فيما تُذرف دموعُ التّماسيح
في أوروبا على الوضع الإنساني في الجزائر، يتجاهل العالمُ أجمع مأساة أكثر من
مليون إنسان تمّ التخلي عنهم في أدغال "كوكس بازار" على الحدود بين
بورما وبنغلادش، فلا الاتحاد الأوروبي أصدر عريضة للفت الانتباه إلى هذه المأساة
وإدانة المتسببين فيها. ولا باقي دول العالم هبَّت لمساعدة شعب "الروهينغيا"
الذي يتعرض للإبادة الوحشية منذ عقود على أيدي المتطرفين البوذيين. ولا الهيئات
والمنظّمات الدّولية قامت بواجبها الأخلاقي والإنساني، وساهمت في إغاثة الناجين من
المجازر الجماعية في إقليم أركان.
ومن سوء حظ الروهينغيا
الفارين من التّصفية العرقية أنهم لجأوا إلى أضعف وأفقر دولة في المنطقة، هذه
الأخيرة تُحصي مائة وخمسين مليون نسمة في مساحة جغرافية ضيقة لا تصلح للحياة بسبب
الأعاصير والفيضانات التي تضربها كل عام، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها
السّلطات البنغالية للتكفل باللاجئين الذين تُشير التّقديرات غير الرّسمية بأنّ
عددهم يفوق 2 مليون لاجئ، إلاّ أنّ أوضاعهم تتطوّر من سيء إلى أسوأ، بسبب محدودية
الإمكانات الاقتصادية لبنغلادش، وتخلي العالم عن هذا الشعب خاصة منذ انتشار وباء
كورونا.
وآخر خطوة قامت بها السّلطات البنغالية؛ هي
الشّروع في ترحيل اللاّجئين الروهينغيا إلى جزيرة تقع في عرض المحيط لا تصلح
إطلاقا للحياة البشرية بسبب تعرُّضها للفيضانات والأعاصير، ما يشكل خطرا محققا
عليهم، وهذا بعيدا عن اهتمام المجتمع الدّولي إلى درجة أن الأمم المتحدة أصدرت
بيانا تؤكد فيها عدم اشتراكها في عمليات نقل اللاّجئين الروهينغيا إلى الجزيرة
التي لا تعرف عنها إلا معلومات قليلة، بل إن الأمم المتحدة قالت إنّ السّلطات
البنغالية لم تسمح لممثليها بإجراء تحقيق مستقلّ حول مدى صلاحية الجزيرة لاستضافة
اللاجئين.
ومن الواضح أن الخطوة التي قامت بها بنغلادش
هي لتخفيف عبء استضافة الروهينغيا على أراضيها في ظل الأوضاع الكارثية التي تشهدها
المخيمات الواقعة قرب نهر "ناف" الذي غرق فيه المئات أثناء هروبهم من
بورما، وقد أقيمت لهم مخيماتٌ على عجل لا تتوفر على الشروط الضرورية للعيش، ومع
تراجع الإمدادات القادمة من الخارج باتت المخيمات قطعة من الجحيم، وقد وقفت "الشروق
نيوز" على هذه الكارثة في أفلامها الوثائقية "الروهينغيا.. مذبحة العصر"
و"أمة مذبوحة" و"يوميات المخيم 10".
لذلك، فإنّ من أراد مناصرة حقوق الإنسان عليه
أن يتوقف عن استخدامها كورقة لابتزاز الدّول والأنظمة، وأن يتحول إلى الشّعوب
المقهورة التي تكافح من أجل الحق في الحياة مثل شعب الروهينغيا الذي يتم تحويله
إلى "جزيرة الموت" أمام أنظار العالم!
(عن صحيفة الشروق الجزائرية)