ألغت إدارة ترامب صفة الاحتلال عن الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، وصفة محتلة عن الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الصهيوني، فلم يعد الانسحاب من فلسطين المحتلة مطلبا قائما ولا موجودا ضمن الأجندة الأمريكية الخاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتبعا لذلك انتفت أمريكيا أسباب المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية، وقفزت تلك الإدارة فوق كل الاعتبارات وتجاوزت جميع الأسس والأطر والقواعد والأعراف والقوانين والشرعية الدولية، والمطالب والمبادرات العربية والإسلامية والدولية، وبدأت تتعامل مع الكيان المحتل على أنه أمر واقع وفي نفس الوقت تتجاهل الوجود الفلسطيني أرضا وشعبا وقيادة، وامتدت أذرعها التآمرية وهي تسحب ذلك الكيان خلفها لفرضه على العالم العربي والإسلامي، لتطال أبوابها موصدة بإحكام في وجه المحتلين.
إدارة ترامب ومعها مدللتها حكومة اليمين الصهيوني المتطرف، تتصرفان وكأن فلسطين والعالم بيضة في أيديهما يستطيعان كسرها وتحطيمها وقتما يشاؤون، وفرض إرادتهم ومخططاتهم وفقا لمصالحهم الخاصة، وتنفيذ مشاريعهم الإستراتيجية دون أي حساب لوجود أطراف أخرى.
هناك محاولات صهيو-أمريكية، نستطيع القول إنها بائسة حتى الآن، هدفها تغيير المفاهيم القائمة على ضرورة ووجوب زوال الاحتلال الصهيوني من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، إلى مفاهيم اقتصادية وأمنية، تتطلب بالضرورة التحالف والشراكة بين دول المنطقة والكيان المحتل، بهدف دمجه في المحيط وصبغه بصداقة مزيفة تمكنه من التوسع والتمدد والانتشار دون أن يقدم شيئا، هذه هي الإستراتيجية الجديدة التي تعمل على تمريرها الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية في هذه المرحلة.
الخطاب الإعلامي والسياسي في أروقة البيت الأبيض ولدى حكومة الاحتلال، يركز بشكل رئيس على الجوانب الاقتصادية والأزمات والضائقة المالية التي تمر بها بعض دول وشعوب المنطقة، إلى جانب اختلاق وافتعال التهديدات الأمنية وضرورة مواجهتها والتصدي لها بشكل جماعي لأنها تؤثر على الجميع، كما يدّعون، ويتجنبون الحديث تماما عن الحلول السياسية والاحتلال والانسحاب والدولة الفلسطينية، حتى يطوي النسيان هذه المطالب التي تشكل ركائز النضال والمواقف الفلسطينية والعربية منذ اكثر من قرن من الزمن.
خطة صهيو-أمريكية فاشلة من البداية حتى النهاية، بفضل الصمود الفلسطيني والثوابت والمواقف العربية المبدئية من القضية الفلسطينية، رغم العنق الصهيوني المتصاعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي يأخذ إشكالا متعددة، مثل الحصار المالي والتطهير العرقي وهدم أحياء فلسطينية بالكامل، وحفر الأنفاق في القدس المحتلة، وقتل الشبان الفلسطينيين وسحلهم في الشوارع، واغتصاب الاراضي وبناء المستوطنات والمستوطنين، وكل هذه الممارسات تندرج ضمن السياسات الصهيونية المنظمة والممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، ووسائل ضغط لإجباره على الإذعان والاستسلام.
النهج الصهيو-أمريكي الجديد في التعامل مع القضية الفلسطينية، يجب ان يزيد المواقف الفلسطينية والعربية تشددا في الحفاظ على الثوابت والمبادئ والتمسك بها، وان يزيد المسافة الفاصلة والتباعد في الرؤى بين الجانبين، مهما كانت المبررات والأسباب التي يسوقها الطرف المحتل.
عن جريدة الدستور الأردنية