ملفات وتقارير

هكذا يلجأ الفلسطينيون للكهوف لمقاومة تهجير الاحتلال (صور)

توجه الفلسطينيون للكهوف جاء في البداية ضمن نطاق المبادرات الفردية من المواطنين- عربي21

فرضت اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في عام 1993، تقسيما جغرافيا لأراضي الضفة الغربية التي تبلغ مساحتها 6 آلاف كيلو متر مربع، ويقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة، عبر تقسيمها إلى ثلاث مناطق إدارية، وهي (أ- ب- ج).


وتخضع المناطق (أ) لسيطرة مدنية وأمنية كاملة للسلطة الفلسطينية، وتشكل 18 بالمئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة، أما المناطق (ب) فتديرها السلطة بشكل جزئي في قطاعات التعليم والصحة وتعود مسؤولية الأمن للطرف الإسرائيلي، وتشكل مساحتها 21 بالمئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية.


أما المناطق (ج) فهي تخضع للسيطرة الإسرائيلية إداريا وأمنيا، ويقطنها حوالي 400 ألف فلسطيني، ويمارس الاحتلال بحقهم كل أشكال التمييز العنصري، حيث يتعرضون بشكل شبه يومي لاعتداءات متكررة من الجيش والمستوطنين بهدف إجبارهم على ترك منازلهم.


تهجير متعمد


وبحسب تقرير لمنظمة "بيتسليم" الحقوقية الإسرائيلية، فإن الاحتلال يرفض غالبية طلبات البناء التي يقدمها الفلسطينيون في مناطق (ج)، ووفق الأرقام الصادرة في التقرير فقد تقدم للإدارة المدنية 5475 طلبا للحصول على رخصة بناء للأعوام الممتدة من 2000- 2016، وما تمت الموافقة عليه 226 طلبا فقط، أي 4 بالمئة من إجمالي الطلبات المقدمة.


إضافة إلى ذلك؛ يشير التقرير إلى أن الفترة الممتدة من 2006- 2018، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي 1401 منزلا فلسطينيا في هذه المناطق، وقد أسفر ذلك عن تشريد 6207 فلسطيني بينهم 3134 طفل لم يتجاوز عمرهم 16 عاما.


تنظر إسرائيل إلى مناطق (ج) على أنها امتداد طبيعي لها، حيث يقطن هذه المناطق قرابة 300 ألف مستوطن، أي أنهم يشكلون 40 بالمئة من إجمالي أعداد المستوطنين البالغ عددهم 800 ألف، وبذلك يسعى الاحتلال إلى ضم هذه المناطق وإبقاء مناطق (أ، ب) تحت سيطرة السلطة سواء بحكم ذاتي، أو من خلال اتحاد كونفدرالي مع الأردن.


اللجوء للكهوف


هذه الإجراءات العنصرية دفعت بالفلسطينيين إلى الاحتماء بالكهوف، كونها الملاذ الأخير لهم في ظل محاولات اجتثاثهم من أرضهم، سواء من خلال اعتداءات المستوطنين المتكررة، أو بسبب الرفض المتكرر منحهم تصاريح البناء.


توجه الفلسطينيون للكهوف جاء في البداية ضمن نطاق المبادرات الفردية من المواطنين، ولكنه توسع ليصبح استراتيجية تبنتها السلطة مؤخرا، حيث افتتح محافظ الخليل للمرة الأولى في 6 من الشهر الجاري خمسة كهوف في قرية يطا جنوب المدينة التي تقع في مناطق (ج).

 

اقرأ أيضا: شركات أمريكية تدعم الاستيطان الإسرائيلي بآلاف الدولارات


وفي تعليقه على ذلك، أشار نائب محافظ الخليل كامل حميد إلى أن "بناء هذه الكهوف جاء بتمويل مشترك من المحافظة وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بعد أن وصلت للمحافظة عشرات الطلبات من المواطنين يطالبون بضرورة ترميم ما هو متوفر من الكهوف في القرى الجبلية، بعد محاولاتهم المتكررة للحصول على رخص البناء لمنازلهم والتي يقابلها رفض إسرائيلي بالمطلق".


وأضاف حميد لـ"عربي21": "قمنا في البداية بافتتاح خمسة كهوف في قرية يطا، ويجري الآن الاستعداد لافتتاح 8 كهوف أخرى في قرى قلقس والظاهرية، وسيتم تسلميها للمواطنين الذين يعانون من صعوبات في العيش بمنازلهم نتيجة قدمها وانتشار الرطوبة، حيث أن جزءا كبيرا من هذه المباني يمتد عمره لأكثر من 70 عاما، وبذلك فهي مهددة بالسقوط في أي لحظة".


وتابع حميد قائلا: "نحرص أن تكون هذه الكهوف ملائمة للحياة الآدمية، حيث يجري بناء مجمع للمياه العذبة يخدم سكان القرية، وتوفير الطاقة الكهربائية من خلال الخلايا الشمسية، إضافة لمصرف صغير للمياه العادمة".


انعدام الحلول الأخرى


من جانب آخر، لفت رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عساف إلى أن "الهيئة لا تدخر جهدا في دعم الفلسطينيين أمام الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي تهدف إلى طردهم، كما أن اللجوء لهذه الطريقة في إيواء من هم مهددين بالتهجير جاء في ظل انعدام الحلول الأخرى".


وأضاف عساف لـ"عربي21" أن "الكهوف الخمسة التي قامت بتشييدها الهيئة بالتعاون مع محافظة الخليل، تمت عن طريق توسيع مساحة الكهف ليصبح ملائما لدخول وخروج المواطن منها دون أي عوائق تذكر، كما تم وضع بطانة من الأسمنت داخل الكهف لسد أي مخابئ للأفاعي أو الجرذان".


لم تكن استراتيجية اللجوء الكهوف الوحيدة التي تبناها الفلسطينيون للحفاظ على أرضهم من محاولات التهجير الإسرائيلية، حيث شهد العام الماضي افتتاح وزارة التربية والتعليم مدارس التحدي في المناطق (ج) نظرا لصعوبة وصول الطلاب لمراكز المدن بسبب التحكم الإسرائيلي في الطرق ووضع الحواجز أمامهم.


"عربي21" حاورت عددا ممن استفادوا من هذه المبادرة، حيث أشار المواطن هادي شحادة من سكان قرية يطا إلى أن "الإقامة في الكهوف لها طابع خاص مقارنة بالمنازل التقليدية، ولكنه خيار العدم إذا ما نظرنا إلى البيوت المتهالكة التي نقطنها، حيث تقدمنا 8 مرات خلال السنوات الثلاثة الماضية للحصول على رخصة بناء لتشييد طابق علوي للمنزل الذي كنا نقيم فيه، ولكن الإدارة المدنية الإسرائيلية رفضت طلبنا بذريعة حظر أي نشاط معماري في هذه المناطق."

مصطفى شحادة الذي يتقاسم الكهف مع شقيقه هادي، أوضح لـ"عربي21" أن "مساحة الكهف لا تتعدى 40 مترا، وهي عبارة عن غرفة صغيرة تضم منافعها من مطبخ ودورة صغيرة للمياه، نلجأ إليها في الليل، وفي النهار نبقى على مقربة من ماشيتنا ومزارعنا، وقد تكيفنا بسرعة مع هذا الواقع فنحن من أصول بدوية، ونعرف تضاريس الجبل جيدا".