قضايا وآراء

منظمة التحرير والشرعية الغائبة

1300x600
قد نختلف معها، لكننا لا نختلف عليها، فهي كيان وطني جامع و مُمثل للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده سواء في الداخل أو الخارج، إنها منظمة التحرير الفلسطينية ، كلام مُرسل نسمعه في كل يوم وكل مناسبة من الأحزاب والفصائل والساسة والمتحدثين من أقصى اليسار وحتى أقصى اليمين، بل إن الأحزاب والحركات غير المنضوية في إطار المنظمة وهيئاتها تُقر وتعترف بذلك.

 لم يكن قرار إنشاء المنظمة في العام 1964 قرارا فلسطينيا خالصا، وإن كان للمرحوم أحمد الشقيري دورا بارزا في ذلك، فقد كان للنظام العربي الرسمي ممثلا بجامعة الدول العربية مساهمة كبيرة، وإن كنّا لا نعرف ماهية الدوافع والأسباب في ذلك الوقت، لكنه كان حدثا عظيما وخطوة مُهمة على طريق تشكيل أول قيادة فلسطينية في إطار مُنفصل عن تلك الأنظمة وإن كان بشكل صُوري نظرا للهيمنة التي كان يتمتع بها النظام العربي الرسمي على القرار الفلسطيني.

ناضل الفلسطينيون سنوات طويلة ودفعوا أثمانا باهظة في سبيل التخلص من التبعية والوصول لمرحلة القرار الفلسطيني المستقل، وما بين النجاحات والإخفاقات استطاعوا ولو بالحد الأدنى من الوصول لمبتغاهم، حين أعلن الشهيد ياسر عرفات أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فصائل وأحزاب ونقابات واتحادات ومستقلين شاركوا في صنع القرارات وكانوا على قدرٍ عالٍ من المسؤولية والمشاركة الفعلية.

 لكن للأسف وبعد أربعة وخمسين عاما على التأسيس تحولت المنظمة ومجلسها الوطني لكيان ضعيف مصاب بالشيخوخة، وانتقلت من هيمنة النظام العربي عليها لهيمنة واستفراد تيار واحد على قرارها، بعد هذه السنوات المريرة في تاريخ الصراع مازلنا نطالب بالانتخابات التي تضمن تمثيل عادل للجميع حسب القوة والحجم.

السنوات الطويلة على التأسيس كانت كفيلة بذوبان واختفاء بعض الفصائل والتي لم يتبق منها سوى اسمها وممثلها في اللجنة التنفيذية، وفصائل أخرى أثبتت قوتها وتواجدها ومع ذلك غير ممثلة في هيئات المنظمة، نعم تلك الفصائل لم تكن في البدايات لكن من غير المبرر أن نتجاوزها ونستبعدها من صناعة القرار، في الوقت الذي تحتضن فيه المنظمة فصائل كرتونية ليس لها وزن ولا دور، فالشعب الفلسطيني يعرف أنها ما عادت موجودة على الأرض ولا في الميدان.

للأسف لم يعد المجلس الوطني ممثلا حقيقيا للشعب الفلسطيني بأطيافه وألوانه بالشكل المأمول والمطلوب، وهنا لا نشكك بشرعيته ككيان ولكننا نطالب بإصلاحه وإعادة بناءه على أساس من الديمقراطية والتمثيل العادل لكل مكونات الشعب الفلسطيني من أحزاب ونقابات واتحادات وشخصيات مستقلة.

المنظمة الآن في أمس الحاجة لإحداث مراجعة شاملة وتطوير لنظامها الداخلي وهيئاتها وهيكلياتها لتكون قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر والمشاريع التصفوية التي تحدق بقضيتنا، فهي بحاجة لمجلس وطني حقيقي منتخب تنبثق عنه لجنة تنفيذية قوية صاحبة قرار يتوافق عليه الجميع ويُلبي آمال وطموحات شعبنا، الشعب الفلسطيني في الخارج تجاوز الستة مليون إنسان فمن غير المعقول ألا يشاركوا في صنع القرار، فالأصل أن الداخل والخارج هم جناحا الوطن.

المرحلة خطيرة وحساسة وتكاد تكون الفرصة الأخيرة لكل من قيادة المنظمة والفصائل الأخرى التي تعمل خارج إطارها ليتخذوا قرارهم التاريخي بالعمل معا وسويا في خندق واحد وضمن إطار موحد والاستجابة لتطلعات الجماهير الفلسطينية العريضة.

تبادل الاتهامات والتخوين يُسيء لنا ولا يُفيد أحد بل أن المستفيد الوحيد هو الاحتلال وأعوانه ومن يدور في فلكه، دعونا نطوي صفحة الخلاف ونُسدل الستار عن فصل أسود من تاريخ شعبنا وقضيتنا، المشوار طويل وشاق ولا يستطيع أحد أن يسير فيه بمفرده، فلا إقصاء ولا تفرد، فالوطن يحتاج الجميع دون استثناء.

نحن بحاجة للعمل السياسي والدبلوماسي وبحاجة للمقاومة المحسوبة والمدروسة فكل منهما يُكمل الآخر، رحم الله الشهيد ياسر عرفات عندما أعلن عبر منصة الأمم المتحدة في العام 1974 قائلا: "جئتكم أحمل في يدي غصن الزيتون وفي اليد الأخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، لم يكن حديثا عابرا وإنما رسالة مهمة مفادها أننا لا يُمكن أن نتمسك بخيار واحد دون جدوى وإنما لدينا ما نقوله وما نفعله لتحقيق مطالبنا وحقوقنا بالدولة والعودة وتقرير المصير.