سياسة عربية

هل خوف فرنسا على شركاتها هو ما دفع هولاند لزيارة المغرب؟

محمد السادس ملك المغرب والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ـ أ ف ب
محمد السادس ملك المغرب والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ـ أ ف ب
كشفت الزيارة التي قام بها فرانسوا هولاند رئيس جمهورية الفرنسية إلى المغرب، رغبة فرنسية في إعادة الدفئ إلى العلاقات مع الرباط، وأيضا حملت حرصا فرنسيا على مستقبل شركاتها التي تشتغل في أكبر المدن المغربية، بعد نجاح حزب العدالة والتنمية بالانتخابات الجماعية الأخيرة.

الزيارة التي جرت يومي السبت والأحد، حرصت من خلالها باريس على الحصول على ضمانات من أعلى المستويات في الرباط، من أجل استمرار "أفضلية" الشركات الفرنسية التي ترتبط مع كبريات المدن المغربية بعقود "التدبير المفوض".

و"التدبير المفوض" هو عملية تفويت لبعض الخدمات لصالح شركات خاصة، في مجالات النظافة والنقل والماء والكهرباء، كان النصيب الأكبر فيها للشركات الفرنسية.

وازدادت المخاوف الفرنسية من التحولات التي يعرفها المغرب، بعد نتائج انتخابات 4 أيلول/ سبتمبر التي بوات حزب العدالة والتنمية تسيير المدن الكبرى بأغلبيات مريحة، تمكنه حتى من إعادة النظر في عقود "التدبير المفوض" التي تستفيد منها الشركات الفرنسية.

واعتبر الباحث الإستراتيجي وأستاذ التعليم العالي بجامعة الرباط، خالد يايموت، أن "زيارة الرئيس الفرنسي محاولة لحماية المصالح الاقتصادية الفرنسية بالمغرب، خاصة وأن بعض الشركات الفرنسية تتعامل معها الدولة بأفضلية لا تخضع للمقتضيات القانونية".

وتابع خالد يايموت في تصريح لـ"عربي21"، أن "فرنسا تتخوف من تغيير الوضع نتيجة توجه الدولة نحو مزيد من الشفافية الإدارية والاقتصادية".

وشدد الباحث على أن هذه الزيارة تأتي في الوقت الذي أصبحت إسبانيا أول شريك تجاري للمغرب، منذ 2014 لتحتل بذلك المكانة التقليدية لفرنسا".

وعن الدلالة السياسية للزيارة أضاف يايموت، "على هذا المستوى، كانت فرنسا تنظر للإسلاميين المغاربة كـ"تهديد" حقيقي، وكانت مؤسساتها تعتمد أساسا على موقف المخابرات الفرنسية من إسلامي المغرب".
 
وأضاف لقد "سبق للسلطات الفرنسية أن عبرت عن عدم موافقتها على إشراك الإسلاميين في الحقل السياسي؛ ويبدو أن موقف فرنسا تغير بحذر شديد خاصة فيما يخص إشراكهم في السلطة".

وأوضح "ومن ثم فإن الزيارة بالتأكيد ستحاول الدفاع على الأفضلية التي تتمتع بها الشركات الفرنسية بالمغرب، بعد النتائج الأخيرة لانتخابات 4 أيلول/ سبتمبر 2015، والتي أفرزت قيادة الإسلاميين لجل المدن الكبري".

في هذا السياق، أعلن هولاند: "نحن قادرون على الوصول إلى شراكة استثنائية" خصوصا في مجال "السيارات، والفضاء والبنية التحتية"، مذكرا بأنه تم إنشاء "750 شركة فرنسية" في المغرب.

وتملك شركة "رونو" منذ العام 2012، مصنعا ضخما قرب مدينة طنجة، بقدرة إنتاج تتخطى 200 ألف سيارة سنويا.

وتفقد هولاند السبت موقعا لصيانة العربات الجديدة لقطار المغرب السريع التي سلمته شركة "ألستوم"، الذي يدخل الخدمة في 2017 - 2018، لتأمين المواصلات بين طنجة والدار البيضاء، وتشترك في استثماره الشركة الوطنية للسكك الحديد الفرنسية، وشركة سكك الحديد المغربية.

وتطرق الرئيس الفرنسي إلى الوضع الأمني، حيث قال هولاند: "لدينا تعاون لم يتوقف أبدا، لا يمكن لأي شيء أن يغير ذلك"، لأن البلدين "يواجهان التحديات ذاتها" في مكافحة الإرهاب، خصوصا تنظيم الدولة.

واعتبر خالد يايموت أن الجانب الأمني كان حاضرا بقوة أثناء الزيارة، مسجلا أن "الزيارة كذلك ركزت على التعاون الأمني بين البلدين وتعتبر فرنسا المغرب شريكا أساسيا في العملية".

وأفاد الباحث أن للزيارة أيضا بعدا أفريقيا، فـ"على المستوى الأفريقي، يبدو أن الوضع المغربي تحسن بشكل كبير وأصبحت فرنسا تنظر إليه شريكا، خاصة أن الاستثمارات البنكية المغربية أزاحت البنوك الفرنسية من الريادة في أفريقيا".

وزاد يايموت "إضافة أن المغرب طور علاقاته بالدول الفرنكوافريقية بشكل كبير عن طريق اتفاقيات تعاون اقتصادي وأمني، وحتي العسكري".

وأكد أن "الزيارة تحاول خلق شراكات مغربية فرنسية بأفريقيا لتجاوز المنافسة الأمريكية والصينية لفرنسا خاصة بعد زيارة الأخيرة لأوباما".

وتعد هذه الزيارة الأولى لزعيم غربي وعربي للمغرب بعد انتخابات 4 أيلول/ سبتمبر، مؤشرا على أن فرنسا تريد إنهاء القطيعة مع المغرب، وهو ما عكسته تصريحات هولاند حول العام للأمن الوطني المغربي/ ومدير جهاز المخابرات السرية، عبد اللطيف حموشي.


وقال هولاند في اليوم الثاني من الزيارة، إن الصعوبات بين البلدين "لم تمح أو تم التغلب عليها فقط، بل أصبحت تماما من الماضي"، و مسجلا أنه "بدأ" مع الملك المغربي محمد السادس، "مرحلة جديدة" من الشراكة الفرنسية المغربية.

وأكد الرئيس الفرنسي نهاية الخلاف الدبلوماسي الذي استمر حوالي سنة، بسبب إيداع شكاوى في فرنسا ضد المدير العام للأمن الوطني المغربي، عبد اللطيف حموشي، بتهمة "التعذيب".

وبحسب هولاند، حان الوقت لإعادة علاقات فرنسا القوية تقليديا مع حليفها الكبير في المغرب العربي، على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية.

وقال إن "تهنئة" عبد اللطيف حموشي "سوف تتم في الوقت المناسب، ولكنها لم تكن اليوم على جدول الأعمال".


ووقع الرئيس الفرنسي والعاهل المغربي السبت إعلانا مشتركا، ينص على أن يشجع هذا الإعداد الأئمة على "إسلام معتدل"، يتطابق مع "قيم الانفتاح والتسامح"، و"متجذر في قيم الجمهورية والعلمانية".

وتقول أوساط الرئيس الفرنسي إن "نحو 50 من الأئمة الفرنسيين" يمكن أن يتابعوا سنويا في معهد محمد السادس الذي فتح أبوابه في آذار/ مارس الماضي في الرباط، إعدادا دينيا يكتمل بدروس مدنية تؤمنها فرنسا.
التعليقات (0)