رغم الانتصارات العسكرية التي تحققها حكومة الوفاق في ليبيا إلا أن إنهاء الأزمة في هذا البلد الشقيق ينبغي أن يكون سياسيا لا عسكريا، لأنّ الحسم العسكري في ظل وجود حلفاء أجانب لكل طرف يجعل من ليبيا ميدان حرب إقليمية تتصارع فيها الإرادات وتتناطح فيها القوى الدولية الباحثة عن النفوذ والمصالح والسيطرة على النفط.
ولا غرابة في عودة الحديث عن الطّرح الجزائري الذي غالبا ما يحاول الطّرف المنتصر في ليبيا أن يتجاهله أملا في الحسم العسكري… حدث ذلك مع جماعة حفتر التي لم تكن تتجاوب مع الجزائر في دعواتها الدائمة إلى ضرورة الاحتكام إلى العقل ومحاولة الوصول إلى حل يرضي الطرفين ويحقن دماء الليبيين، كما أن تصريحات حكومة الوفاق التي استعادت عددا من المدن والمواقع كانت كلها تصب في سياق الحسم العسكري، ولم يعد الطرح يثير اهتمام حكومة الوفاق إلا في سياق التصريحات الفضفاضة والمبادرات الرامية إلى إنهاء الأزمة في ليبيا.
وثمة فرق أساسي بين إعلان القاهرة التي تجاوبت معه الدول الداعمة للجنرال خليفة حفتر، والطّرح الجزائري، لأن إعلان القاهرة كان بحضور طرف واحد في الصّراع الليبي، كما أن مخرجاته كانت بعيدة عن معطيات المعركة التي كانت في صالح حكومة الوفاق، وبحكم دورها في الأزمة الليبية لا يمكن للقاهرة أن تلعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين، بعكس الجزائر التي وإنْ سجّلت مواقف لصالح حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، إلا أنها احتفظت دوما بجسور التواصل مع جماعة خليفة حفتر ومجلس النّواب في طبرق.
وثمة تطورات في الميدان تعيق الحلّ السياسي أهمها المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في مواقع قرب مدينة ترهونة، مما يكشف أن جماعة حفتر ارتكبت جرائم حرب وهو ما تكون له آثاره على أي ترتيب لمستقبل ليبيا، وهو ما يعني أن الجنرال حفتر وأعوانه الرّئيسيين قد لا يكون لهم دور في مستقبل ليبيا، أما باقي القيادات والقوى المنضوية تحت لوائه يمكن أن تكون طرفا أساسيا في الحل السياسي.
ومن بين التّطورات هو الاندفاع التّركي والمسارعة إلى إقامة قاعدتين عسكريتين دائمين غرب ليبيا، وهو أمر تنظر إليه كل الدول المنطقة بعين الريبة، وقد يكون عقبة في سياق الحل السياسي الذي تنشده الجزائر، لأنه استباق لأي ترتيبات قد تفضي إلى استقرار الأوضاع في ليبيا.
(الشروق الجزائرية)