(من أجل «أرض إسرائيل» يجوز الكذب). هذا قول منسوب إلى دافيد بن غوريون.
وليم شكسبير له عبارة، في إحدى مسرحياته، صارت مثلاً شعبياً: «حتى أنتَ يا بروتس»، وبروتس آخر من وجّه الطعنات إلى الإمبراطور يوليوس قيصر، أقرب أصدقاء الإمبراطور إليه، فكان جواب بروتس: «أحبّك.. وأحبّ روما أكثر».
هل نقول: نتنياهو يحبّ أميركا الترامبية بالذات، لكنه يحبّ «أرض إسرائيل» أكثر؟ الرئيس الفرنسي الأسبق، ساركوزي، قال إن بيبي «كذّاب»، وأوساط مقربة أبعدها ترامب من طاقمه قالت إنه «خدع» سيد البيت الأبيض في الموضوعين الإيراني والفلسطيني.
لنتنياهو صحيفته «إسرائيل اليوم»، وحدها انفردت من بين صحف إسرائيل في تسريب دراما قبل أربع سنوات عن خلفيات صدور قرار مجلس الأمن (2334)، الذي وافقت عليه 14 دولة، وامتنعت أميركا عن نقضه، ويصف الاستيطان بأنه غير شرعي جملةً وتفصيلاً.
حسب صحيفته، كان نتنياهو كشف عن «الدراما» قبل نصف سنة في اجتماع انتخابي في «معاليه أدوميم»، حيث اتصلّ بـ «صديقه» بوتين، ليستخدم حق النقض ضد القرار (2334). اتصل نتنياهو في 24 تشرين الثاني 2016، ورفض بوتين الطلب في 23 كانون الأول.
من اجتماع «انتخابي» إلى لقاء «ليكودي» «مغلق» حضرته «إسرائيل اليوم» قبل أيام، ادّعى نتنياهو أن إدارة الرئيس أوباما، قبل شهر من تولّي ترامب الرئاسة، كانت تعدّ مشروع قرار بإقامة دولة فلسطينية على خطوط الهدنة، فاتصلّ ببوتين الذي أبلغه، هذه المرّة، أن روسيا ستُسقط المشروع الأميركي بحق النقض، فكان أن قرر أوباما غض النظر عن تقديم مشروع القرار.
هل كذّب نتنياهو في اجتماع «انتخابي» ثم في اجتماع «مغلق» لأن باقي صحف إسرائيل لم تعقب على «سبق صحافي» لصحيفة نتنياهو اليومية المجانية، كما لم تنف أو تؤكد موسكو، أو أي جهة دولية، معلومات «إسرائيل اليوم».
كانت إدارة أوباما وافقت على رفع مبلغ المساعدة العسكرية لإسرائيل على مدى عشر سنوات، وكانت إسرائيل قد أحبطت آخر جهودها، عبر وزير الخارجية جون كيري العام 2014، للوساطة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وفق مشروع أمني ـ سياسي أعده طاقم من الجنرالات والخبراء الأميركيين، وقبلته السلطة الفلسطينية.
إلى ذلك، لم توافق إسرائيل على مقترح روسي لعقد مؤتمر دولي في موسكو، وفي العام 2017 لم تحضر هي وأميركا مؤتمراً دولياً رتّبته فرنسا في باريس.
يُقال إن بوتين اقترح لقاء قمة يحضره رئيس السلطة ورئيس حكومة إسرائيل، فذهب رئيس السلطة مرتين إلى موسكو، ولم يحضر نتنياهو.
في مؤتمر كامب ديفيد 2000 انحاز الرئيس كلينتون إلى طروحات ايهود باراك، وحمّل عرفات مسؤولية الفشل، لكنه في آخر أيام رئاسته قدم أفكاراً للتسوية والحلّ، قبلتها السلطة الفلسطينية، وفضّل باراك الذهاب إلى انتخابات خسرها أمام شارون، الذي تحفّظ على «خارطة طريق» للرئيس بوش الابن، ثم على «حلّ الدولتين»، الذي لوّح نتنياهو بقبوله مشروطاً في خطاب جامعة بار ـ إيلان بالنقب بعد فوز أوباما.
ستعقد الجمعية العامة ومجلس الأمن، هذا الشهر جلستين بناءً على طلب فلسطين لاتخاذ موقف من نيّة إسرائيل مباشرة ضمّ قسم أو أقسام من الضفة الغربية، وسط خلافٍ في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بين وجهة نظر وزير الدفاع غانتس: «ما يعطونك [في صفقة القرن] خذه، وما يتبقّى عالجه لاحقاً» ووجهة نظر نتنياهو بضمّ ثلث الضفة دفعةً واحدة، بدءاً من الأغوار، أو بدءاً من الكتل الاستيطانية كما هو متوقع، ستؤكد الجمعية العامة «حلّ الدولتين» وإدانة الضمّ الإسرائيلي، وفي مجلس الأمن ستدعي إدارة ترامب أن الضمّ يتضمن دولة فلسطينية ما في نهاية المطاف، إن وافق الفلسطينيون على التفاوض بعد الضمّ على أقلّ من دولة ذات سيادة، وأكثر من حكم ذاتي.
ستقدم فلسطين مشروع قرار يربط أي مفاوضات على أي ضمّ للكتل بمبادلات أرضية متكافئة ومتساوية، وأن تكون دولة فلسطين مترابطة ومتواصلة الأركان.
من شبه المتوقع أن توافق غالبية دول مجلس الأمن، الدورية منها، أو الدائمة على مشروع القرار الفلسطيني، بما فيه صوت روسيا، ودول الاتحاد الأوروبي، والصين، وتستخدم أميركا حق النقض، ومن المستبعد أن تفاجئ إسرائيل بالامتناع عن التصويت.
في النتيجة، ستبقى لفلسطين حدود معترف بها دولياً، ولإسرائيل بعد الضمّ حدود غير معترف بها دولياً.
صمدت فلسطين أربع سنوات من ولاية ترامب، وعليها أن تصمد أربع سنوات إذا فاز بولاية أخرى. فهل تصمد إسرائيل إن خسر ترامب في انتخابات تشرين الثاني القريب؟.
(الأيام الفلسطينية)