض الحرب).

اشتعلت الجامعات الفرنسية اليوم رفضا للإبادة الجماعية، ولا ننسى أن فرنسا هي الوحيدة منذ 40 عاما التي سن برلمانها "قانون غايسو" الغريب العجيب الذي يحكم بالسجن على كل أستاذ جامعي أو مؤرخ يشكك في أرقام الهولوكوست وكان من ضحايا هذا القانون صديقي المفكر الكبير المسلم الفرنسي رجاء جارودي عام 1998 وأسست أنا لجنة عالمية لمناصرته مع جريدة الشرق القطرية الغراء.

ويتذكر الكبار ثورة شباب الصين على استبداد الحزب الشيوعي بداية الثمانينات وتلك الصورة الرمزية الرائعة للشاب الصيني الذي يقف أمام الدبابة ويمنعها من التقدم في ساحة (تيان أن مين) في بيجين. كما يتذكرون ثورة الشعب التشيكي بقيادة (ألكسندر دبشيك) ضد غزو براغ من قبل الدبابات الروسية وكذلك ثورة النقابات العمالية البحرية في ميناء (غدانسك) البولندي بقيادة (لاش فاليزا).

كل هذه الثورات الشعبية التي قمعت في إبانها وسجن أو قتل محركوها استطاعت قلب موازين القرن العشرين ومكنت الأمم من حريات أوسع وفيها نضع ثورة الجامعات الغربية التلقائية التي انتفض شبابها ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في حين لم تتحرك الجامعات في أغلب بلاد العرب ولم تتحرك الدول العربية كما كنا نتوقع. والشكر لزميلي الدكتور أحمد البرقاوي رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بباريس الذي أنصف الموقف القطري على قناة الزيتونة الأسبوع الماضي حين قال: "دور سلبي للدول العربية ما عدا الإستثناء القطري المشرف".

وطبعا بدأ المراقبون في كل العالم يدركون أن العنصرية الإسرائيلية الماسكة بالحكم هي المسؤولة عن انسداد أفاقها وفقدان أساطيرها يقول الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان: "إنه إذا كان نتنياهو عازماً على اجتياح رفح في محاولة للقضاء على حركة حماس دون خطة للخروج وعدم وجود أي أفق سياسي من شأنه الدفع بحل الدولتين إلى الأمام فقد يؤدي ذلك إلى "اتساع نطاق العزلة التي تعيشها إسرائيل عن العالم والمزيد من الصدوع في العلاقات بين إسرائيل وإدارة بايدن" ومن جهة أخرى يذكرنا اياد أبو شقرا بكفاح الجامعات الأمريكية فيكتب: "مثلما لعبت هوليوود دوراً مهماً في المجابهة الليبرالية ضد ظاهرة المكارثية اليمينية المتشددة كانت الحُرم الجامعية وتحديداً في ولايات الجنوب حلبات مواجهة مع حكامها وساستها اليمينيين حصل هذا مع اشتداد عود "حركة الحقوق المدنية" المناوئة للتمييز العنصري في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي ورفض غُلاة العنصريين السماح للطلبة السود بدخول جامعات البيض وكان بين أشهر شخصيات تلك الفترة القس الدكتور (مارتن لوثر كينغ) الناشط اللامع ضد العنصرية وغريمه (جورج والاس) حاكم ولاية ألاباما (في حينه) الذي كان من أشرس المناهضين للحقوق المدنية للسود.
التعليقات (0)

خبر عاجل