كتاب عربي 21

بين استقلال النضال السلمي وتبعية الثورة المسلحة

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
الثورات العنيفة أو المعارضة المسلحة تخفي في طياتها عائقا متأصلا يقوض من أهداف التحرر، من حيث أنها تعتمد بشكل كبير على الرعاية الأجنبية. فأي كفاح مسلح سيتطلب بطبيعة الحال أسلحة وذخائر وتدريب، وهذا النوع من الاحتياجات يضع الحركة الثورية في موقف خطر على الفور في مواجهة من قاموا بتسليحها وتدريبها.

اعتماد النهج العنيف سيخضِع أهداف الثورة الأصلية ليضعها تحت تبعية جدول أعمال الرعاة الأجانب الذين قاموا بتمويل الفصائل المسلحة، لتكون النتيجة أنها تتحول (وبشكل خفي) من حركة وطنية إلى مليشيا تخدم مصالح هؤلاء الأسياد الأجانب الذين قد يكونوا في شكل دول، أو أفراد أثرياء، أو كالات استخباراتية، أو مجرد وسطاء لتجار سلاح... أيا كان توصيفهم فهم ليسوا السكان الأصليين للدولة، وبالتالي فمصالحهم في الغالب ستتعارض مع مصالح هذه الشعوب على المدى الطويل.

فإذا أخذنا الثورة المسلحة في كوبا كمثال، أو السندينيين في نيكاراجوا، سنجد أن كليهما قد وضعا نفسيهما مباشرة تحت نفوذ الاتحاد السوفييتي.

أما بالنسبة للجماعات الجهادية في سوريا، فهم يناضلون للتغلب على هذا الوضع في الوقت الحالي. فبعض الجهات المانحة والغنية من الخليج تمول الجهاد ظاهريا لإقامة دولة إسلامية في سوريا، رغم أنها - كما هو واضح - لا تسعى لتحقيق هذا الهدف نفسه في بلدانها الأصلية. فهؤلاء ينفقون الملايين من الدولارات لتزويد المجاهدين بصواريخ وقاذفات صواريخ وأسلحة صغيرة، وعلينا أن نعي جيدا أن استراتيجية الاستثمار هذه تهدف في الأساس إلى خلق فرصة في سوريا للاستيلاء على الأراضي الزراعية الخصبة التي هبطت قيمتها بشكل حاد، وكذلك من أجل احتكار عقود البنية التحتية وإعادة البناء والهيمنة على قطاع الطاقة، وتأسيس موضع قدم راسخ عندما يتم إحياء السياحة في نهاية المطاف.

وطبيعي أن تكون الدول الخليجية مهتمة هي أيضا باحتواء النفوذ السياسي والاقتصادي الإقليمي لتركيا، فامتلاك الفصائل المسلحة التي قد تتحول في نهاية الأمر إلى لاعب سياسي في سوريا؛ سيضمن تفوق الخليج في عملية صنع القرار داخل الدول الصغيرة التي ستظهر فجأة فور أن يتم تقسيم سوريا. ولعل هذه الجهات المانحة الغنية تملك أيضا أسهما في شركات مثل رايثيون (Raytheon) ولوكهيد (Lockheed)، وبالتالي سيحصلون على أرباح كبيرة من الصعود المستمر في قيمة الأسهم بسبب الحرب.

لن يمكننا أن نعرف الحقيقة على وجه اليقين؛ لأنه من الواضح عدم وجود أي شفافية في هذه المسائل في دول الخليج، ومن الواضح أيضا أنه كان هناك دعم للمجاهدين على المستوى الحكومي خاصة من المملكة العربية السعودية، وهذا يكشف حقيقة أن دوافع هذا الدعم لا علاقة لها بالدين. فالسعودية وغيرها من دول الخليج هم الأعداء المعلنين للإسلام السياسي، والرعاة الرئيسيين للانقلاب في مصر، فكما نرى جداول الأعمال طويلة المدى للرعاة لا تتزامن مع جداول للمجاهدين الذين يعتمدون على دعمهم.

أما عن الدعم الغربي للجهاد في سوريا فهو أكثر غدرا، ولسنا في حاجة لأن نقول الكثير بهذا الشأن.

طبيعة نضال الجماعات المسلحة تمنعها من التعامل مع التخطيط طويل المدى، فهي يوما بعد يوم من المعارك تتعامل مع حاجتها الملحة إلى إمدادات ثابتة من الأسلحة والذخيرة وغيرها من الموارد، بينما تتبع هذه الجماعات مسار رصاصاتها الذي يقودها إلى أماكن لم تخطط لها.

أما النضال السلمي، فحتى لو كان يعتمد في بعض الأحيان على العمليات المسلحة الدقيقة الأهداف، فهو لا يتطلب دعما خارجيا، ولا يحتاج إلى تمويل مستمر أو معدات، فبإمكانه أن يكون مستقلا بشكل حقيقي، وأن يحافظ على الاستمرارية بين الأهداف والاستراتيجيات الثورية، وبالتالي يحافظ على نزاهة انتمائه المحلي باعتباره حركة تخص السكان الأصليين وتحت الرقابة الشعبية.
التعليقات (1)
فتيان محمود
الأربعاء، 02-12-2015 07:56 م
مقال اكثرمن رائع