عندما تشعر بقلة الحيلة المالية، ثم يأتيك من يبشرك بطريقة تضاعف فيها من أرباحك بطريقة خيالية، وتسمع له حين يقول إن من استثمر معه أصبح ثريا وإن خدماتهم مرخصة وأداءهم مضمون، فأنت هنا حصلت على كل ما تحتاج إليه لتصبح ضحية مثالية لاحتياله ونصبه. وستتأهل بشكل أفضل حينما تودع له مبلغا تجريبيا ويعيد إليك بعض الأرباح الجيدة في أسبوع أو شهر، إذن ما يحذرون منه غير صحيح، فالرجل أعطاني بالفعل بعض الأرباح وفلان من الناس - وهو ثقة لدي – حصل على بعض الأرباح كذلك!
المشكلة، أن المتضررين من جرائم النصب والاحتيال لا يكتشفون ذلك إلا حينما يكون الوضع عميقا جدا، أي عندما يستثمر المخدوع من الأموال ما لا يستطيع تقبل خسارته، معظمهم للأسف يضيع كل مدخراته أو يقترض ويستدين للاستثمار. تتحول حينها عملية الاستثمار التي كانت خطوة في طريق الثراء والحلم إلى مأساة وتراجيديا تهزه وتؤرقه ليل نهار، وتتحول قلة الحيلة المالية إلى مأزق مالي حقيقي لا يمكن الخروج منه إلا بعد سنوات طويلة، ناهيك عن تحول الحماس العاطفي والاستعداد النفسي للاستثمار إلى ضيق وتعاسة، واندفاعه نحو التخطيط المالي وتحسين وضعه ينقلب إلى خوف وكره للمال.
لا تسقط هذه الجرائم على المغفلين فقط، بل تصيب الأذكياء والمثقفين كذلك، بل إن مخاطر التعرض لها تتزايد حينما نشعر بأنها تنقص. وهذا يعني أن مجرد الإحساس بأننا محصنون من هذه الأخطار يجعلنا في خطر أكبر. وهذا تحديدا هو وهم الحصانة The Illusion of Invulnerability الذي يصيب حتى المتخصصين والمهنيين، وكل ممارس يبدأ في اكتشاف المعلومات بنفسه ويملك استقلالية اتخاذ قراره. تماما كما يقوم الطبيب الماهر بالتهاون مع بعض المتطلبات الصحية مثل غسل اليد الصحيح، لاعتقاده أن خطر العدوى ضعيف، ومثل المستثمر الذي يشعر بأنه حصل على الفرصة التي لا تعوض ولا يمكن رفضها أبدا. ويزيد من وهم الحصانة حدوثه بالتوافق مع ظواهر أخرى مثل التفكير الجمعي السلبي وتأثير الأقران.
تشير الأرقام إلى أن أكثر من يتعرض لمخاطر الاحتيال اليوم هم الفئة العمرية الواقعة بين 25 إلى 34 سنة، وليسوا كبار السن مثلا، وهذا يعود إلى مقدار تعرض هؤلاء إلى الإنترنت، ما يزيد من فرص احتكاكهم مع المحتالين، على الرغم من معرفتهم المالية الجيدة.
هناك حالة أخرى قد تفسر وقوع تورط البعض في هذه السلوكيات المالية السلبية، هي الانحياز إلى التفاؤل أو Optimism Bias وهي أيضا وهم يعتقد فيه الفرد أنه أفضل حظا من غيره وأقل عرضة لمواجهة بعض المخاطر المحددة. مثل من يتاجر في الأسهم ويعتقد أنه في العادة لا يخسر مثل الآخرين، أو يأكل بشراهة ولكن يشعر بأنه محميّ من التعرض لعواقب الأكل بشراهة. مثل هؤلاء يتضررون بشدة لأنهم يخسرون ماليا ويتخذون بعد ذلك موقفا سلبيا ومتحفظا من التفاؤل المفرط الذي ورطهم في محنتهم.
يقدر بعضهم تجارة الفوركس والأسهم الدولية غير النظامية في المملكة بخمسة مليارات دولار. وبغض النظر عن الرقم الحقيقي، إلا أن حضورهم المشاهد في الإعلانات – وسابقا في الفعاليات الترويجية – مع أن قصص الأشخاص المتضررين كل يوم تؤكد لنا خطورة الوضع. تثبت الأبحاث أن السماع عن هذه المخاطر وطرق ممارستها ومعرفة أساليب وصول المجرمين المدروسة إلى الضحايا تصنع الحماية الأفضل من السقوط فيها.
على سبيل المثال يستغرب البعض كيف يأتي شخص بحرفية ومهارة وإمكانيات "موقع إنترنت وشركة قائمة" ويكتشف أنه مجرد محتال نصاب. يكفي معرفة أن من تعرضوا للنصب – وفق أحد الأبحاث – اعترفوا بأن أول العناصر التي حفزت الاندفاع خلف العملية المشؤومة كان أسلوب التسويق الفعال، ومن بعده تظاهر المحتال بأن الشركة معروفة ولها ثقل في السوق، والثالث أن الاحتيال تم بطريقة لم يسمع عنها من قبل، والرابع عدم قيامهم بالتأكد والبحث قبل القرار، والخامس كان الهدف من العملية الحصول على أمر ملح جدا "مثل تحقيق ربح في فترة ضغط مالي".
في النهاية أذكر أن هذا النشاط في أساسه نشاط شرعي، مثله مثل أي تجارة يصرح لها، لكنه في معظم الحالات يحصل واقعيا بشكل غير شرعي، إما كعملية نصب واحتيال كبرى يتم فيها الحصول على الأموال ثم الهرب والاختفاء أو أنه ممارسة غير مرخص لها من قبل شركة أجنبية تستهدف عملاء في بلد لم تحصل فيه على ترخيص ولم تخضع لأي تمحيص ولا يمكن مقاضاتها والحصول منها على حق. لهذا، سواء كانت تجارة للعملات أو أسهما دولية أو سلعا أو "بيتكوين"، أنصح كل راغب في الاستثمار أن يسلك الطرق الحصيفة المعروفة، سواء كان استثمارا تقليديا في عقار أو مشروع، أو عن طريق الأدوات الاستثمارية التي تتاح بشتى الطرق تحت مظلة هيئة سوق المال؛ التي قامت أخيرا بالتعاون مع جهات أخرى لمتابعة وملاحقة محتالي الأنشطة الاستثمارية المخالفة، حماية للمستثمر. وأنصح كل من تصله دعوات الاحتيال هذه بالتبليغ مباشرة، حماية لنفسه ولغيره من هؤلاء المحترفين، الذين يجددون حضورهم باستمرار.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية