قضايا وآراء

الفريضة الغائبة بين القوى الوطنية المصرية

1300x600
السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا حاليا: هل القضية المصرية وإنقاذ بلادنا مما هي فيه الآن هي الأولوية بالنسبة لنا وشغلنا الشاغل ومُقدمة على أي شيء آخر؟ وهل إنكار الذات وإعلاء مصلحة الوطن العليا هو محركنا الأساسي؟ أم أن مجرد وجودنا في المشهد والحل المنتظر أهم من نجاح القضية نفسها؟

ينبغي علينا جميعا كأحزاب وقوى وشخصيات سياسية - أو حتى كمواطنين عاديين - أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، وذلك كي نضع أيدينا على موضع الخلل تحديدا، ولنجيب عن التساؤلات التي يطرحها الكثيرون، وأهمها: لماذا لم ننتصر إلى الآن رغم مرور كل هذه السنوات؟

وأنا لست ناشطا سياسيا أو حقوقيا، فقد بدأ اهتمامي بشأن بلدي وأزماتها في أعقاب ثورة يناير المجيدة، وعقب الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013. ولا أدعي أن لي علاقة بالسياسة، بل إنني لا أريد العمل بالسياسة على الإطلاق، بل كل ما آمله أن أرى بلدي مصر مثل دولة أمريكا التي أعيش بها منذ فترة طويلة تجاوزت 18 عاما، وتمتعت فيها بحرية وديمقراطية وعدل ومساواة، وفرحت كثيرا جدا بثورة 25 يناير، ولأول مرة أشعر بصدق الشعار الذي رفعه الثوار في ميدان التحرير "ارفع رأسك فوق أنت مصر".

إلا أنني بعدما رأيت الخلافات والانقسامات والتراشقات بشأن الكثير من القضايا الصغيرة قبل الكبيرة، وبشأن مواقفنا الأيديولوجية أو أخطاء الماضي؛ نظرا لأن كل فريق يُصر على مواقفه وقناعاته، ويريد فرض تلك الرؤى على الجميع ويتعمد البعض إقصاء أو تشويه البعض الآخر. وبعدما كنا شركاء الوطن والثورة، أصبحنا بكل أسف فرقاء الوطن والثورة، ولماذا لا نقبل الآخر مهما كان حجم الخلاف بيننا؟ ولماذا لا يتسع صدرنا للآخر رغم أننا جميعا يتم التنكيل بنا من قبل النظام، وأصبح الظلم يطال الجميع دون تفرقة؟

وقد أصبحنا اليوم أمام احتلال للوطن بالوكالة بشكل ما أو بآخر، وهذا أسوأ مئة مرة من الاحتلال الأجنبي المباشر، وجميع الأحزاب والشخصيات العامة تدرك ذلك جيدا، ورغم كل ذلك لا أحد يريد أن يقدم تضحيات أو أن يكون على قدر المسؤولية وكارثية ما يحدث بحق بلدنا وشعبنا، فكل طرف يُصر على رأيه وموقفه، سواء من يرفعون مطالب عودة "الشرعية"، أو القوى المدنية التي ترفض أي تعاون أو أي عمل مشترك مع الإسلاميين، وفي القلب منهم جماعة الإخوان.

وكلامي هذا موجه للجميع دون استثناء، وليس مقصودا به طرفا دون غيره، وهذا انطلاقا من تواصلي مع بعض هذه الأطراف في الداخل والخارج. فطالما هناك إقصاء ورفض للعمل أو التنسيق أو التعامل والتكامل مع الآخر، فلن يتغير أي شيء في مصر إلا للأسوأ وفقط، ولن نخرج من أزمتنا غير المسبوقة حتى لو استمر الوضع عشرات السنوات. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، أولا وقبل أي شيء آخر.

من يريد عودة الدكتور محمد مرسي والشرعية كاملة لا تتنازل عن مبدئك، ومن لا يريد ذلك فلا مانع مطلقا أن يحافظ على قناعاته، إلا أن هذا لا يعني عدم التنسيق والتعاون والتكامل مع الآخر على أرضية مشتركة، فلن يستطيع أي أحد - مهما كانت قوته وعلاقاته واتصالاته - تحقيق النجاح بمفرده. لا مفر من العمل الجماعي الذي أصبح هو الفريضة الغائبة حتى الآن، وبغيابه لن يكون هناك أي مخرج للأزمة.

وأخيرا، ظهر على الساحة المصرية رجل لا يريد أي شيء لنفسه سوى صالح البلاد والعباد، لا يبغي منصبا أو شهرة أو مالا، لا يريد سوى إنقاذ بلده.. حارب من أجل تحرير وطنه سابقا، وها هو يحارب الآن بما في يديه، ويدعونا جميعا إلى "كلمة سواء"، رغم المخاطر الكثيرة وحملات التهديد والوعيد والتشويه التي يتعرض لها ليل نهار عقب إطلاقه صرخة للجميع حكاما ومحكومين أن اتحدوا بحبل الوطن واعتصموا به.

النداء الذي أطلقه المقاتل الكبير والدبلوماسي المرموق السفير معصوم مرزوق؛ يدعو لاستفتاء على بقاء السيسي في الحكم من عدمه، وهو قد يكون أدرك مسبقا أن السيسي لن يستجب لذلك، ولهذا يعطي الفرصة للجميع، ووضع الخطوة التالية، وهي الاحتشاد في قلب ميدان التحرير - بيت الثورة المصرية - لعقد مؤتمر شعبي موسع لبحث الخطوات التالية مع مختلف القوى الوطنية.

والسفير مرزوق أكد أن نداءه ليس منقوشا على حجر، بل قابل للتعديل أو الإضافة أو الحذف، وأكد أن هذا مجرد اجتهاده الشخصي بحكم خبرته العسكرية والدبلوماسية والسياسية على مدار 40 عاما، ولذا فمن المفترض أن يتداعى الجميع ويستمع ويستجب لصرخة الرجل، وإلا فإننا سنتداعى جميعا تألما من الصراخ والوجع والضربات المؤلمة التي يوجه نظام السيسي لنا جميعا.

ومن أيدوا السفير مرزوق إلى الآن هم كُثر من غير المسيسين، بينما غاب عن التأييد المأمول القوى السياسية في الداخل والخارج، وهذا ميزة وعيب في الوقت ذاته، ولم يكن شرطا أن يكونوا في مطبخ التحضير للنداء، بدليل أن العمل الجماعي منذ 2013 وحتى الآن لم ينجح. ولأول مرة يكون هناك فعل وليس رد فعل، وبغض النظر إذا كان ذلك عملا فرديا أم جماعيا، إلا أنه في حد ذاته فعل سياسي أصبح له تأثير ملموس على الأرض، وقد يساهم بشكل أو بآخر في تغيير الأوضاع.

وأتذكر هناك مكالمة دارت بيني وبين أحد الرموز السياسية في الخارج (أتحفظ على ذكر اسمه) حول الموقف من نداء السفير معصوم مرزوق، فقال لي إن المبادرة بشكل مجمل مقبولة في معظمها، بل إنها جيدة، لكني لا أستطيع الإعلان عن دعمها وتأييدها، فحينما سألته عن السبب، أجاب: يجب أن انتظر حتى أرى إلى أين تتجه وقد تمر سريعا كما مر غيرها، وبالتالي لو أعلنت دعمي لها الآن سأحرق سياسيا وسأفقد بعض أنصاري، فرددت عليه قائلا: "مصر الآن هي التي تُحرق، وحتما ستحترق أكثر طالما أن حضرتك وغيرك لا تقفوا مواقف بطولية وشجاعة، وحتى لو لم تنجح المبادرة سيكتب لنا التاريخ أننا حاولنا ولم نوفق، وهذا أضعف الإيمان.

وأدعو جميع القوى السياسية في الداخل والخارج إلى عقد اجتماعات وورش عمل وتقديم أوراق وتصورات بشأن كيفية التعاطي مع مبادرة مرزوق، وما هي نقاط القوة والضعف فيها. وهذا أقل ما يمكن تقديمه؛ لأن الصمت السياسي سلبية مقيتة إزاء الأخطاء التي تهدد المجتمع.

ومثل هذه الشخصية التي أتحدث عنها، والتي ستقرأ كلامي هذا، لن أتواصل معها مجددا، فمن غير المقبول أن تنتظر الانتصار حتى تعلن دعمك ومساندته له. وللأسف كل يوم أعرف حقيقة الكثيرين وأفقد الأمل في بعضهم، ولذلك أنا أحيي كل الشخصيات والرموز السياسية التي أعلنت دون مواربة دعمها لمبادرة السفير معصوم مرزوق، ودون خوف من ابتزاز أو تخوين أو مزايدات رخيصة.

نحن لم نستطع الانتصار على السيسي إلى الآن، ليس لأنه قوي، على العكس، فمصدر قوة وجبروت وطغيان السيسي هو ضعفنا وخلافاتنا وانقساماتنا، فالسيسي ونظامه أضعف مما نتخيل، وأرى أن ما تعانيه مصر سبب رئيسي فيه بنسبة لا تقل عن 70 في المئة هم قوى المعارضة ومن يصفون أنفسهم الجماعة الوطنية، والـ30 في المئة الباقية سببها السيسي وممارساته وسياساته.

رسالتي للداخل والخارج: إن إنكار الذات يتطلب أن تكون مصر أولا وقبل أي شيء آخر، وطبيعي ألا تلقى أي مبادرة قبول جميع الأطراف، وسيكون بالطبع هناك مؤيد ومعارض لأي طرح أو تصور، فالاختلاف لا ينبغي أن يحول دون اتحادنا وعملنا المشترك.

وأقول للجميع: أدركوا الوطن وشعبه، تجردوا من أي مطالب أو مكاسب حزبية أو خاصة، فالتجرد وإنكار الذات هو واجب الوقت الآن، ويجب أن نضع الأولويات في مكانها الطبيعي، والأولوية القصوى الآن هي إنقاذ مصر وشعبنا، وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح.