جوهر المبادرة الوطنية التي طرحتها الحركة الإسلامية الاثنين تمحورت حول الدعوة إلى طاولة حوار وطني غير مشروط للوصول إلى مقاربة توافقية وقواسم مشتركة تحقق الإصلاح المنشود وتزيد من قدرة الأردن على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
المبادرة التي يمكن تسميتها بمبادرة "البنود العشر"، جاءت في توقيت مهم، لتشكل إسناداً للموقف الرسمي في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية، حيث أعلن الأردن بشكل قوي رفضه للمؤامرات التي تستهدف مدينة القدس، ومعارضته لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بشرعية احتلال (إسرائيل) لأراضي الجولان.
وما يؤهل الحركة الإسلامية لطرح المبادرة أنها قوة سياسية تتمتع بحضور كبير في الساحة المحلية. يضاف إلى ذلك حرصها خلال الفترة الماضية على تقديم أداء هادئ متزن، رغم توفّر أجواء تشجع على التشدد في الخطاب ورفع السقوف وركوب الموجة. تجلّى ذلك بوضوح في موقف الحركة المحسوب بدقة من الاحتجاجات والحراكات التي شهدها الأردن خلاف الشهور الفائتة، حيث أكدت شرعية مطالب الحراكيين بالإصلاح، لكنها آثرت عدم الانخراط رسمياً في تلك الحراكات حفاظاً على المصلحة العليا للبلاد في ظل الظروف الداخلية والخارجية الدقيقة. في المقابل كان الموقف الرسمي متقدماً في رفض التساوق مع ضغوط إقليمية لإقصاء الحركة الإسلامية واستهدافها.
مبادرة الحركة الإسلامية دعت إلى تقريب الفجوة وتجسيرها بين الموقفين الرسمي والشعبي، وإلى تحقيق الإصلاح بشكل "هادئ وآمن ومتدرّج"، في إشارة واضحة إلى تموضع جديد للحركة الإسلامية في الساحة الوطنية، قوامه الواقعية والبرامجية وطرح المبادرات التي تعزّز قوة الأردن وحضوره السياسي.
على صعيد المضمون حرصت المبادرة على أن تكون مضامينها العشرة واقعية مرنة يمكن الالتقاء عليها. فمعظمها وردت في خطابات الملك وأوراقه النقاشية، وفي ذات الوقت فإن تلك المضامين تشكّل جوهر مطالبات الحراكيين بالإصلاح.
لغة المبادرة كانت هي الأخرى هادئة رصينة ومرنة، حرصت على تجنّب وضع أية شروط للحوار أو استفزاز أي طرف، لتلافي وضع عراقيل تعّطل فرص نجاحها وتقدمّها.
وتحدث البند التاسع من المبادرة عن أهمية "إسناد توجّه الأردن لاعتماد سياسة التوازن وتنويع الخيارات وتعزيز منظومة علاقاته الخارجية، لتوسيع مجاله الحيوي إقليمياً ودوليا"، وهي إشارة مهمة تتضمن قراءة إيجابية لتوجهات السياسة الخارجية تجاه الملفات الإقليمية والدولية في المرحلة الراهنة.
مبادرة الحركة الإسلامية خطوة مهمّة لتحريك الماء الراكد، وفرصة لتعزيز القدرة على مواجهة التحديات وللتقدم بثقة نحو المستقبل.. فهل تقرأ بصورة صحيحة من كل الأطراف، وهل يتم التفاعل معها بإيجابية من الجانب الرسمي الذي يشكل تجاوبه معها المدخل الأساس لنجاحها، أم يتم التردد والتلكؤ وتفويت الفرصة؟
نقلا عن صحيفة السبيل الأردنية