قضايا وآراء

في وطني... الفن إرهاب والكلمة إرهاب

1300x600
لا يمكن أن يؤيد سَويٌ قتل الأبرياء وتدمير المنشآت وترويع الآمنين، كما أن مواجهة من يفعل ذلك فرض على الدولة وواجب على الشعب تأييدها في مواجهته، ولربما لعمل النظام في مصر هذه الغريزة في الشعب، لعب كثيرا - ولا يزال - على وترها. فمنذ اللحظات الأولى من وثوب قائد الانقلاب على الحكم بعد إطاحته بالرئيس المنتخب في 3 تموز/ يوليو 2013 وهو يدندن على هذا الوتر. فتبريرا لانقلابه، قال إن الحكومة المنتخبة ورئيسها إرهابيون يريدون قتل الشعب! وأن أذرع الحكومة منتشرة في كل مكان لقتل الناس وهدم الدولة، ولغرض ما تحول إلى أعز بقعة على قلب المصريين (سيناء) ليقتل أهلها، كل أهلها، بتهمة أنهم إرهابيون. لكن أن تقنعني أن الفنانين والمبدعين وضمائر أممهم من شعراء وكتاب وممثلين ومخرجين هم إرهابيون، فهذا لا يُتخيل... لكنه في بلدي حدث، حدث لأن بلدي لم تعد تعيش المنطق، فالمنطق في وطني قتل يوم فض رابعة.

في 31 تموز/ يوليو الماضي حكمت محكمة عسكرية على الشاعر جلال البحيري بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة، وإهانة المؤسسة العسكرية"، وذلك بعد أن اعتقله الأمن في 3 آذار/ مارس دون معرفة مكان احتجازه، بالمخالفة للقانون والدستور، حتى مثل أمام محكمة أمن الدولة العليا وأثار التعذيب واضحة عليه، وهو ما لم تلتفت إليه المحكمة، لتقضي عليه بالحكم المذكور، وذلك بعد أن تيقنت المحكمة من اقترافه جرم "الإبداع".. نعم يا سادة فقد انتقد الشاعر - بحسب ما رأته المحكمة - في ديوانه "خير نسوان الأرض" المؤسسة العسكرية. وهذا لعمرك جرم كبير في وطني، ففي وطني المؤسسة العسكرية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.

وفي 25 تموز/ يوليو، أي في نفس شهر الحكم على البحيري، حكمت محكمة عسكرية على مدير مسرح، يدعى أحمد الجارحي، وزميله الكاتب المسرحي وليد عاطف، وأربعة من زملائهما الممثلين، بالسجن لمدة شهرين مع وقف التنفيذ، وذلك لأدائهم مسرحية تدور أحداثها عن قصة سليمان خاطر، الجندي المصري الذي أطلق النار وقتل سبعة صهاينة بصقوا على العلم المصري بالقرب من الحدود المصرية مع الكيان الصهيوني في سيناء في عام 1985.

هذه الاعتقالات أسس لها رأس النظام في مصر في كلمة له في آذار/ مارس الماضي، قال فيها إن إهانة الجيش أو الشرطة "خيانة عظمى"، واصفا من ينتقد المؤسسة الأمنية بأنها ليست حرية التعبير، وعلى إثر ذلك، وكما في كل الديكتاتوريات، سارعت الحكومة بوضع مزيد من الرقابة على النشر وحرية التعبير. ففي 11 تموز/ يوليو الماضي أصدر رئيس وزراء النظام مصطفى مدبولي المرسوم رقم 1238 لعام 2018، الذي يفرض قيودا شديدة على تنظيم أي أحداث ثقافية أوفنية، محلية كانت أو دولية؛ نصت المادة الثانية منه على وجوب الحصول على ترخيص مسبق من وزارة الثقافة. وهذا أمر إجرائي لا يمكن معارضته، لكن المادة تنص أيضا على وجوب التنسيق مع من سمته المادة "السلطات المختصة في الدولة"، وهو يعني أن الجهات الأمنية ستكون حاضرة لمحاربة الإرهاب.

وأخيرا، يصادق رأس النظام على قانون تشديد الرقابة على الإنترنت أو ما سمي "جرائم الإنترنت"، والذي حذرنا منه منذ أشهر وهو في طور الإعداد، والذي يسمح للسلطات بحظر المواقع الالكترونية التي تراها تلك السلطات تشكل "تهديدا" على الأمن القومي أو الاقتصاد المصري، ليُسكت الرجل ونظامه كل من يتكلم أو ينتقد.

وعلى الرغم من أن الزمن غير الزمن، وعلى الرغم من أن الكلمة لم تعد لتقمع، فإن النظام ما زال يستدعي حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي بما فيها من قمع للحريات وتكميم للأفواه، وهو ما يجعلنا نستدعي كلمات العظيم أحمد فؤاد نجم:

ممنوع من السفر
ممنوع من الغنا
ممنوع من الكلام
ممنوع من الاشتياق
ممنوع من الاستياء
ممنوع من الابتسام
وكل يوم في حبِّك
تزيد الممنوعات
وكل يوم بحبك
أكتر من اللي فات