قضايا وآراء

فرنسا الحريات ضد العنصريات

أحمد القديدي
حادثة قتل المراهق من أصول جزائرية مسلمة سنية (17 سنة) على أيدي شرطي كانت متوجة لعديد عمليات القتل الممنهج لأفارقة أو مسلمين منذ سنوات.. جيتي
حادثة قتل المراهق من أصول جزائرية مسلمة سنية (17 سنة) على أيدي شرطي كانت متوجة لعديد عمليات القتل الممنهج لأفارقة أو مسلمين منذ سنوات.. جيتي
تصادفت زيارتي لباريس هذا الأسبوع مع اندلاع الحريق الخطير في أغلب مدن وقرى الجمهورية الفرنسية.. وتجاوزت حركات التمرد الشبابي لكل المحاذير الأمنية والاستعدادات الاحتياطية التي رتب لها الرئيس ماكرون منذ انتخابه للولاية الثانية (2017 الأولى و 2022 الثانية)، حيث كانت في المرتين زعيمة اليمين العنصري المتطرف (مارين لوبان) هي التي بلغت الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية وناظرته قبيل الانتخابين بملفات الهجرة المسلمة إلى فرنسا واستعملت سلاح تخويف الفرنسيين العاديين من الإسلام.

وبالطبع كما توقعت شخصيا فالذي فاز بهامش بسيط هو إيمانويل ماكرون بسبب خوف اللوبيات المالية الفرنسية من انقلاب مفاجئ وسريع في القوانين.. ولكن أيضا بسبب انقسام ذلك اليمين العنصري إلى شقين (مارين لوبان وإيريك زمور) مما جعل أصوات اليمين (وهي أغلبية بلا شك) تتوزع على مترشحين اثنين وتزيد من فرص ماكرون.

واللافت للنظر أن ماكرون القادم من مؤسسة (روتشيلد) المالية والأيديولوحية القوية ينحدر من يمين معتدل (في الظاهر) وانخرط في السياسة بفضل ارتباطه بالزواج من مدرسته بالتعليم الثانوي السيدة (بريجيت أوزري 70 سنة) وهي سليلة أسرة بورجوازية صاحبة مصانع وطليقة أحد رجال الأعمال وأم وجدة...

ولا تخفي طموحاتها السياسية والذي وقع سنة 2022 أثناء الحملة الانتخابية هو خوف ماكرون الحقيقي والمبرر من انتصار السيدة لوبان، وهو الذي يدرك أن المجتمع الفرنسي التقليدي أصابته تغييرات عميقة وأقنعته أجهزة إعلام مؤثرة (بعضها ممول من الموساد مباشرة) بأن هوية فرنسا الكاتوليكية مهددة بتفاقم التواجد المسلم خاصة بعد فشل كل الحكومات (يمينية واشتراكية) في إيجاد حلول ناجعة للشباب الذي يتوافد على سوق الشغل ويظل عاطلا.

والحقيقة أن العنصرية ضد الجالية المسلمة وهي فرنسية الجنسية بدأت تتجلى في قوانين (منع الحجاب) ثم منع ما يسمونه (العباية.. وهي مجرد اللباس النسائي المستور) ثم إجبار الأطفال المسلمين في المطاعم المدرسية على أكل لحم الخنزير!! إلى آخر مظاهر العنصرية البائسة حتى أصبحت أسماء المترشحين للوظائف هي التي تفرز محمد وعلي وكمال وخديجة عن باسكال وروبير وبريجيت!

إن ما يشبه حربا أهلية لا قدر الله تهدد المجتمع الفرنسي بأيام قادمة من المعضلات تستدعي في رأيي المتواضع اجتماع حكماء لا تضافر جهود مرتزقة اليمين العنصري قصد إشعال الحرائق في بلاد ذات تاريخ إنساني حضاري أوتنا لاجئين عشرات السنين وحمتنا حين لاحقتنا أنظمة استبدادية كنسها التاريخ نحو مزابله وعشنا في فرنسا مكرمين معززين.
وفي هذا المناخ الاجتماعي والسياسي المذبذب وقعت حادثة قتل المراهق من أصول جزائرية مسلمة سنية (17 سنة) على أيدي شرطي مرور دون أي حجة للدفاع الشرعي أو الخطر الداهم لمجرد أن ملامحه سمراء وشعره أسود مجعد (الإعدام على السحنة لا غير).

وكانت هذه الجريمة متوجة لعديد عمليات القتل الممنهج لأفارقة أو مسلمين منذ سنوات مما حدا هذه المرة بمنظمة الأمم المتحدة بإدانة ما سمته (الانحرافات العنصرية للبوليس الفرنسي). وكان سلوك وزير الداخلية (دارماران) شديد الغرابة بالنسبة لقيم الجمهورية حيث تفاخر بإغلاق حوالي 900 مسجدا وترحيل 300 إماما ومنع 200 جمعية خيرية إسلامية خلال عام فقط!! وكان تصريحه الأخير غريبا حين قال أمام كيمرات الفضائيات: "إن عدونا الأساسي هو الإسلام السني...!"، بل إن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، شجبت في ديسمبر 2022، الخطاب العنصري للسياسيين الفرنسيين.

ولكي نفهم حقيقة قانون (منع علامات الانتماء لدين) يكفي أن نلاحظ أن المستهدفين بهذا القانون هم جالية المسلمين في فرنسا دون اليهود الذين يلبسون الكيبية التلمودية أو المسيحيين الذين يضعون صليبا على صدورهم. وانفرد الشباب المسلم بهذا التمييز العنصري المكشوف وهم الذين استيقظ جيلهم الثالث وتخرج من مدارس الجمهورية الفرنسية بقيمها العلمانية التي تحترم كل الأديان وأصروا على ضرورة الاعتزاز بهويتهم وأراد شبابهم الاطلاع على أمجادهم الإسلامية مع الفخر بأنهم فرنسيون بالجنسية.

لكن فرنسا الأنوار أي الحريات والحقوق المعلنة في الإعلان العالمي للمساواة الذي انبثقت عنه ثورة 1789 الكبرى لكن التاريخ جرى في اتجاه خطأ ليسجل فشل كل الحكومات الفرنسية في "إدماج" الشباب المسلم في المجتمع لأن تلك الحكومات أخطأت بعزل الجاليات المسلمة والإفريقية في أحياء سكنية "شعبية" لكنها لم تسمح بالتلاقح الثقافي بين مختلف الجاليات بل عزلت الشباب المسلم في ما يشبه (الغيتوهات) أي المحتشدات المتركبة من عمارات شاهقة بلا روح وبلا ثقافة أو تربية أو توعية أو ترفيه فنشأ الجيل الثالث منقطعا عن المجتمع الفرنسي معزولا ومهمشا في الأخير.. وما حادثة قتل المراهق الفرنسي المسلم سوى القشة التي قصمت ظهر بعير الحكومات الفرنسية العاجزة عن الحلول العادلة والجذرية.

أنا شخصيا عشت في فرنسا 40 عاما وولد أولادي هناك وارتادوا المدارس العمومية وحاولت بمجهود شخصي تعريفهم بأن لهم جذورا وأمجادا ولغة ودينا ولم ينحرف منهم أحد نحو عنف أو إرهاب وأنا أعتبر ثقافتي من أنوار فولتير وروسو ومنتسكيو وسارتر وكامو وريمون أرون ولكني أندد بفرنسا الأشرار التي انحرفت نحو عنصرية شعبوية جهولة تناست أن جيشا من المسلمين من توس والجزائر والمغرب والسينغال ومالي جمعه الجنرال (لوكلير) في أغسطس 1944 قدم من بلدانه لتحرير جنوب فرنسا من الاحتلال النازي الألماني وتناست العنصرية أن جيل الرواد من المهاجرين المسلمين هم من شيدوا المترو والجسور وخطوط سكك الحديد ومات منهم آلاف الضحايا بردا في الثلوج وكذلك تناسوا آلاف الأطباء والمهندسين والكفاءات المسلمة العاملة اليوم في فرنسا وأوروبا لتشارك في تقدم مجتمعها ورفاهيته وأمنه وسلامته!

إن ما يشبه حربا أهلية لا قدر الله تهدد المجتمع الفرنسي بأيام قادمة من المعضلات تستدعي في رأيي المتواضع اجتماع حكماء لا تضافر جهود مرتزقة اليمين العنصري قصد إشعال الحرائق في بلاد ذات تاريخ إنساني حضاري أوتنا لاجئين عشرات السنين وحمتنا حين لاحقتنا أنظمة استبدادية كنسها التاريخ نحو مزابله وعشنا في فرنسا مكرمين معززين.
التعليقات (2)
ناصحو أمتهم
الخميس، 06-07-2023 01:40 م
فرنسا الدولة في عهديها الملكي الكاثوليكي الصليبي ثم الجمهوري العَالَمَاني ظاهرا و الصليبي باطنا لم تكن يوما تقبل التعايش مع الآخر الحضاري المختلف معها وخاصة إذا اشتمت منه رائحة الإسلام والعربية. إنها أسوأ النماذج الستة للحضارة الأوربية الغربية الحديثة والمعاصرة في العلاقة بالآخر. ومن حسن حظ بقية البشرية أن قيادة هذه الحضارة كانت دوما بيد النموذج الأنجلوسكسوني و أن فرنسا كانت دوما مغلبة و ملطشة الألمان والإنجليز.
فاستعدي وخذي منا الجواب
الخميس، 06-07-2023 12:55 م
آخر سياسي ورئيس محترم لفرنسا كان السيد جاك شيراك، أما الذين جاؤوا من بعدهم ،عبارة عن مهرجين وصعاليك وحثالة، جعلت فرنسا تفقد من مكانتها في العالم. خاصتا الحثالة أمثال ما يسمى بوزير الداخلية، لم ينسى اصوله حيث جمعتهم فرنسا من المتشريدين والمجرمين من مالطا وامثالها وجاءت بهم عبيد لتحتل بهم الجزائر، أصبحوا الأن يدعون انهم فرنسين اكثر من الاصلين وان كان هناك اصليين. أما 'Liberte', Egalite', Fraternite خاصتا بالنسبة للمسلمين، تطبق فقط في حالة الفسق. وهنالك ربما شيء لا يعلمه او لا يدركه الكثير وما لا يقال علانيتا، إن كنت مجنسا ، فهم يقولون عنك، إن أوراق الثبوتية لديك فرنسية أما أنت فلست فرنسيا. كما أنها سياسة ممنهجة لابقاق أبناء المغرب العربي عمومآ في التخلف وتبقى فرنسا دائمآ قدوتهم الأعلى ونسووا أن الجزائريين لم ولن يتخلووا على أصولهم واجدادهم الذين كانوا يطعمون فرنسا البائسة الغارقة في الفقر والجوع انذاك. لي طلب واحد لمن يحكمون فرنسا ،لأنه لو بحثنا عن الأصول ربما نصدم. ارجعوا كل الديون التي كانت عليكم قبل غزو الجزائر وكل الثروات التي نهبتوها وكل ما سرقتموه حتى تصبحى فرنسا على ما هي علبه. كم ستكلفكم فقط التعويضات عن التجارب النووية التي دمرتم بها الصحراء. وحينها سيعود جميع الجزائريين إلى وطنهم ويتركونكم تعيشون في أمان. وحينها سنرى من سيلهف ويتسول الأخر......فاستعدي وخذي منا الخطاب *****إن في ثورتنا فصل الخطاب.