ملفات وتقارير

ماذا وراء بناء مصر جدارا أمنيا جديدا على حدود قطاع غزة؟

يصل طول الجدار العازل إلى 60 كم- فيسبوك

أثار شروع السلطات المصرية بتشييد جدار أمني جديد على حدودها مع قطاع غزة، تساؤلات حول أهداف وتداعيات هذا المشروع.

 

وبحسب مختصين، فإن الجدار يعكس مخاوف من زيادة الضغط الكبير الذي يمارس على القطاع المحاصر بهدف "خنق المقاومة"، رغم تحسن ضبط الحالة الأمنية على طرفي الحدود.

جدار حدودي عازل


وأكدت مصادر أمنية فلسطينية لـ"عربي21"، أن "أعمال البناء في الجدار بالقرب من الشريط الفاصل مع مدينة رفح متواصلة، وهو يبعد أمتارا معدودة فقط عن الجدار الحجري القديم".


وبدأت مصر في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، في "بناء جدار حدودي عازل على طول الشريط الفاصل مع قطاع غزة، بارتفاع ستة أمتار، ويمتد خمسة أمتار أخرى تحت الأرض، على طول 60 كلم، بحسب ما أورده موقع "i24" الإسرائيلي.

 

اقرأ أيضا: أنباء عن تحذير مصري لإسرائيل من تنفيذ اغتيالات للسنوار وعيسى

ونوه الموقع، أن "بناء الجدار العازل، يأتي في الوقت الذي أعلن فيه الجيش المصري في 3 شباط/فبراير الجاري، عن العثور على نفق يصل طوله إلى ثلاثة كيلومترات تقريبا، من قطاع غزة إلى قلب مدينة رفح المصرية".


وزعم أن "الجدار يأتي ضمن سعي مصر لتعزيز الأمن على حدودها مع غزة، ومنع تسلل "العناصر المتطرفة" من هناك إلى أراضيها، حيث سيمتد من معبر كرم أبو سالم إلى معبر رفح، على بعد حوالي كيلومترين".


وتوقعت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أن يتم الانتهاء من أعمال بناء "الجدار العازل" في نهاية العام الجاري.


وحول أهم دلالات وتأثير وتوقيت إقامة هذا الجدار، أوضح الخبير الأمني الفلسطيني كمال التربان، أن "هذا جدار أمني بامتياز، ويأتي تشييده تحسبا لأي ردات فعل من قبل الشعب الفلسطيني قد تحدث نتيجة لفرض حلول صفقة القرن أو أي إجراءات أخرى من قبل الجانب الأمريكي أو الإسرائيلي، وعليه تكون الحدود محمية".

منظومة أمنية متكاملة

 

 ونوه في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الجدار يساهم في زيادة التضييق على قطاع غزة المحاصر، الذي يصنف على أنه جسم متمرد، وليس من مصلحة أحد أن تبقى أنفاس المقاومة موجودة في غزة، وما يجري هو زيادة في الضغط لخنق المقاومة"، مؤكدا أن "الشعب الفلسطيني أقوى من أن تمرر عليه حلول رغما عن إرادته".


وعن مشابهة الجدار الأمني المصري لحد كبير، للجدار الذي يقيمه جيش الاحتلال الإسرائيلي على حدود قطاع غزة وحتى داخل الضفة الغربية المحتلة، بين التربان، فإن "هذه منظومة أمنية متكاملة، ومن يتخيل أن البعد الأمني للدول المحيطة منفك عن الاحتلال الإسرائيلي، فهو مخطئ".


ولفت الخبير إلى أن "الوفود التي تصل إلى المنطقة، تأتي من أجل تبادل الخبرات، وتخطط لمثل هذه الأعمال بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني (السلطة) الذي يجتمع مع جهاز الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)".


وأضاف: "ما يجري يأتي ضمن منظومة متكاملة لتمرير "صفقة القرن" الأمريكية، وعلينا أن ندرك أن الصراخ في وسائل الإعلام شيء والأداء الميداني على الأرض شيء آخر".


وحول ما قام به الوفد الأمني المصري الذي وصل غزة مؤخرا، من قيامه بزيارة منطقة الحدود فور وصوله إلى القطاع، قال: "لم يكن وفدا أمنيا فقط، بل ضم خبراء ومهندسين لتفقد الإجراءات وسير العمل من الجانب الفلسطيني، وهل الأداء جيد في الجانب الفلسطيني مثل الجانب المصري أم لا؛ فكان الغرض هو الجدار بالدرجة الأولى".


ونبه التربان، أن "خيارات غزة صعبة، ولا تفعل شيئا إلا من اللحم الحي وبدفع أثمان، وهي لا تريد أن تضاعف المعاناة على المواطن الفلسطيني المحاصر، وما يجري يأتي ضمن سياسية الموازنات ما بين الجانبين، والمعادلة معقدة وصعبة".

الجدار سلاح ذو حدين


بدوره، بين الخبير السياسي والأمني العميد مصباح أبو كرش، أن "بناء هذا الجدار الجديد على الحدود مع رفح، يعود لاعتبارات أمنية بالدرجة الأولى يتفق على ضرورة تحقيقها والحفاظ عليها كلا الجانبين؛ مصر وغزة".


وفي المقابل، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك ضررا كبيرا سيعود على القطاع، في حال عادت مصر لإقفال المعابر الحدودية الرسمية في وجه سكان غزة؛ لأن الهدف من بناء الجدار، مرتبط بالدرجة الأولى بالقضاء على تلك الأنفاق التي تم استخدامها بشكل عام للحد من أضرار الحصار على أكثر من صعيد".


وأضاف أبو كرش: "بلغة الواقع غير المستقر في علاقة العالم الخارجي مع غزة، والتي لا يتم التعامل معها بصفة سياسية لها ضماناتها من قبل هذا العالم، فبناء مثل هذا الجدار الفاصل يعتبر سلاحا ذا حدين بالنسبة لغزة الملاحقة والمحاصرة، لاحتضانها المقاومة".


من جانبه، رأى الخبير الأمني بغزة محمد أبو هربيد، أن "بناء هذا الجدار، يأتي ضمن الاحتياجات الأمنية لمصر، التي لديها تعاون وعلاقة مع الاحتلال، مع وجود أمن مشترك مع أكثر من طرف"، موضحا أن "هذا الجدار هو فكرة قديمة، يقام على أرض مصرية، يأتي بالتنسيق مع الداخلية في غزة لضمان الاستقرار والأمن على الحدود، والحفاظ على الحالة العامة".


وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "فكرة الجدار الخرساني الذي يجري العمل فيه هذه الأيام بوتيرة متسارعة، سبقه جدار حديدي، وقبله جدار قصير من الحجر؛ وكل هذا بهدف منع عمليات التهريب وانتقال الناس من الطرفين"، لافتا إلى أنه "مع وجود بعض العناصر المتشددة، تطلب الأمر إقامة جدار قوي".

تشديد الخناق على غزة

 

وأشار أبو هربيد، أن "إقامة هذا الجدار، جاء ضمن عملية أمنية عسكرية قام بها الجيش المصري في سيناء"، معتبرا أن "الجدار هو أحد أدوات التحصين من أجل الحماية، في ظل غياب الإمكانيات لدى الطرف الفلسطيني على الطرف الآخر من الحدود، مع وجود إشكاليات لدى الطرف المصري".


وبين أن "المرحلة الأولى من الجدار، تمتد من معبر كرم أبو سالم وحتى بوابة صلاح الدين، وهي منطقة رخوة أمنيا وقريبة من الطرف الإسرائيلي"، مع الإشارة إلى أن المسافة ما بين معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال وحتى ساحل البحر المتوسط غربا، تصل لنحو 14 كلم.

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف تفاصيل اجتماع الفصائل بالوفد المصري بغزة

وقدر الخبير، أن "إقامة هذا الجدار، يقطع الذرائع أمام أي مزاعم بدخول فلسطينيين من غزة إلى مصر عبر الحدود، وقطع الطريق أمام عمليات تهريب من قبل مصر، يمكن أن يعكر صفو العلاقة الأمنية مع غزة، إضافة لمنع تهريب المخدرات وغيرها من الأشياء من قبل الجانب الإسرائيلي إلى سيناء، والتي تضر بالأمن القومي المصري".


وحول علاقة الجدار مع إجراءات الاحتلال التي تستهدف قطاع غزة، نوه الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، أنه "منذ مجيء عبد الفتاح السيسي (رئيس النظام المصري) للحكم، فقد باتت السياسة المصرية تتواءم بشكل كبير مع ما يريد الاحتلال".


وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الوضع، جعل من أي خطوة مصرية تتعلق بغزة، مرهونة بشكل كبير بالتنسيق مع إسرائيل، وهذا يتضح ليس فقط في موضوع الجدار مع رفح، بل أيضا في قضية المعابر والتعاطي مع ملف غزة، وفي قضية كل تصعيد، يأتي الوفد الأمني المصري في حال كان الاحتلال بحاجة لكبح هذا التصعيد".


وأكد أبو عواد، أن "هذا الجدار خطير جدا، ويشي بأن مصر التي تتساوق مع الأجندة الأمريكية في المنطقة، بدأت بتطبيق صفقة القرن قبل طرحها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، متوقعا أن "يولد هذا الجدار، احتكاكا ما بين قطاع غزة ومصر في المستقبل، وسيضيق الخناق كثيرا على القطاع".