بين الفينة والأخرى يثور النقاش والجدل حول قضية غياب الرئيس أبو مازن عن المشهد السياسي، خصوصا وأن الرجل قد بلغ من الكبر سنّا يجعل من مسألة خلافته حديثا يهم المواطن الفلسطيني؛ كونه يشغل عدة مناصب رسمية وحركية.
وخلال الفترة الممتدة من عام 2005 حتى العام الجاري 2022، لم تفلح كل المحاولات التي بذلت من مختلف الجهات لإجراءات الانتخابات للمؤسسات الدستورية والرسمية الفلسطينية، ومنها بطبيعة الحال تلك التي يرأسها أبو مازن.
انتخب أبو مازن رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر في عام 2005، وذلك بعد أن تبوأ المنصب رئيس المجلس التشريعي في ذلك الوقت السيد روحي فتوح لمدة 60 يوما، حسب المادة 73 فقرة 2 من القانون الأساسي الفلسطيني التي تنص على "إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة - الحالات التي نصت عليها الفترة الأولى من المادة وهي: الوفاة، والاستقالة، وفقد الأهلية – يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا لمدة لا تزيد على ستين يوما، تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني" وفعلا جرت الانتخابات بتاريخ 9/1/2005 وقد حصل أبو مازن على ما نسبته 62.52% من إجمال عدد أصوات المقترعين، وبتاريخ 15/1/2005م أدى أبو مازن اليمين الدستورية أمام المجلس التشريعي الفلسطيني ليصبح الرئيس الثاني للسلطة الوطنية الفلسطينية.
كان يفترض أن تُجرى الانتخابات الرئاسية بعد مرور 4 سنوات، حيث تنتهي الولاية الدستورية لأبو مازن بتاريخ 15/1/2009م، ولكن أحداث الانقسام التي جرت في عام 2007 عطلت الحياة الدستورية الفلسطينية، ولم تفلح كل محاولات رأب الصدع وإنهاء آثار الانقسام التي بذلتها الأطراف المختلفة، وعلى كل الأحوال فقد استقر الوضع الدستوري سواء بالتوافق الضمني، أو بقوة الأمر الواقع على بقاء أبو مازن في سدة الرئاسة.
اليوم في ظل الحديث عن صحة أبو مازن، يثور التساؤل حول موضوع خلافة أبو مازن وبأي صورة ستتم معالجة القضية، لاسيما بعد التعقيد الشديد الذي اعترى الوضع الدستوري للمؤسسات الفلسطينية كافة، فقد صدر في عام 2018 قرار عن المحكمة الدستورية -التي شكلها أبو مازن- بحل المجلس التشريعي، ذلك القرار الذي واجه رفضا مؤسساتيّا وشعبيّا لمخالفته أبسط أصول الفقه الدستوري، خاصة أن هناك نصّا صريحا في القانون الأساسي الفلسطيني، وعلى وجه التحديد المادة (113) التي تنص على عدم جواز حل المجلس التشريعي أو تعطيله في حالة الطوارئ، ولم يرد أي نص آخر يعطي الرئيس أو أي جهة أخرى صلاحية حل المجلس.
لا شك في حالة غياب أبو مازن عن المشهد، ستطرح على الفور عدة وجهات نظر وأظنها ستتمحور حول التوجيهات التالية:
أولا: التوجه الذي ستطرحه حركة حماس، وهو التمسك بالقانون الأساسي الفلسطيني الذي يعني تولى رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة لمدة 60 يوما تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية، وهي الطريقة نفسها التي أعقبت وفاة الراحل ياسر عرفات، ومن ثم سيكون منصب الرئاسة خلال الستين يوما التي تعقب غياب أبو مازن من نصيب السيد عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي، وهذا الخيار ستدفعه حركة فتح بدعوى أن المجلس التشريعي قد تم حله بقرار من المحكمة الدستورية، الأمر الذي سترفضه حركة حماس، لا سيما وأنها لا تعترف بقرار الحل كما أسلفنا.
ثانيا: ستطرح حركة فتح على ما أظن فكرة أن يتولى رئاسة السلطة الرئيس الذي سَيُنتخب لرئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وذلك باعتبار القانون الأساسي معطَّلا والمجلس التشريعي محلولا، علاوة على أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير هو الذي أنشأ السلطة الوطنية، وأن من يملك الإنشاء يملك التعديل والإلغاء، وقد يتم دعوة المجلس المركزي للمصادقة على هذا الخيار، وكما هو معلوم فإن الغالبية السابقة من أعضاء المجلس المركزي هم أعضاء في حركة فتح وبعض الفصائل الموالية لها.
وبالتأكيد سترفض حركة حماس هذا الطرح تمسكا منهم بخيار القانون الأساسي علاوة على دفعها الدائم بأن المجلس المركزي هو مجلس غير منتخب، ومن ثم فإن أعضاء اللجنة التنفيذية المنبثقة عن المجلس الوطني، غير منتخبين، ولا يمثلون الشعب الفلسطيني، ومن ثم لا يمكن لجهة غير منتخبة أن تفرض على الشعب الفلسطيني رئيسا غير منتخب، خصوصا أن الرئيسين اللذين توليا منصب الرئاسة وهما ياسر عرفات ومحمود عباس بدأت ولاية كل منهما بالانتخابات.
ثالثا: أما الفصائل الفلسطينية، فستطرح بلا شك خيارها المفضل وهو اللجوء إلى الانتخابات، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بتوافق بين حركة فتح وحماس، وهذا الأمر لم يجرِ التوافق عليه طوال الفترة السابقة.
ما يجب استحضاره في هذه القضية، أن شخص الرئيس الفلسطيني لم تعد قضية داخلية فلسطينية أبدا، وذلك أن اعتراف المجتمع الدولي بالرئاسة الفلسطينية هو أمر لا يمكن التغاضي عنه، وفي ذات السياق، تأتي إشكالية الإقرار بالاتفاقيات التي وقعت عليها دولة فلسطين أو السلطة الفلسطينية كافة، لتشكل شرطا دوليا وإقليميا للاعتراف والتعامل مع من يتبوأ منصب الرئاسة الفلسطينية، الأمر الذي يفرض تحديا صعبا على حركة حماس، وفي ذات السياق سيكون خيارا مريحا لحركة فتح التي مازالت تتشبث بالاتفاقات الموقعة.
غياب الرئيس محمود عباس سيخلف إشكالية فلسطينية كبيرة، خصوصا أن كل محاولات ترتيب البيت الفلسطيني خلال فترة رئاسته باءت بالفشل، ولم يكن الرجل وما زال غير مستعد لبذل الجهد المطلوب لرأب الصدع وإعادة اللحمة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي سيلقي على عاتق القوى الفلسطينية تحديات صعبة، عليها أن تواجهها وتخرج منها برؤية وطنية جامعة، فالوضع الفلسطيني أضعف من أن يتحمل مزيدا من الأزمات.
(صحيفة فلسطين)