قضايا وآراء

مؤتمر فتح السابع.. ملاحظات أساسية

1300x600
جاء مؤتمر فتح السابع في الحقيقة مشابهاً جداً للمؤتمر السادس، وأقرب إلى المهرجان الخطابي الانتخابي منه إلى المؤتمر الحزبي بالمعنى الكامل والدقيق للكلمة، وفي الحالتين كان الرئيس محمود عباس هو الرابح الأكبر شخصياً حزبياً وسياسياً أيضا، اما الرابحين من أعضاء المؤتمر فتحت عباءته وقيادته تماماً كما الخاسرين في مشهد يبدو سورياليا ربما.

المؤتمر السابع اختلف كمياً وليس نوعياً عن سابقه بمعنى أن المؤتمر الأخير شارك فيه 1500 مقابل 2500 في المؤتمر السادس. التغيير هنا كمّاً وليس نوعاً، وفقط تم اختصار الأعضاء المشاركين باستثناء غياب دحلان ومناصريه لا يمكن الحديث عن إقصاء متعمّد أو منهجي لجهة أو تيار ما في الحركة.

في الجوهر رأينا في المؤتمر السابع نفس ما رأيناه في المؤتمر السادس، الذي كان وللمفارقة دحلان عرابه ومخرجه، تم انتخاباً عباس رئيساً وقائداً للحركة تصفيقاً ووقوفاً، ومنع أي أحد من الترشح أو حتى المطالبة بجعل الاقتراع أو الاستفتاء سرّي على قيادة عباس للحركة سرى وغير معلن لاظهارمدى شعبيته وجماهيريته، وهو نفس ما رأيناه في المؤتمر السابع.

في المؤتمرين لم يجري نقاش أو مراجعة لسياسات وبرامج وإداء الحركة حزبياً وسياسياً. ففي المؤتمر السادس لم يجري نقاش جدي للخسارة أو الهزيمة في غزة، كما يقال فتحاوياً واكتفى دحلان انذاك بإلقاءخطاب حماسى مغلق استغرق فترة طويلة أيضاً – للمفارقة كان شبيه بخطابات عباس في السادس والسابع - وهو لم يتحمل المسؤولية، وحتى أشار إلى مسؤولية قيادة الحركة كونهم لم يجاوره في معادلة ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد منها. الخسارة حصلت برأيه ليس لأنه أخطأ أو ترك الميدان ، وإنما لأن القيادة لم تدعمه في مزيد من خطواته العسكرية القاسية والاستباقية والصدامية حماس.

للمفارقة بدا دحلان في المؤتمر السابع وكأنه يدفع ثمن أخطائه وخدمته للرئيس عباس في المؤتمر السادس، هو أكل من العصيدة الفاسدة التي طبخها بنفسه بعيدا عن أي بناء مؤسسي حقيقيي وجدي داخل فتح، أو حتى داخل السلطة، وهو الآن يدير الصراع مع عباس تماماً مثلما أداره في غزة مع حماس منذ سنوات.

بالعودة إلى المؤتمر الأخير يمكن اختصاره بثلاث أو أربع سمات أساسية اولها تعمد دعوة وفود كثيرة من الداخل والخارج لحصد مزيد من الشرعية للمؤتمر، كما لتجيير الحضور الجغرافي والسياسي المتنوع لصالح الرئيس عباس وسياساته وقيادته.

ثانى السمات انتخاب عباس قائدا ورئيسا للحركة تصفيقا وقوفا ودون تنافس جدى شفاف ونزيه في مشهد كان أقرب إلى الأحزاب الشمولية في الأنظمة الاستبدادية والأحادية. وكان حتى أقرب إلى المشهد القبلي منه إلى السياسي والحزبي والاصطفاف العالم الثالثي خلف شيخ القبيلة أو الزعيم.
 أما كلمة الزعيم القائد كانت أقرب إلى كلمة في مهرجان خطابي منها إلى جردة حساب في مؤتمر تقييمي أو نقدى، وهو عرض نفس برنامجه السياسي الفاشل وعديم الجدوى، وبعد فشل فكرة المفاوضات، ثم المفاوضات ثم المفاوضات خاصته انتقل الزعيم القائد إلى المقاومة السياسية الديبلوماسية والقضائية مع حديث خجول عن المقاومة الشعبية، ودون تحمل المسؤولية عن الخيار الفاشل وقراءة نقدية لعجز الخيار الجديدعن أي تغيير جدّي على الأرض أو إيقاف الممارسات الإسرائيلية التهويدية والاستيطانية، وهو الخيار الذي يبدو بلا أنياب في ظل الاستهتار بالمقاومة الشعبيية، وعدم الجدية في إنهاء الانقسام والمصالحة مع حماس لبلورة استراتيجية وطنية بديلة جدية وجامعة.

وفيما يتعلق بحماس فقد كان الحرص على دعوتها وإعطائها كلمة واستخدام لغة لينة مهادنة تجاهها ليس فقط لتكريس شرعية المؤتمر، وإنما لإبعادها والسعى لقطع الطريق على فكرة تعاونها و تنسيقها مع دحلان سياسيا وميدانيا.

جوهريا طرح الرئيس عباس بلغة هادئة نفس مقاربته التقليدية والقديمة عن المصالحة واختزالها بالانتخابات مع أو بدون حكومة وحدة وطنية في ظل تجاهل لضرورة تهيئة الأجواء وحلّ الأزمات مثل رفع الحصار اعادة الاعمار والموظفين أو الشروع الجدي في حلها، وببساطة لم يكن الرئيس جاد في إنهاء الانقسام والمصالحة، وإحراج حماس عبر دعوتها إلى ملاقاته في منتصف الطريق مع تحديث ما وعمل أكثر على روح وثيقةالمصالحة المركزية الموقعة فى أيار مايو 2011 وليس شكلها أو إطارها فقط.

المؤتمر السابع لم تأت بجديد تنظيمياً. التغيير كان محدود جداً  وشكلي حتى في غياب للشباب والمرأة عن اللجنة المركزية، المجلس الثورى. ومن بقى فى المركزية هم من رجال الرئيس، ومن خرج هم كذلك أيضاً، وباستثناء معارضة مدجنة أو حتى مجازية من توفيق الطيراوي، وعباس زكي فإن اللجنة المركزية الجديدة موالية تماماً للرئيس وتضم كبار وأبرز مساعديه في الحركة السلطة والمنظمة.

تحت عباءة الرئيس يمكن الحديث عن فائز أو فائزين بالأحرى، الأسير مروان البرغوثى الذى نال أعلى عدد من الأصوات فى انتخابات اللجنة المركزية، وانتخابه يعبر عن الدعم الشخصى لمروان ولقضية الاسرى بشكل عام، ولكن لا يمكن الحديث عن تيار أو فريق لمروان بالحركة ، واتصال ابى مازن فى الرابعة فجرا مع السيدة فدوى البرغوثى كان للتهنئة والايحاء أن فوز مروان يأتى ايضاً بفضل دعم الرئيس القائد وتحت عباءته. 

الفائز الاخر هو اللواء جبريل الرجوب الذى حل ثانيا بعد مروان مباشرة، ويتصرف بصفته الفائز الابرز والرجل الثانى خلف الرئيس غير ان الامر ليس بهذه السهولة، ويحتاج الرجوب حتماً الى نيل رضا أبى مازن وتربيطات وتفاهمات مع الجموعة المحيطة به، والتي حازت بدورها مواقع متقدمة نسبياً مثل حسين الشيخ محمود العالول محمد إشتية وصائب عريقات.

في الأخير وباختصار ربما أفضل ما بالمؤتمر و الجزء القليل الملان من الكوب، يتمثل بافشال التدخلات المصرية الاماراتية الفظة وغير المسبوقة فى الشان الفلسطيني –الحديث عن الرباعية مجازى ليس الا- وأبو مازن لم يكتفى ب إستعادة خطاب القرار الوطنى المستقل الذى يطرب الفتحاويين، وانما شخص الواقع وقرأ الخريطة بصورة صحيحة ، فاستخف بجهود القاهرة وأبو ظبى وفهم انهما عاجزتان عن الضغط عليه و ايذائه  أما عمان فغير متحمسة والأزمة مع الرياض سابقة على قصة تعويم دحلان، وهو أى عباس لن يدخر جهداً في سبيل حلها فيما بعد، غير أن اسوأ ما جرى يتمثل بحقيقة أن فتح باتت تشبه أحزاب السلطة فى أى منظومة استبداية عالم ثالثية استبدادية وفاسدة، والمؤتمر يشبه الى حد كبير مؤتمر الحزب الوطنى الاخير فى مصر قبل ثورة يناير 2011 وهو رغم دعوة حماس وكلمة مشعل المنفتحة على الشراكة، لم يذهب جدياً باتجاه المصالحة وإنهاء الانقسام، وانما باتجاه ادارة وادامة الوضع الراهن، وللمفارقة فان هذا يمثل لب وجوهر سياسة الحكومة الأكثر تطرفاً فى تاريخ الدولة العبرية.