كتاب عربي 21

ما تأكد نهايات 2018.. وسوف يزداد تبلورا في 2019

1300x600
بعد وصول ترامب بأيام قليلة إلى البيت الأبيض، كتبتُ مقالة أتوقّع فيها أنّه سوف يسعى إلى تشكيل تحالف شرق أوسطيّ يضمّ "إسرائيل"، يكون من أثمانه المدفوعة سلفا تصفية القضية الفلسطينية، والتركيز على إيران و"الإسلام السياسي". بمرور الوقت، كان التحالف يتبلور، والصورة تتضح، والانقسامات في العالم وداخل النخبة الأمريكية الحاكمة تتأكّد.

بدا التحالف للوهلة الأولى مخيفا.. دول عربية مركزية، وأخرى ثريّة باتت فاعلة ومبادرة، تقيم تحالفا مع بنيامين نتنياهو، ورأس البيت الأبيض يُنظّم هذه العلاقة القائمة على "أنقاض" الثورات العربية والإسلام السياسي. ومع انتكاسة آمال التغيير بعد "هزيمة" الثورات العربية والإسلام السياسي، فإنّ الانتكاسة المعنوية ستكون هائلة، وهذا التحالف ينتفش ويسعى لإعادة هندسة المنطقة من جديد تماما، بما يكرّس سيادته وهيمنته، ويمحو أي إمكانية لنهوض قوى التغيير، سواء أكانت إسلامية أم غيرها.

من شروط إنتاج الهندسة تلك؛ تصفية القضية الفلسطينية، فهي الثمن المقدّم سلفا من الدول العربية التي تندرج في هذا التحالف، ثم لأنّ هذه القضية من أهم عومل التغيير المعاكس في المنطقة، يمكن لنا أن نتذكر الآن، كيف أن دولة عربية ثرية ومركزية أطلقت حملة للهجوم على الشعب الفلسطيني وقضيته، واتهام هذا الشعب ببيع أرضه، تماما أثناء هبّة البوابات الحديدية في المسجد الأقصى. ولم تكن هذه الحملة مقتصرة على الذباب الإلكتروني، بل دفعت إليها كتاب أعمدة في صحف ورقية تصدر من داخل الدولة، كما صدّرت أمثالهم على شاشات الفضائيات من داخل الدولة نفسها للترويج إلى التطبيع.. وذلك كلّه كان بعدما صرّح نتنياهو أن المشكلة ليست مع الأنظمة العربية، وإنما مع الرأي العام العربي. يمكن لنا أن ندرك إذن درجة الحرارة المرتفعة في هذا التحالف ساعتها، ومستوى التنسيق المحموم بينهم حتى في التفاصيل.

ومن ضرورات إعادة هندسة المنطقة وفق رؤية ومصالح ذلك التحالف، تصفية الدول والقوى التي دعمت الثورات العربية، أو لا تتبنى موقفا عدوانيّا من الإسلام السياسي. حصار قطر لم يكن بعيدا عن هذا، ومحاولات الإطاحة بأردوغان تأتي في قلب هذه الضرورات.

لكنّ هذه الانتفاشة كانت تخفي خلفها سؤالا مهمّا: لماذا هذا الاستعجال؟ ولماذا الفجاجة الصادمة في الأدوات والتصريحات والمواقف؟ وبعدما تأكّد انقسام النخبة الأمريكية، بات السؤال الأهم: لماذا الرهان على متغير، وعلى إدارة محلّ انقسام، ويبدو أن غالبية الفاعلين في مراكز القوى داخل المؤسسة الأمريكية تسعى لإفشالها؟! مجرد طرح هذه الأسئلة، وحتى قبل الإجابة عنها، يكشف عن فزع حقيقي كامن في أحشاء جبروت هذا التحالف!

على الأرجح كان من دوافع قيام هذا التحالف التحوّل الحاصل في رؤية المؤسسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، بتخفيف الحضور في هذه المنطقة، مع ضمان ضبطها بتسليمها لـ"شرطيين" كبيرين، هما إيران وتركيا، يُضبطان بدورهما بأدوات صغيرة أخرى.

إنّ مجرد هذا التصور يصيب كل أركان ذلك التحالف بالفزع، إذ تفقد "إسرائيل" أولا مكانتها الوظيفية، وبالتالي تراجع ضمانات بعض الأنظمة العربية التي ترتبط بها ارتباطا أقرب إلى العضويّ، بينما تتعرض أنظمة الخليج لتهديد متصاعد بتعاظم قوّة دولتين طموحتين وفاعلتين ومبادرتين، ولذلك لم تجد هذه الدول بدّا من الارتماء في حضن متغير، والاستعجال من خلاله لفرض رؤيتها على المنطقة.. هذا الاستعجال كان يخفي فزعا أكثر مما يظهر ثقة، أو بعبارة أخرى، الثقة البادية في الاستعجال مضللة، وإنما هي فزع حقيقي يسعى للاستثمار الكامل في الممكنات المتاحة أثناء فترة ترامب قبل انصرافه. وبذلك صارت هذه الأطراف جزءا من الأزمة الأمريكية الداخلية، وربما جزءا من أزمة عالمية أكبر، طرفاها تيار اليمين العنصري، ويقابله تيار العولمة.

قطر وتركيا راهنا على الثابت داخل المؤسسة الأمريكية، فكان موقفهما أقوى وأصلب، رغم أن شراسة الطرف المقابل تعطي انطباعا مختلفا، أما إيران فراهنت على صبرها وأوراق القوة التي راكمتها بدأب طوال العقود الأخيرة، فخرجت هذه الأطراف الأكثر استفادة من تدافع كسر العظم طوال العام 2018، ولا سيما أردوغان.

يجري حديث متصاعد الآن عن محاكمة ترامب، أو في أحسن أحواله؛ حصار إدارته، وبينما تنسحب أمريكا من سوريا بالتنسيق مع تركيا، يفشل التحالف الإماراتي السعودي في اليمن، وبعد أزمة خاشقجي، تنهار صورة الأمير محمد بن سلمان التي أنفق عليها مئات الملايين، و"إسرائيل" التي تبدو عاجزة عن خوض مواجهة في وقت واحد مع حماس وحزب الله، تفقد دورها الوظيفي بالتدريج.. هذه النتائج سوف تتبلور بشكل أوضح خلال العام الجاري 2019.