ملفات وتقارير

القصف الحكومي الشديد على الفلوجة ينذر بكارثة إنسانية

القصف الشديد المتواصل على الفلوجة يشكل حرب إبادة - أرشيفية
القصف الشديد المتواصل على الفلوجة يشكل حرب إبادة - أرشيفية
"في صباح يوم هادئ كنت أجلس في باحة المنزل وأتهيأ للذهاب لأداء صلاة الجمعة في المسجد القريب من منزلي في حي الجولان بمدينة الفلوجة، عندما سمعت صوتا مرعبا أحدث غمامة سوداء أحاطت بي من جميع الجهات، وعلى أثرها فقدت الوعي و لم أشعر بشيء إلا والمسعفون يحملونني إلى المستشفى".. هذا ما تحتفظ به ذاكرة محمد إسماعيل الناجي من عمليات القصف العشوائي المستمر على عدة أحياء في مدينة الفلوجة.

كان جميع المتحلقين حول محمد يرددون عبارة "الحمد لله على سلامتك نجوت بأعجوبة من موت محقق"، على الرغم من أنه فقد يده اليسرى وأصبح مشلولا، وذلك بعد سقوط صاروخ ألقته إحدى الطائرات على منزله.

يروي إسماعيل (33 عاما) لـ "عربي21"، أنه "لم يعد يوم الجمعة بالنسبة لي يوما عاديا خاصة بعد الحادث، فما زلت أذكر ذلك اليوم المريع الذي غيّر حياتي وجعلني عاجزا عن الحركة، فلم يعد بوسعي التنقل بحرية والسير على قدمي، مثل بقية الناس، وإعانة زوجتي وابنتي الصغيرة مريم التي رزقني الله بها قبل الحادث بأسبوع".

ويضيف: "يا لها من أيام قاسية مرت، حيث أصبح بعض الأصدقاء والأقارب يشفقون علي ويساعدونني في تأمين معيشتي. أصبحت أجلس على كرسي متحرك وأنا ما زالت شابا. إلى متى سيبقى القصف مستمرا على الفلوجة ليوقع مزيدا من الضحايا في صفوف المدنيين أمثالي؟".

محمد لم يكن إلا واحدا من آلاف الشباب والعائلات الفلوجية التي تهاب نفس المصير، إذ بات القصف اليومي المتواصل على مدنية الفلوجة يشكل جزءا من حياتهم اليومية. وبالرغم من أنه الجزء الأكثر سوداوية ورعبا في أيامهم العجاف القاسية، فقد ألفوا سقوط القذائف والبراميل المتفجرة فوق بيوتهم.

وهذه حال أم ثائر (42 عاما) التي تسكن حي الجامعة غرب بغداد، بعد هربها من القصف العشوائي، حيث لا تزال ذاكرتها تحفتظ بمأساة القصف المتكرر على أحياء مدينة الفلوجة والحالة المؤلمة التي عاشتها بعدما فقدت ابنها.

تقول لـ "عربي21": "ما زالت في ذاكرتي صور الدمار للقصف الهمجي والبشع للجيش، كما أن أصوات انفجار البراميل المتفجرة المزعج وإطلاق صواريخ الراجمات على بيوت الآمنين يرن في أذني، لكن أبشع ما حصل لي، كان عندما رأيت مشهد أشلاء ولدي المقطعة، فهو يراودني في كل لحظة".

وتروي بحرقة تفاصيل مقتل ابنها، فقد "كان صهيب (9 أعوام) يلعب بالقرب من منزلنا مع صبية الحي قبل سقوط صاروخ على بعد أمتار منه، وعند خروجي لأرى ماحدث بعد سماعي الصوت فوجئت بصاروخ ثان يضرب الشارع، لذا هرعت على الفور للبحث عنه، فوجدته على قارعة الرصيف وقد تقطعت أوصاله جراء شدة الانفجار الذي أحدث دمارا كبيرا". نشجت بحزن شديد: "بأي ذنب يقتل طفل صغير؟". 

بدورهم، أكد أطباء من داخل مستشفى الفلوجة في حديث خاص، أن آخر حصيلة قتلى القصف العشوائي على المدينة خلال الأشهر الثمانية الماضية بلغت 830 قتيلا و2595 جريحا، غالبيتهم من المدنيين الأبرياء، مشيرين إلى أن الرقم قابل للزيادة في حال تواصل القصف، ما يزيد الوضع سوءا.

وتعيد مأساة القصف المتكرر على مدنية الفلوجة الذاكرة إلى ما حدث فيها قبل سنوات أيام اجتياحها من قبل القوات الأمريكية وقصفها بالطائرات، حيث إنه في الأيام التي تلت المعارك، تم الكشف عن مئات الجثث التي كانت موجودة في الملعب الرياضي بالمدينة.

ويثير إعلاميون عراقيون وعرب وأجانب أسئلة، عن أسباب منعهم من تغطية ومعرفة ما يجري في الفلوجة منذ عدة أشهر، الأمر الذي أصبح يثير قلق الكثيرين من أن حرب إبادة يتعرض لها المدنيون، إضافة إلى حدوث شلل كامل في الحياة، إذ توقفت المدارس عن الدوام وتعطلت مؤسسات خدمية مثل الماء والكهرباء، ما زاد من سوء وضع المدينة وأنذر بكارثة إنسانية.
التعليقات (0)