قضايا وآراء

مائة عام.. بين بناء الدولة وتدميرها!

1300x600
في مثل هذه الأيّام وقبل 100 عام أُعلن عن تأسيس دولة العراق، وذلك بإعلان "المملكة العراقيّة" كنتيجة طبيعيّة لثورة العشرين الشاملة ضدّ الاحتلال البريطانيّ.

وقد نُصّب الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق نهاية آب/ أغسطس 1921، وتأسّست وقتها العديد من الدوائر العريقة ومن ضمنها مديريّة الصحّة العامّة، وغير ذلك من الدوائر العسكريّة والمدنيّة الشاخصة حتّى الآن في العديد من مدن العراق. ولهذا، هنالك من يطلق لقب "مؤسّس الدولة العراقيّة" على الراحل الملك فيصل الأوّل، وبالذات مع إدخاله العراق لعصبة الأمم في العام 1932، وحصوله على الاستقلال التامّ من المملكة المتّحدة.

بدأت مرحلة العهد الجمهوريّ مع نهاية الملكيّة بقيام ثورة 14 تموز/ يوليو 1958، واستمرّت التقلّبات السياسيّة حتّى العام 1968، ومجيء حزب البعث للسلطة، الذي سيطر على الحكم حتّى مجيء الاحتلال الأمريكيّ في العام 2003، وبدأت حينها مرحلة التخريب العمليّ للدولة بمفهومها السياسيّ والعلميّ الحديث!

صار العراق بعد العام 2003 أمام واقع مؤلم ومتهالك في غالبيّة الملفّات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والخدميّة والصحّيّة، وقد فقد نتيجة لذلك مئات آلاف المواطنين الذين قتلوا، أو اختطفوا لانعدام الأمن، وضياع مفهوم السيادة الداخليّة.

حقيقة دمار الدولة العراقيّة أكّدها الرئيس برهم صالح، خلال تعليقه على فاجعة مستشفى ابن الخطيب يوم السبت الماضي، حيث قال؛ إنّ "الفاجعة كانت نتيجة تراكم دمار مؤسّسات الدولة جراء الفساد وسوء الإدارة"!

تعدّ الدولة العراقيّة من الدول المتقدّمة في مجال الموازنات الماليّة السنويّة الضخمة، حيث إنّ مجموع الموازنات للأعوام التي تلت العام 2003 هي أكثر من 1.2 ترليون دولار، ومع ذلك نجد جملة من المعضلات القاتلة في غالبيّة المجالات الضروريّة لبناء الوطن، وخدمة الإنسان!

وتعاني الدولة اليوم من ديون ضخمة تصل إلى نحو 160 مليار دولار، أغلبها ديون خارجيّة، وبفوائد عالية جدا.

إنّ القطاعات الأمنيّة والصحّيّة تعتبر من أهم القطاعات المرتبطة بالإنسان والوطن على حدّ سواء؛ لأنّ من يضمن سلامة الإنسان وصحّته، ويوفّر له القدر الكافي من الخدمات سيبني دولة قويّة قائمة على أسس العطاء والبذل والعلم والطمأنينة، والعكس صحيح تماما!

وتعتبر معضلة الكهرباء في مقدّمة المعضلات المستعصية، إذ أنفق عليها منذ العام 2003 أكثر من 80 مليار دولار، وهذه المبالغ كافية لإضاءة الشرق الأوسط بأكمله، ومع ذلك قال عضو لجنة الطاقة النيابيّة، صادق السليطي، منتصف الأسبوع الحاليّ؛ إنّه "لا توجد هناك خطوات إيجابيّة لحلّ أزمة الكهرباء، وإنّ واقع الكهرباء سيكون شحيحا، ومشابها للصيف الماضي"!

وهذا الحال المؤلم ينطبق على القطاع الصحّيّ، الذي يعاني من فساد ماليّ مذهل. وقد سبق للدكتور علاء العلوان وزير الصحّة في حكومة عادل عبد المهدي، أن قدّم استقالته في العام ٢٠١٩ التي ذكر فيها: "فلا أنا، ولا غيري، قادر على التغيير والإصلاح بدون انتفاضة شاملة"!

الواقع الصحّيّ الهزيل ظهر يوم السبت الماضي (24 نيسان/ أبريل 2021) بجلاء كبير في حادثة حريق مستشفى ابن الخطيب ببغداد، التي راح ضحيّتها أكثر من 100 مريض في قسم الإنعاش، وذلك بعد انفجار أسطوانة (أو أسطوانات) أوكسجين مخصّصة للمرضى، وقد تفاقم الحادث لعدم وجود منظومة إنذار مبكّر في المستشفى لتحذير وإشعار المواطنين بالحريق، أو الخطر، بينما هذه الأجهزة موجودة في كلّ منازل المسؤولين في الدولة!

حكومة بغداد شكّلت لجنة تحقيق في المجزرة، وسحبت يَد وزير الصحّة وغيره من كبار المسؤولين في الوزارة، وقرّرت تعويض أهالي الضحايا بمبلغ سبعة آلاف دولار، وهو مبلغ زهيد جدّا، إذا ما قورن بالتعويض الذي حصل عليه جورج فلويد (27 مليون دولار) الذي قتلته الشرطة الأمريكيّة، وكلا الجريمتين من جرائم القتل غير العمد!

فهل قيمة الإنسان العراقيّ، ورغم كلّ الموازنات الضخمة، هي فقط سبعة آلاف دولار؟

هذه الحقائق وغيرها تؤكّد أنّ الدولة بحاجة إلى إنعاش عاجل لإنقاذها، من هذا منظومات الخراب الإداريّ، والفساد الأمنيّ والخدميّ والاقتصاديّ!

يعزّ علينا أن نكتب عن الخراب في دولتنا بعد مائة عام على تأسيسها، وكنّا نأمل لو أنّ العراق يكون من الدول المزدهرة لتخطّ أقلامنا، وبزهو وفخر وسعادة كبيرة، كلّ صور الازدهار والتطوّر والحضارة!

ولكنّ.. واقعنا مرير، وأحلامنا متنامية، ودولتنا تتنفّس اليوم بصعوبة، فكيف سيكون غد العراقيّين؟

twitter.com/dr_jasemj67