تخطئ كل الحكومات للكيان الصهيوني المتدينة المتطرفة في أن استمرار الاحتلال يجلب الأمن لإسرائيل، وأن الاستيطان وتهويد القدس وتهويد الجولان المحتل يحقق الاستقرار والأمن للكيان الصهيوني. لقد سقطت نظرية الأمن الإسرائيلي في حربها على قطاع غزه حين طالت صواريخ قوى المقاومة كامل الجغرافيا الفلسطينية. إن تعلل قادة الكيان الصهيوني بالحدود الآمنة، هو تعلل لا يستند إلى دليل بتلك التكنولوجيا التي تعلم إسرائيل أنها لا تحقق الأمن الدائم، بقدر ما يحققه الأمن والسلام المستند للسلام العادل والأمن والإقرار بالحقوق الوطنية للآخرين، فالشعب الفلسطيني عبر صراعه مع هذا الكيان الإسرائيلي طيلة ثلاثة وسبعين عاما، لم ينتهِ بانتصارات إسرائيل واحتلالها للأراضي العربية المحتلة واحتلال فلسطين بالكامل، كما أن اتفاقات السلام التي عقدتها حكومات إسرائيل مع مصر والأردن، لم تنهِ الصراع كما ظنت إسرائيل ولم يحقق السلام الذي نشدته إسرائيل بالتطبيع مع الشعوب العربية. اتفاقات السلام مع مصر والأردن كانت مع حكومات وليس مع شعوب، واتفاقات السلام قد تكون هدأت من الصراع، لكن لم تنهِ الصراع، ونكبة فلسطين لهذا العام أكدت أن الصراع مع إسرائيل صراع يتجدد مع الأجيال؛ بدليل أن عدوان إسرائيل على غزه والقدس والضفة الغربية وفلسطين 48 وأن الذين تظاهروا على الحدود مع الأردن ولبنان، هم من الجيل الحاضر وليس جيل النكبة، وهذا دليل على أن الأجيال لن ولن تنسى حقوقها التي تبقى متوارثة من جيل لجيل. نعم الصراع باقٍ عبر التاريخ طالما أن إسرائيل تتنكر للحقوق الفلسطينية، وتتنكر للعرب بأن الأراضي المحتلة أراضٍ اسرائيلية، وهي تعلم أنها ستبقى أراضي عربية طال الزمن أو قصر في استمرار إسرائيل لاحتلالها لهذه الأراضي، وخطأ الاسرائيليين، هو التوجهات للحكومات الإسرائيلية؛ من خلال الاستيلاء على الأراضي وإقامة المستوطنات على هذه الأراضي. وخطأ حكومات إسرائيل بهذا الإصرار على تهويد القدس وكل العالم يدرك أن القدس هي نبض كل المسلمين في أنحاء العالم، وأن القدس كانت وستبقى محور الصراع، وعليه؛ فإن محاولات حاخامات إسرائيل لتحويل الصراع إلى صراع ديني، هي محاولات سيخسرها المتزمتون الإسرائيليون؛ لأن حاخامات إسرائيل يعلمون أن عبر خمسة قرون لم تدم دولة إسرائيل في هذه الأراضي لأكثر من ثمانية وسبعين عاما، أيام حكم نبينا داوود وابنه رحبعام. وهذا؛ على الإسرائيليين أن يدرسوا التاريخ ليحللوا الصراع بكل جوانبه ومعناه، وليتوصلوا إلى النتائج والحقائق التي تؤكد أن استمرار الاحتلال لن يجلب الأمن والسلام للإسرائيليين، وأن إقامة خراب الهيكل لن يحقق حلم بني إسرائيل كما يظنون، وأن سلب الحقوق الفلسطينية مهما طال الزمن لن ينهي الصراع لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب والمسلمين، الأمر الذي لا بد للشعب الإسرائيلي من مراجعته وإعادة تقييمه، حرب 48 أدت إلى قيام إسرائيل في الأرض الفلسطينية، ونكسة حزيران أدت لاحتلال إسرائيل لما تبقى من فلسطين، وحرب أكتوبر أدت إلى اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين أدت إلى توقيع اتفاقية وادي عربة. والسؤال: هل تحقق السلام لإسرائيل عبر هذه القرون من كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية أوسلو هل أنهت الصراع مع الفلسطينيون عبر 28 عاما من عمر أوسلو، واتفاقية وادي عربة هل حققت السلام مع الأردن؟ والجواب بالدليل القاطع أن السلام مع الحكومات هو غير السلام مع الشعوب، بدليل تجدد الحروب والصراعات بين الآونة والأخرى، وذكرى النكسه لهذا العام تكتسب المفهوم المتجدد لهذا الصراع، لن يتحقق الأمن والاستقرار في المنطقة إلا إذا اعيدت الحقوق لأصحابها كاملة غير منقوصة، وكيف للسلام أن يتحقق في الإصرار الإسرائيلي على ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة، والقدس عاصمة إسرائيل، وأن لا عودة للاجئين الفلسطينيين؟ إنها الشروط التعجيزية لسلام لم ولن يكتب له النجاح، ومهما بلغت قوة إسرائيل وبلغ حجم التأييد لها في العالم، ومهما كانت قوة أمريكا وقوة دعمها لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذه القوة لن تكسب إسرائيل شيئا لأسباب؛ أن هناك حقوقا ما زال أصحابها يتمسكون بها، وأن هناك صراعا متجددا عبر الأجيال ما زالت متمسكة بهذه الحقوق، وأن إقامة المستوطنات والاستيلاء على الأراضي لن يغير من معادلة الصراع طال الزمن أو قصر، ما يتطلب من المجتمع الدولي أن يأخذ أولا بأبعاد التغيرات العربية وبتغير المعادلات الإقليمية، وبتغير ميزان القوى الذي لن يكون لصالح إسرائيل، والزحف الجماهيري هو ابلغ رد على كل أولئك الداعمين لإسرائيل، وعلى كل تلك القوى الداعمة لإسرائيل أن تعلم بأن الحق سيبقى في ذاكرة الأجيال، وأن استمرار الاحتلال استمرار لهذا الصراع المتجدد عبر الأجيال، وأن القدس كانت وستبقى محور الصراع.
(الدستور الأردنية)