قضايا وآراء

قراءة في مقال د.محمد عبد الرحمن عن "الثورة السلمية"

شعبان عبد الرحمن
1300x600
1300x600
نشر موقع "عربي 21" مقالا منسوبا للدكتور محمد عبد الرحمن المرسي عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان يوم 19 نوفمبر الجاري تحت عنوان " الثورة السلمية "، هذا المقال يناقش باستفاضة قضية " السلمية والثورية والقوة "التي انشغلت قطاعات كبيرة بها  في الفترة الأخيرة وجرت بشأنها  خلافات في أجواء مفعمة بالتوتر .

وتأتي أهمية هذا المقال في أنه يضع النقاط على الحروف بشأن تلك الثلاثية ( السلمية – الثورة – القوة) ، كما يحمل  أهمية كبيرة لسببين :

الأول: أن الكاتب قيادي مهم في الجماعة وأنه الوحيد من داخل مصر تقريبا الذي يتمكن- كما يبدو – من  مخاطبة الثوار، وخاصة الصف الإخواني وبالتالي يلقي كلامه اهتماما، ومن الممكن أنه قاعدة للعمل الثوري في هذه المرحلة المهمة .

الثاني: أنه يتناول قضية طال النقاش حولها بل وخروجها من محاولة التوصل، إلى الصواب إلى التخندق حول موقف بعينه .

ومع توصيفه الدقيق للأجواء التي يدور الخلاف حولها عن الثورية والسلمية، ينبه الرجل بطريق غير مباشر إلى غياب معلم مهم من أدبيات جماعة الإخوان عند الخلاف؛ حيث ساد  "جو من التوتر الشديد وتحميل الأمور فوق ما لا تحتمله، مع دخول عناصر مغرضة وأخرى لها مواقف مشبوهة، وشارك البعض بحسن نية تحركه المشاعر والعواطف " ... وهنا يتم " تجاوز الحدود واللياقة وما تعود عليه الإخوان في أدب الدعوة.. ونتج عن ذلك اهتزاز الثقة فيما بيننا، والتنازع، وتداخل المصطلحات والتعبيرات " ولو ضبط المختلفون أنفسهم وتشبثوا بأدبيات جماعتهم عند الاختلاف، لما كان هذا الخلط وما خرج الخلاف عن إطاره ولا عن أدبياته، وما احتاج الناس إلى ضبط  للمفاهيم وللمواقف .

و يقرر د. محمد عبد الرحمن أن تلك الأجواء هي التي دعته لكتابة هذا المقال عزما منه على ضبط المصطلح، وبالتالي محاولة ضبط مواقف المختلفين .

في إطار تحرير المصطلح يؤكد أن  "السلمية" عنده  تعني : رفض العنف و إراقة الدماء وإيذاء الأبرياء ... ولكنها رغم تلك المحظورات الثلاثة السالفة لا تعني " الاستسلام التام " لمن يضرب ويحاول القتل والإيذاء، لأن المعتدى عليه في هذا الحال يكون قد خرج من وضع حركته السلمية على الأرض إلى وضع الدفاع عن النفس . إذا .. حركتك  أيها المعارض للانقلاب على الأرض تكون ابتداء سلمية دون إيذاء أو عنف أو استهداف للأرواح، فإن تم الاعتداء عليك يتغير وضعك  إلى حالة أخرى اسمها " الدفاع عن النفس ". وهنا لا تكون السلمية  ترفض " القوة " بمعناها الواسع الشامل، بل تكون مكملة لها ...  لكن الضابط الشرعي هو كيف تستخدم القوة؟ ومتى؟ وموازنة النتائج قبل الإقدام عليها؛ فاستخدام القوة على إطلاقها يجعلها ثورة مخربة هوجاء . وهنا يبرز سؤال عن الجهة المنوط بها تحديد كيفية ووقت استخدام القوة وفق الضوابط الشرعية .. وهي بالتأكيد ليست كل فرد علي أرض الميدان وإنما القيادة التي تقود حركة الشارع وحركة الثورة .

ومن هنا فإن  "السلمية "  متلازمة مع " الثورة " وليست ضدها، فهي لا تعني أبدا الاستسلام أو التفريط في حقوق الشهداء أو حقوق المظلومين، وسنظل نطالب عبر سلميتنا بحقوق الشهداء والمعتقلين بصورة شرعية منضبطة، وليس عن طريق العنف الفوضوي.

مرة أخرى فإن " السلمية "  ليست مضادة للثورة ولا تعني الاستسلام أو التفريط في دماء الشهداء، و" القوة " تكون وفق الضابط الذي يحدد : متى وكيف يتم استخدامها ... تلك هي القاعدة التي من المفترض السير عليها حتى يتم إسقاط الانقلاب وإنقاذ الوطن .

ولأن بعض من تشتعل نفوسهم حماسة وغضبا ضد الانقلاب الغادر وما اقترفه ومازال يقترفه من جرائم بحق الشعب المصري، ومن لديهم قناعات مسبقة بأنه لا بديل عن العنف المطلق ولا مجال إلا لثورة تبادل العسكر عنفا بعنف وقوة بقوة التقط هؤلاء  كلمات " الثورة" و " القوة " في المقال فتاهوا فرحا وزعموا أن المقال يدعو للقوة الثورية ويرفض السلمية، ولم ينس بعض هؤلاء تسفيه دعاة السلمية انتصارا للقوة والثورية .

لكن كاتب المقال قطع الطريق على ذلك حيث  توقف الدكتور محمد عبد الرحمن عند معاني  "القوة " في فهمه وفهم الإخوان فألقى مزيدا من الضوء عليها  قائلا :  "والقوة التي نعنيها كمبدأ  لا تعني التخريب ولا تعني استهداف إراقة الدماء، ولا تعني المواجهة المفتوحة دون حسابات ودون تقدير للموقف، ولا تعني ترك الإعداد الصحيح أو إلغاء باقي منظومة العمل ، وإنما قوة منضبطة بالشرع وتحكمها موازنة النتائج ".

ثم لفت الانتباه إلى ضوابط وشروط في استخدام " القوة " ذكرها الإمام البنا، منها ما يتعلق  بالإعداد الصحيح والكيفية المناسبة على قدر الهدف المطلوب، واعتبر الإمام البنا أن استخدام " القوة "  هو آخر الوسائل إذا انسدت جميع الوسائل الأخرى.بل إن إعداد القوة متروك للواقع والظروف، فقد يكون الأمر ممكنا أو واجبا، وقد يكون ضرر ذلك أكبر من نفعه، فيتم تأجيل الأمر والصبر على الواقع حتى يتغير أو العمل على تغييره... وهذه كلها محددات وضوابط وتحذيرات في عملية استخدام " القوة " .

إذا فإن " السلمية " و " الثورة " و " القوة " منظومة واحدة يخدم كل منها الآخر ولا يضاده أو يتنافر معه، وإنما الذي يقود التنسيق بينها هو خيط رفيع من الموازنات التي تحددها القيادة؛ فـ" أحيانا تتلازم الثورة السلمية الشعبية مع القوة والإعداد الصحيح لها، ونسجل هنا بعض الأمور التاريخية لنزيل أيضا الحساسية عند البعض من كلمة "القوة وامتلاكها". وهي تنصب على مقاومة الاستعمار والاحتلال مثلما حدث مع العصابات الصهيونية عام 1948م  والاحتلال الإنجليزي عام 1951م طلبا للاستقلال .
يقول د. محمد عبد الرحمن : " وفى عام 1940 قام الإمام البنا بتكوين "النظام الخاص" وإعداده لمعركة الاستقلال التام، ولحماية الدعوة إذا فرضت الظروف ذلك عليها، ولم تدخل الجماعة أية معارك إلا في عام 1948 ضد العصابات الصهيونية، وفي عام 1951 ضد القوات الإنجليزية في منطقة القناة ". فالإعداد شيء واستخدام القوة شيء آخر، ويخضع لعدة ضوابط أهمها الجانب الشرعي ".

ويزيد كاتب المقال الأمر شرحا قائلا:" نسمع من يرفع راية السلمية ولا شيء غير السلمية، ثم يقول: مع بقاء حق الدفاع المشروع للأفراد عن النفس والعرض. أليست هذه قوة ؟ ..."

لأن المرء في حال الدفاع عن النفس ينتقل من الفعل إلى رد الفعل، ومن الحركة الذاتية السلمية إلى الحركة العكسية الاضطرارية  دفعا لأمر وقع عليه .

وبهذا تكون السلمية في الثورة هي الأساس دون تفريط في حق الشهداء، ودون التوقف عن إسقاط الانقلاب ويكون استخدام القوة في الثورة السلمية متباين من حالة لحالة ومن وقت لآخر ومن كيفية لأخرى، وكلها يحددها من بيده القرار .

ورغم  أن الكاتب ذكر أن سبب مقالته هذه هي أجواء التوتر الشديد التي تخيم على النقاش والمواقف حيث يتم تحميل الأمور ما لا تحتمل ، فإذا بنفر من الناس يقرؤون ما كتب بنفس الروح وبنفس أجواء التوتر وحالة التصيد، فلم يروا من كلماته سوى معاني الثورة والقوة منتزعين تلك الكلمات من سياقها، ومتوهمين أن المقال جاء انتصارا لرأيهم في استخدام القوة على إطلاقها كبداية لعسكرة الثورة، التي يدعو إليها البعض وهو الأمر المرفوض من غالبية الثوار . 

وهو الأمر كذلك الذي لم تقره جماعة الإخوان عبر تاريخها ومواقفها و يحذرنا منه الواقع الماثل أمام كل ذي عينين، واقع ما آلت إليه عسكرة الحركات الإسلامية في بعض البلاد وتحويل احتجاجاتها إلى قوة عسكرية تحارب الجيش المنقلب، فانقلب الوضع إلى جحيم ودمار للوطن وإبادة لتلك الحركات .. وما جرى في الجزائر مثال قريب وما آلت إليه أحوال جماعتي " الجهاد " و" الجماعة الإسلامية " في مصر في ثمانينيات القرن الماضي مثال أقرب ... والأمثلة كثيرة .
التعليقات (0)