مقالات مختارة

مجلس التعاون بين المعادلتين الصفرية والربحية!

عبد الله الشايجي
1300x600
1300x600
كتب عبدالله خليفة الشايجي: بعد الاختلاف أتى التوافق عشية الذكرى الثالثة والثلاثين لقيام مجلس التعاون الخليجي، أنجح وأغنى وأكثر تجمع إقليمي عربي تماسكاً ونجاحاً مما فاجأ وربما أزعج من راهن من عرب وعجم وغيرهم على تفكك وتشرذم وحتى نهاية المجلس بعد حادثة سحب سفراء دول خليجية من دولة خليجية أخرى، على خلفية تباين وخلافات في وجهات النظر والسياسات الخارجية لدولة قطر.

يومها نعق البعض وسعوا لتوسيع هوة الخلافات على أمل فرط عقد مجلس التعاون. ولكن توافق القادة ونجاح الوساطة الكويتية التي عوّل عليها الجميع، وبخاصة الطرفان المختلفان وشعوب دول المجلس، أفضت في نهاية الأسبوع الماضي، بعد اجتماع ناجح لوزراء خارجية دول المجلس، إلى وأد فتنة الخلافات وإعادة الأمور إلى نصابها وتصفية الأجواء في مناخ مُواتٍ لعودة التماسك والوحدة للصف الخليجي، الذي يبقى هو أكثر الأعضاء قوة وصلابة وصحة في الجسد العربي المترهل.

في الوقت الذي تتباين فيه المواقف والرؤى السعودية- الأميركية التي تمثلت في خلافات علنية بين الطرفين وتشكيك في التزامات وتعهدات واشنطن تجاه دول الخليج على رغم التصريحات المتكررة عن الدعم والتعاون وهو ما علقت عليه في مقالي الأسبوع الماضي في «الاتحاد»: «الشراكة الخليجية-الأميركية.. بين الأقوال والأفعال»، تبرز في الوقت نفسه خلافات بينية خليجية- خليجية حادة وغير مسبوقة، خرجت للعلن لأول مرة بسحب سفراء دول خليجية من دولة خليجية احتجاجاً على سياساتها ومطالبتها بتغيير مواقفها من قضايا يرى نصف دول المجلس أنها تهدد أمنه وسلامته.

عادة ما ندرّس طلبة العلوم السياسية مفهوم «المعادلة الصفرية» وصعوبة التفاوض بين طرفين متنافسين ومتخاصمين مع بعضهما بعضاً بسبب اقتناع كلا الطرفين بأن أي تراجع أو تنازل أو هزيمة من طرف تعني تقدماً أو مكسباً أو انتصاراً كلية للطرف الآخر والعكس صحيح.. ولذلك هناك صعوبة في التوصل لانفراجة في المفاوضات بين أي طرفين مقتنعين بنظرية «المعادلة الصفرية».

وفي المقابل كلما توافرت أرضية وقناعة بجدوى التوصل إلى حل ينزع فتيل التأزيم والمواجهات، وأن فيه مكاسب للطرفين، فهذا هو ما يعرف بالمعادلة الربحية، التي تعني فرص التوصل إلى حلول وسط تنزع فتيل الأزمة والتصعيد، وأن ذلك أفضل من المواجهات بين طرفين لا يرغبان أصلاً في المواجهة والصراع. وبناء على هذه المعطيات نرى أن فرص نجاح الوساطة الكويتية حول النزاع بين ثلثي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي هي أكبر بسبب اقتناع الطرفين المختلفين بأهمية تماسك وقوة وبقاء مجلس التعاون الخليجي. وطبعاً بهذا الفهم والتعامل مع تلك المعطيات بإيجابية، ومع نجاح الوساطة الكويتية، بدا الارتياح سيد الموقف بين دول وشعوب المنطقة. ولكن لم يتم التطرق في بيان الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لعودة السفراء الخليجيين للدوحة.

 وجاء في البيان: «انطلاقاً مما يربط دول مجلس التعاون الخليجي من الوشائج والروابط التاريخية والمصير الواحد.. عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون اجتماعاً يوم الخميس 17- 6- 1435هـ الموافق 17-4-2014م.. تم خلاله إجراء مراجعة شاملة للإجراءات المعمول بها فيما يتعلق بإقرار السياسات الخارجية والأمنية، وتم الاتفاق على تبني الآليات التي تكفل السير في إطار جماعي، لئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دوله ودون المساس بسيادة أي من دوله». ووصف البيان ما حصل من عودة المياه إلى مجاريها بين دول المجلس بـ«الإنجاز التاريخي».. كما «نوه أصحاب السمو والمعالي بالدور الذي قامت به دولة الكويت بقيادة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت للوصول إلى النتائج المتوخاة».

 وكان ملفتاً عدم الإشارة إلى موعد عودة سفراء دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن واضحاً أن هناك حالة «تسكين» وتهدئة للأزمة الخليجية- الخليجية بسبب المصالح الجماعية لدول مجلس التعاون، وخاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والانكفاء الأميركي وتصاعد دور وحضور المشروع الإيراني، ودوره في مناطق نفوذ وعقر دار دول المجلس في العراق وسوريا واليمن وصولاً للمتوسط وما بعده.

واضح اليوم أن دول المجلس قدمت حوافز للمصلحة الجماعية، وواضح أن دولة قطر مطلوب منها تقديم ما يقنع ويثبت استجابتها لمطالب نصف دول المجلس حول مواقفها من قضايا وملفات تتعلق بجمهوريات «الربيع العربي» وعلاقتها مع جماعة «الإخوان المسلمين» ودعم جماعات، وترى الدول الأخرى أن تلك السياسة لا تدعم الأمن والاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى وقف الإعلام المعادي.. وستوضع دولة قطر تحت المجهر خلال المرحلة المقبلة لتثبت التزامها بـ«وثيقة الرياض» التي تم الاتفاق عليها في نوفمبر 2013. وهناك اليوم آليات تكفل السير في إطار جماعي، ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دوله، ودون المساس بسيادة أي من دوله.

طبعاً هناك تباين لا يزال قائماً، وهناك وجهات نظر متباينة بين الطرفين المختلفين، وبين تفاؤل الكويت الوسيط ودعم عُمان. هناك فرصة أمل كبيرة بأن روح التعاون من قبل القادة ستنجح في رأب الصدع الخليجي ودعم مسيرة وتطور المجلس!

وكان ملفتاً عمل ورزانة الدبلوماسية الكويتية خلف الكواليس بسرية ودقة، وقد أثمرت تقارباً في وجهات النظر، وساهمت بنزع فتيل الأزمة الخليجية- الخليجية بعد شهر ونصف الشهر من تفجرها. وقادت الدبلوماسية الكويتية إلى انفراجة بين الدول الخليجية المعنية. وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون اجتماعاً غير عادي في قاعدة عسكرية في المطار في الرياض لساعات مساء يوم الخميس 17 أبريل. وصدر بيان مشترك عن الأمانة العامة لمجلس التعاون أكد على موافقة دولهم على آلية تنفيذ «وثيقة الرياض»، والمطلوب منح كل طرف للطرف الآخر فرصة لإثبات حسن النية لتطبيق الوثيقة والاستثمار والبناء على الأجواء الإيجابية بين دول مجلس التعاون عن طريق الوساطة الكويتية التي أثمرت توافقاً وتغليباً للمصالح العليا لدول المجلس في ظل التحديات والتهديدات المتصاعدة ضد دولنا ومجتمعاتنا الخليجية، وعدم التعامل مع الأزمة على أنها «معادلة صفرية»! وهذا سيسعدنا في دول المجلس، وسيغضب ويزعج خصومنا ومن يصطادون في الماء العكر ويتضايقون من تقاربنا ومن المعادلة الربحية التي نكسب فيها جميعاً!


(الاتحاد الإماراتية)
التعليقات (0)