أيام قليلة، حوالي ثلاثة أسابيع فقط، تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي الأميركي الذي يجري في الثالث من الشهر القادم تشرين الثاني نوفمبر 2020، وتشير الرياح السياسية في المنطقة إلى أن موجة التطبيع بدأت بالهبوط الموضوعي لأنها قامت أصلاً على موجة عالية من الأكاذيب صنعها أطراف التطبيع الثلاثة كل على طريقته الخاصة.
أولهم: الولايات المتحدة الأميركية تحت رئاسة دونالد ترامب وتحت عنوان أشد انكشافاً وكذباً وهو صفقة القرن التي أعلنها ترمي تحت عنوان مخادع تماماً وهي أنها أعظم صفقة في تاريخ القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية عربياً وإسلامياً ودوليا، ولكن الرفض الفلسطيني الحاسم لها، والتعامل معها على أساس أنها صفقة فاشلة لا تلبي الحد الأدنى من حقوقهم وثوابتهم ولا تسهم في صنع السلام لا من قريب ولا من بعيد، وأن وقوف أميركا ترامب ضد الشعب الفلسطيني بنوع من الحماقة والاستهانة به لا تؤدي سوى إلى خروج أميركا من المعادلة، وفقدانها الأهلية التي يمكن أن تجعلها صالحة لتكون الوسيط ذا الكفاءة العادلة، فهي في عهد ترامب الذي يوشك أن يتقرر في حدود ثلاثة اسابيع قد أثبتت أنها لا تجيد سوى الضجيج الفارغ الذي لا ينتج عنه نتائج حقيقية.
الطرف الثاني في المأزق هو نتنياهو الذي خاض في سنة واحدة ثلاثة انتخابات وربما تفرض عليه قريباً انتخابات رابعة تهدد وجوده نهائياً، وقد وصل به الانكشاف إلى حد أن يتحالف بوضوح مع كوفيد 19 (ليبرر الإغلاق التام) وعدم سماح المظاهرات المتصاعدة المنادية بسقوطه، وهذا معناه أن الشعب الإسرائيلي رغم انصياعه فترة طويلة لألاعيب نتنياهو ووعود ترامب لكنه غير مطمئن ويخشى من الوقوع في مخاطر اللعبة غير مضمونة بين نتنياهو وحليفه ترامب، ويدفع بذلك ثمناً أكبر من قوته على الاحتمال، بل إن حكومة الائتلاف الحالي في إسرائيل إن لم تؤدِ إلى انتخابات رابعة فقد تؤدي إلى احتمال حكومة جديدة تطرد نتنياهو الذي أفرغ حزب الليكود "حزبه" من أي قيمة وحوله إلى مجموعة من المسيئين الذين يأخذهم نتنياهو إلى حيث يريد مثل صمت الحملان.
أما الطرف الثالث، فهو البعد العربي المزيف في عملية التطبيع المجاني ممثلاً بالإمارات ودولة البحرين، فهما الآن وصلا إلى حد الانطفاء، فقد ثبت أن إسرائيل ومعها ترامب الذي أمرهما بالتطبيع، لا يريد سوى إحداث التغيير في قائمة الأعداء والأصدقاء، وأن إسرائيل العدو الراسخ التعبير بأنها العدو الأول ابتداء من القانون الدولي، والشرعية الدولية، والمبادرة العربية والأمم المتحدة، هذه الإسرائيل يراد لها أن تكون الصديق الأول –هكذا فجأة– من دون منطق، من دون مبدأ المصالح ونظريات المجال الحيوي، هكذا خبط لزق، كما يقولون، هكذا يريد ترامب وهكذا يريد نتنياهو، سلام مقابل سلام.
وأما هذه الحالة، حيث التطبيع وصل إلى نهاية الطريق، تبدأ إسرائيل عبر إعلامها المسيطر عليه أمنياً موجة شديدة من الادعاءات بأن قوى عربية أخرى قادمة إلى التطبيع وستستفيد ملايين المليارات مثل السودان ودول أخرى غير السودان، مجرد أكاذيب وأوهام ملونة حتى أميركا تشترط إخراج السودان من الدول الراعية للإرهاب بالتطبيع قرارها ذلك انكشاف، وهكذا تمخض التطبيع فقط عن سقوط البعض في التطبيع حسب المصالح الإسرائيلية لكن هذا مجرد وهم مطروح منذ سبعين سنة وأكثر، والزبد يذهب هباء، أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، ويا فلسطين لك التحية، فأنت لم تكوني عبئاً بل اختيار للحياة.