قضايا وآراء

حلب تحترق.. لكنّها لن تُهزَم

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
نجح النظام السوري بتحويل حياة الحلبيين في المناطق المحررة ريفا ومدينة إلى جحيم لا يطاق، وبات مستحيلا العيش في هذه المناطق إذ يتهددك الموت في كل لحظة، وهدف النظام من هذه العملية إفراغ مناطق المعارضة من السكان، وبالتالي قصم ظهر المعارضة المسلحة إذ لا معنى للدفاع عن مناطق لا سكان فيها، كما يهدف النظام منع قيام نموذج مصغر لسورية المستقبل، فمعلوم أن المناطق المحررة رغم غياب سلطة الدولة، إلا أنها تتميز بمزايا سياسية واقتصادية وأمنية وقضائية لا تقارن بمناطق النظام، فهدف القصف لمنع السوريين من إجراء مثل هذه المقارنات. 

وليس هذا الإجراء وليد الشهر الماضي فقد بدأه النظام بحملة البراميل مطلع عام 2014م، حيث شهدت مدينة حلب حينها مجازر دموية دفعت الحلبيين لموجة نزوح لم تشهد لها حلب مثيلا، ورغم ذلك بقي جزء كبير من أهالي حلب متمسكا بحق البقاء، ولم يغادر حلب. 

نجح النظام بالتدمير، ونجح بتعطيل الحياة، ومنع حلب المحررة من إقامة صلاة الجمعة للمرة الأولى منذ الفتح الإسلامي لحلب عام16 للهجرة، ولكنه فشل في كسر إرادة الصمود الأسطوري، وبدا إيمان الحلبيين راسخا بأنّ بعد هذه المحنة منحة. 

ودعمَ الثوار الصمود الشعبي، وأعادوا الثقة للحلبيين، ورفعوا المعنويات، وقلبوا حقيقة ظهر المجن، وردوا على قصف المدنيين بدرسين قاسيين زلزلا النظام، وجعلاه يتأرجح. 

إذ فجّر الثوار نفقا لقوات النظام قتل فيه أكثر من 60 عنصرا باعتراف إعلام النظام، وسيطروا على ثلاث نقاط استراتيجية غرب حلب، منها الفاملي هاوس قبل أن يبادر الثوار للانسحاب نتيجة كثافة القصف من البر والجو. 

أما الدرس الثاني فكان في خان طومان إذ نجج الثوار في تحريرها بساعات، وهي التي احتاج النظام أياما وأسابيع للسيطرة عليها.

ولكل درس دلالته العسكرية والسياسية، فالدرسان أكدا عسكريا أن حلب مدينة كبيرة يستحيل على النظام السيطرة عليها من خلال الضربات الجوية، ولا سيما أنها تستهدف المدنيين. 

أما درس العملية العسكرية في حلب الغربية، فأثبت أن الثوار قادرون على تحرير حلب لو قُدِم السلاح النوعي إذ بدا النظام هشّا، ولولا الطيران لكان للمعركة مسار آخر، وأثبتت أن معركة حلب في وضعها الراهن طويلة جدا.

أما الدرس العسكري لمعركة خان طومان، فتمثل بكشف عورة النظام، وتلاشي الجيش السوري، فجلُّ من قُتِل من الإيرانيين، والمليشيات الطائفية باعتراف الإعلام الموالي، كما كشفت معركة خان طومان عجز النظام عن مسك الأرض رغم الدعمين الجوي الروس والأرضي إيران والمليشيات الطائفية. 

يُضاف للمعركتين السابقتين معركتا عندان وحندرات إذ فشلت المليشيات العراقية بالوصول لعندان، وتعرضت لمقتلة عظيمة، كما فشل النظام في حندرات ولم ينجح بقطع طريق حلب المحررة. ولم تستثمر نجاحات الثوار على الأرض سياسيا، إذ لوحظ الغياب التام للجيش السوري، وبدا واضحا أن سوريا تتعرض لاحتلال من إيران التي لا ينافسها إلا الروس.

ويبدو لافتا هنا تصعيد تنظيم الدولة لجبهات الريف الشمالي لحلب، وتهدئتها مع النظام، فالتنظيم يفضل حقيقة نجاح النظام لأنه يدرك أن النظام في حال انتصر سيكون عدوا بلا حاضنة شعبية خلافا للثوار الذين يملكون هذه الحاضنة. وتتزامن هذه الانتصارات مع تصريح الجبير مؤخرا لفرانس24 الإنكليزية حول تزويد المعارضة بأسلحة أشد قوة وفتكا، فعلى الأسد اختيار طريقة الرحيل سياسيا أو عسكريا. 

ويدلل كلام الجبير، وقبله أردوغان، واتصال الملك السعودي بالرئيس أردوغان أن أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين قد ضاقوا ذرعا بالموقف الأمريكي، ومقبلون على اتخاذ مواقف ما على الأرض، وهذا ما يسرع ويدفع الروس والأمريكان لحسم مصير الأسد سريعا، ولا يستبعد أن يكون انهيار الليرة السورية مؤشرا على ذلك، فللأسد أرصدة خارجية تمكنه من دعم الليرة، لكنه غير مستعد لدعم عملة بلد حرقه، وسيغادره. 
 
وتبقى حقيقة أن حلب لا يمكن أن تُهزم، لكنّ ذلك لا ينسي حقيقة أنها تحترق وأن أبناءها يقتلون، وينبغي تقديم الدعم لتغيير المعادلة من حلب لا تهزم إلى حلب تنتصر حتى ننهي حرق حلب. 
التعليقات (0)