مقالات مختارة

حكومة كسيحة وبرلمان هزيل

1300x600
تتسارع الأحداث وتتسابق الخطى نحو المنطقة الخضراء المحصنة بدعاماتها الكونكريتية وسفاراتها التي أصبح نشاطها على غير ما كانت تدعيه، لإيجاد مخرج مرض للأطراف السياسية، من حملة جوازاتها الذين يدعون الوطنية والانتماء لهذا البلد الجريح، وهم أعلم من غيرهم، أن أصل هذا العشق هو خزائن البلد التي سرقوها وبددوها دون وجه حق، بينما أبناؤه يتضورون جوعا وألما، ويلتحفون خيام الذل التي نصبها لهم ساستهم المبجلون، حيث يلوكون صخر الصحراء خبزا.

أصبح ممثلو الشعب اليوم في صراع منقطع النظير، وانقسام بين الحلفاء قبل الأضداد، بحجة واهية اسمها الإصلاحات، لإنتاج كابينة وزارية عنوانها التكنوقراط وشخوصها الحقيقيون من بقايا مزادات الكتل السياسية المتربعة على صدور العراقيين، الذين باتوا أكثر شوقا وأشد رغبة للتغيير من أي وقت مضى.

وفي الوقت ذاته، فإن الحكومة العرجاء التي ولدت من رحم مشوه وهجين، لم تستطع أن تصلح عكازها الذي تتكئ عليه طيلة فترة حكمها، وكأنها وجدت لتكون بهذا الشكل المريض الذي لا يقوى على المواجهة.

أما برلمان الشعب الذي من المفترض أن يكون أعلى سلطة في البلد، فأصبحت حاله اليوم كَحال جُلْـمُوْدِ صَـخْرٍ حَطَّهُ السَّـيْلُ مِنْ عَلِ، وكأن أمر البلد ومستقبل أهله لا يعنيهم، بقدر ما يعنيهم من ينتصر، ويسحق ويعتدي ويهين ويصفع الآخر، أمام عدسات الكاميرا التي تنقل وقائع حلبات المصارعة التي يشهدها مجلس النواب الموقر، والمرشح لنيل جائزة أفضل رمية "حذاء أو قنينة ماء" خرجت من يد نائب أو نائبة في العراق الديمقراطي الجديد.

لقد تحولت الاعتصامات التي يقودها الشعب، إلى اعتصامات يقودها نوابهم داخل قبة البرلمان بذريعة موقفهم الإصلاحي الشامل لـ"اجتثاث كل سلبيات السنوات السابقة دون تراجع"، وكان الخراب والدمار وسرقة المال العام وجميع الموبقات الأخرى مصدرها الشعب وليس ممثليه، فزعيم التيار الصدري الذي أحرج الحكومة بخيمته وخيم أنصاره، في لحظة اعتبرها بعضهم تاريخية ومفصلية في أحداث العراق، لكنها سرعان ما انكفأت بالوعود وتحجمت بالضغوط الداخلية والخارجية، دون أن تكمل مهمتها التي خرجت من أجلها، وقد يكون لقاء بيروت الذي جمع خصوم الأمس "المالكي والصدر" بحضرة أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، خير دليل على تلك الضغوط والمتغيرات التي تجلت بانسحاب كتلة الأحرار النيابية من الاعتصام وتجميد عملها.

إن بوصلة الإصلاح تحولت من إصلاح الحكومة وتغيير وزرائها الفاسدين وإلغاء ما يعرف بحكومة المحاصصة الطائفية، إلى انقسام وفرقة وتراشق بالألسن وتنابز بالألفاظ بين أعضاء مجلس النواب، لينتج عن هذا الانشقاق، الإطاحة برئيس البرلمان ونائبيه؛ وتتحول الكرة من ملعب الحكومة الخالي من الجمهور إلى البرلمان المنقسم، الذي يفضل أي وصف يطلق عليه مقابل الاحتفاظ بالمنصب والسلطة والجاه الذي ورثوه من المحاصصة الطائفية وسلطة الاحتلال.

لو كان رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلاد يملك من الشجاعة وثقافة الفرسان شيئا، لوقف بشموخ واقتدار أمام نواب الشعب المناهضين له والمنقلبين عليه، وتلا عليهم خطبة تعيد له الهيبة والوقار، بإعلانه الاستقالة إكراما للشعب الثائر ولأبنائه المهجرين والنازحين، الذين يعتقدون بأن استقالته فيها إصلاح للبلاد والعباد، ولكن حتى هذا الموقف لم يسعفه القدر بتحقيقه، لأن الطمع وملذات السلطة أكبر وأسمى من مواقف كهذه، أما رئيس الحكومة الذي وجد في انقسام البرلمان فرصة لتقليل الضغط الذي يتعرض له طيلة الفترة المنصرمة، فإنه لم يستثمر هذا الموقف ويصنع من حكومته الكسيحة طوق نجاة، بتقديم حكومة مهنية وطنية قادرة على أن تعيد الحياة وتغير عكازها المصاب بالآفة والنخر، بآخر من فولاذ قادر على أن يحملها إلى بر الأمان. 

عن صحيفة الشرق القطرية
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع