أعلن صاحب موقع "أنكيفاضه" مالك الخضراوي أن الموقع بحوزته كل المعلومات والمراسلات التي تثبت تورّط أقرب مستشاري الرئيس السبسي إلى فترة قريبة وحاليا المنسّق العام لحركة "مشروع
تونس"، محسن مرزوق، في فضيحة بنما. وذلك من خلال اتصال مرزوق بالشركة البانمية المعروفة بدورها في إقامة شركات وهمية لتهريب الأموال. مضيفا أن بحوزته أيضا أدلة تفيد بأن الموقع اتّصل بمرزوق للاستفسار بشأن ورود اسمه في قائمة التونسيين الذين تضمّنتهم وثائق بنما المسرّبة، وأنهم حاولوا الاتصال بالأخير بشتى الطرق والوسائل لمنحه فرصة الرد قبل النشر، لكنه تجاهل الموضوع ورفض الرد.
مست فضيحة "وثائق بنما" عصب الحياة السياسية في تونس. حاشية الرئيس. وتحديدا محاولة أحد أهم مساعديه، وهو يقوم بحملته الانتخابية في ديسمبر 2014 البحث عن ملاذ لأموال غير معروفة المصدر إلى الآن. ليس هناك شك أن الخطر الحقيقي في تونس ليس في الإرهاب، حيث أثبت المواطنون في تصميم وعزيمة واضحة لهزمه وتهميشه. الخطر الحقيقي فقدان المواطنين الثقة في الدولة عندما لا تكون ضعيفة فقط أمام الفساد، بل الأخطر أن تحوم شبهات حول من يقومون بقيادتها؛ لأن ذلك هو المدخل ليس فقط لضرب الديمقراطية، بل أيضا لضرب السلم والاستقرار. ومثلما قلنا سابقا لا يمكن أن نصلح هذا الوضع دون مراقبة جدية لعلاقة المال بالسياسة، من خلال مشروع القانون الذي دافعنا عنه منذ سنة 2012 "من أين لك هذا؟".
الحديث عن دور لوبيات التهرب الضريبي واستغلال الدولة ليس كلاما شعبويا لمتوترين. هو مبني على تقارير مؤسسات دولية مثل البنك الدولي (في تقريره المشهور سنة 2014 حول "رأسمالية المحاباة"، أو دراسة "النفوذ السياسي والتهرب الضريبي: أدلة من تونس" في ماي 2015) وبيانات منظمة "لشفافية الدولية". وكانت دراسة سابقة عن جامعة ماساشوستس (امهرست) صدرت سنة 2012 حول هروب الأموال إلى الخارج في شمال إفريقيا، كشفت أنه خلال فترة "الكفاءات" زمن بن علي، خسرت تونس ما قيمته 33.9 مليار دولار بمعدل 1.5 مليار دولار في السنة، وهو ما يعادل مجمل الديون التي تلقتها البلاد من مؤسسات دولية في الفترة نفسها.
لنتمعن في المعطيات كما هي: الرئيس السبسي قدم قانونا اعتبر وفق منظمة الشفافية الدولية والمركز الدولي للعدالة الانتقالية، أنه يحمي الفاسدين وهو مصر عليه. كتلة الحزب الذي أسسه وعدد من مناصريه من أحزاب مختلفة يريدون توسيع صلاحياته، ومروا من القول إلى المبادرة التشريعية. وهكذا تكون المبادرة الوحيدة التي قدمها الحزب الحاكم، التقليص من صلاحيات حكومة من المفروض أنه يساندها. يجب النظر إلى ارتباط اسم أحد أهم المساعدين السابقين للرئيس، أي محسن مرزوق بفضيحة بانما، من خلال محاولته إيجاد ملاذ ضريبي لأموال غير معروفة المصدر، وهو في ضخم حملة انتخابية للسبسي. للتذكير هذه الأطراف عرفت في الوقت نفسه بدفاعها عن إدراج "جرائم الصرف" في إطار ما سمي بـ"قانون المصالحة".
هذا إضافة إلى اتهام رئيسة لجنة المصادرة في الأسبوع نفسه وهي قاضية ولا تقول أشياء بخفة، أن السبسي تدخل لحماية صهر بن علي سليم شيبوب في قضية مشهورة لأحد شركاته النفطية. وهنا من الضروري أخذ الموضوع بجدية لسبب بسيط: شركة محاماة السبسي (السبسي وأخوه) معنيون بقضية جارية في علاقة بهذه الشركة النفطية الكندية الأصل "فوياجار"، أو ما عرف حينها بـ"السبسي غايت". في الوقت ذاته يقول مدير موقع "أنكيفاضة" المساهم في نشر وثائق بانما، إن موقعه تعرض بعد نشر المقال حول مرزوق إلى هجمة قرصنة إلكترونية، لا يقوم بها قراصنة عاديون بل أجهزة قوية جدا. من المثير للانتباه أن القراصنة قاموا بدس اسم الرئيس السابق المنصف المرزوقي وهو خصم لهذه الأطراف وللوبيات الفساد في الموقع.
رغم كل ذلك هل انتصبت البلاتوهات التلفزية ليلا نهارا مثلما كان سيحدث في زمن الترويكا لتفكيك موضوع خطير مثل هذا؟! هل تم نشر صور مختلفة لسمك "القاروص" البنمي من زوايا مختلفة؟ أم تم التشكيك في الصحفيين وموقع "أنكيفاضة" و"حرفيتهم" من صحفيي أجهزة دعاية ما قبل الثورة؟!
لو حصل أمر ما وعجز موقع "أنكيفاضة" على التغلب على القرصنة، ألن تستغلو ذلك الغموض والفراغ لتشويه المرزوقي؟! أم قمتم أصلا بالمساواة بينه وبين مستشار السبسي السابق تحت عنوان "الكلهم كيف كيف" أو "الكلهم مظلومين"؟! وجدتم له مخرجا أم لا بعد؟! سأتطوع: ماذا عن نظرية المؤامرة وتورط "قوى دولية" ماسونية في الإطاحة بحلف الممانعة بقيادة أبو علي بوتين، الذي ينتمي إليه الموازي؟! فكرة جذابة أليس كذلك؟!
ليس لديكم ما يكفي من المتاع للحديث الجدي عن بنما... حسنا هل تم التعرض لتصريح القاضية ليلى عبيد رئيسة لجنة المصادرة حول تدخل رئيس الجمهورية "شخصيا" لمنع مصادرة أملاك شيبوب؟!
هل تم إثارة موضوع تعيين السبسي هذا السابوع المستشار رقم (؟) وهو المشبوه بالفبركة والتزوير لتصريحات الدكتور المرزوقي (هناك قضية جارية)، وأصلا اتهم السبسي الذي انتدبه الآن بالخرف في أثناء الحملة الانتخابية؟؟
كنت كتبت سابقا عن التهرب الضريبي وإرادة إقامة "ديمقراطية من أجل الأثرياء". أكرر ما قلته حينها: ليس الثراء في تونس مشكلا، ولا الأثرياء بالضرورة. بل كثيرهم ضحايا. ضحايا دولة بيروقراطية. ولكن أيضا ضحايا لوبيات أثرياء آخرين، كانوا دائما المنتصرين. لوبيات منتصرة بالاستبداد والآن بفضل الديمقراطية. أو الأصح ليست الديمقراطية كما هي، بل تلك التي تكون ويتم تعديلها لتكون من أجل الأثرياء. هذا المقال حول لوبيات الأثرياء المنتصرين دوما على حساب الأغلبية الساحقة من ضعاف ومتوسطي الدخل بالديمقراطية ودونها. ولاستكمال الحلقة يتم عادة قبل الديمقراطية وبعدها الإطباق على أنفاس الأغلبية بقانون طوارئ بذريعة مكافحة الإرهاب، والهدف في الحقيقة إرهاب الأغلبية للخضوع لحكم اللوبيات. ويبقى كل منهما يغذي الآخر: إرهاب الجماعات (التكفيرية) وإرهاب اللوبيات.