بينما توسع الرياض دائرة قمعها لتشمل عالم السوشيال ميديا فإن علينا
أن نتعلم كيف نذود عن أنفسنا.
في الأيام التي تلت النزاع الذي نشب بين المملكة العربية السعودية
وكندا، كتب الناشط عمر عبد العزيز المقيم في كندا عدة تغريدات حول الأزمة الناشئة
بين البلدين.
اندلعت الأزمة الدبلوماسية في وقت مبكر من الشهر الماضي عندما طالب
مكتب الشؤون العالمية في كندا السلطات السعودية بإطلاق سراح سمر بدوي وغيرها من
النشطاء الذين جرى اعتقالهم بشكل تعسفي، فرد وزير الخارجية السعودية مندداً
بالتصريح الكندي معتبراً إياه عدواناً على سيادة المملكة. تبع ذلك سيل من
الإجراءات الانتقامية، بما في ذلك قرار الرياض طرد السفير الكندي ونقل الطلبة
السعوديين إلى خارج كندا، بالإضافة إلى عدد آخر من الخطوات.
في السابع من أغسطس/ آب، أي بعد يومين من التصريحات المتبادلة عبر
الإنترنيت، أعلن عمر عبد العزيز – الذي ولد في المملكة العربية السعودية ثم لجأ
إلى كندا وحصل على اللجوء السياسي فيها في عام 2014 – في تغريدة عبر تويتر أن
السلطات السعودية هددت باعتقال أشقائه وأصدقائه إذا ما استمر في التغريد حول
الأزمة. وفعلاً، أقدمت الرياض خلال أسابيع على ما هددت به، حيث أكد عمر عبد العزيز
إلقاء القبض على اثنين من أشقائه وسبعة من أصدقائه.
لجم المعارضة
رغم الابتزاز الذي مارسته الدولة معه إلا أن عمر عبد العزيز لم
يتراجع، وكذلك لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يتراجع عن اتخاذ موقف حازم إزاء ما تقوم
به المملكة العربية السعودية من أفعال تستحق التنديد والاستنكار.
إن السرعة والفعالية التي تمكنت من خلالها المملكة بالتعرف على عمر
عبد العزيز ثم استهدافه تستدعى التوقف عندها، فبقدر ما يتوجه النشطاء نحو تويتر
وغيره من منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن معارضتهم للنظام، كذلك ينشط عملاء
الحكومة في اتخاذ خطوات صارمة للجمهم وإسكات أصواتهم.
تسعى المملكة العربية السعودية في عصر السوشال ميديا إلى قمع حرية
التعبير مستخدمة في ذلك عدداً من الوسائل، ومنها منع الأصوات الناقدة من الوصول
إلى جماهير المتلقين، ولعل من الأمثلة الصارخة على ذلك قضية "نسوية إف
إم"، وهي محطة إذاعية انطلقت في وقت مبكر من هذا الصيف تُعرف على تويتر باسم @nsawya، وتتكون المجموعة القائمة
عليها من عدد من النساء اللواتي يبثثن برامجهن من موقع مجهول. ذكرت المجموعة في
أول تغريدة لها على تويتر في شهر يوليو / تموز أن الهدف من المشروع هو "أن
يكون صوتاً للأغلبية الصامتة"، بما في ذلك، كما هو مفترض، الملايين من
المواطنات السعوديات.
لا يوجد ما هو مستغرب في هذه الرسالة إذا ما أخذنا بالاعتبار وضع حقوق
النساء في البلد. بينما يندر أن يرتبط مصطلح تمكين المرأة باسم المملكة العربية
السعودية، فقد ساءت أوضاع النساء في المملكة بشكل كبير منذ أن وصل إلى السلطة ولي
العهد محمد بن سلمان، وهو الذي عمد إلى سجن العشرات من الناشطات النسويات خلال
الشهور الأخيرة، في تناقض صارخ مع الاحتفالية برفع الحظر الذي كان مفروضاً على
قيادة المرأة للسيارة في شهر يونيو/ حزيران.
في هذه الأثناء تواجه إسراء الغمغام عقوبة بالإعدام بسبب نشاطها في
الدفاع عن حقوق الإنسان، وإذا ما نفذت العقوبة فستكون أول ناشطة نسوية في تاريخ
بلدها التي تنفذ فيها عقوبة الإعلام. ورغم أنها ستكون السابقة الأولى بالنسبة
للنساء في المملكة، إلا أنها لم تحظ بما تستحقه من ترويج في أوساط الجمهور الغربي.
الاعتداء على حقوق النساء
يمتد مثل هذا الاضطهاد ليتجاوز بضعة من النساء اللواتي يجرؤن على
البوح بما في نفوسهن. ورغم الضجة التي تثار حول "تمكين المرأة السعودية"
في عهد ابن سلمان، إلا أن الواقع شديد الكآبة. فمازالت قوانين الولاية تحول دون
تمكن النساء من الحصول على كثير من حقوقهن الأساسية، بما في ذلك التعليم والسفر،
دون إذن من أقربائهن الذكور. في تصريح لإذاعة البي بي سي العربية قالت أشتار، وهو
الاسم المستعار لإحدى المذيعات في راديو "نسوية إف إم": "لو أراد
الملك لأبطل نظام الولاية، فكل ما هو مطلوب منه توقيع واحد."
وفي خضم هذا العدوان على حقوق المرأة فإن من السهل رؤية لماذا تزداد
أعداد اللواتي يرفعن أصواتهن ثم يتعرضن في المقابل للإسكات.
في التاسع عشر من أغسطس/ آب، نشر راديو "نسوية إف إم" صورة
لرسالة مفادها أن البث الصوتي للإذاعة على موقع Mixlr لم يعد متاحاً داخل
المملكة العربية السعودية، وبذلك تكون هذه القناة المهمة، والتي تتمكن النساء من
خلالها من التواصل مع المتسمعين والقراء، قد مسحت.
وبعد يومين اثنين عاقب موقع تويتر حساب @nsawya بسبب "انتهاكه"
لقواعد الموقع مما قيد بشكل مؤقت بعض مواصفات حساب الإذاعة. استأنفت إذاعة نسوية
مباشرة ضد القرار، مشيرة إلى قيام السلطات السعودية بممارسة الرقابة على البث،
ومؤكدة أنها لم يصدر عنها أي مخالفات، فما لبث العشرات من مستخدمي تويتر أن سارعوا
إلى دعم محطة الإذاعة باستخدام هاشتاغ: #StopEnslavingSaudiWomen أي "توقفوا عن استعباد النساء
السعوديات".
إلى جانب فرض قيود على الآراء المخالفة وعلى قدرتها على الوصول إلى
الناس، تعتمد المملكة العربية السعودية على مستخدمي تويتر من الموالين للنظام
الملكي للتعرف على النشطاء من الأفراد والمنظمات. خذ على سبيل المثال تجربتي
الشخصية في هذا المجال. كنت ذات مرة قد نشرت تغريدة عبرت فيها عن تضامني مع الفتاة
الإيرانية مائدة هوجباري، فما لبثت أن جذبت انتباه أصحاب حسابات تويتر من الموالين
للنظام.
وكانت قضية هوجباري قد انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي في شهر
يوليو/ تموز عندما ألقي القبض عليها لنشرها مقاطع فيديو "مشينة" لنفسها
على موقع إنستغرام وهي ترقص. فبعد أن غردت دعماً لهوجباري، بكوني امرأة سعودية
تتعاطف مع معاناة امرأة إيرانية، بدأ الهجوم علي من قبل أنصار النظام السعودي،
وكثيرون منهم كانوا يعملون تاغ لموقع رسمي تابع للحكومة السعودية مكرس
"للاتصالات الأمنية" عنوان حسابه @kamnapp. وبعضهم طالب السلطات السعودية بشكل مباشر باتخاذ إجراء ضدي. وكتب
بعضهم محرضاً "هيا انطلقوا"، بينما تساءل آخر "أيتها الشرطة، هل
أنتم موجودون؟".
واقع أورويلي
أقيم في لندن، ولم يحصل من قبل أن تعرضت لأي تهديد بالاعتقال أو
الانتقام، ولكن السهولة التي يتمكن من خلالها مستخدمو التويتر من التبليغ عن
النشطاء تسلط الضوء على الواقع الأورويلي الذي يواجه الناس في المملكة العربية
السعودية.
بينما يتم اللجوء إلى الابتزاز والرقابة لقمع النقاد والمعارضين، يشكل
الموالون للنظام في وسائل التواصل الاجتماعي ما يشبه ظاهرة "الأخ
الأكبر" لردع كل من تسول له نفسه المخالفة أو المعارضة. ولذلك من السهل رؤية
لماذا في مثل هذه الظروف تصبح مبادرات مثل إذاعة "نسوية إف إم"، والتي
تتحدث باسم "الأغلبية الصامتة"، غاية في الأهمية.
ينبغي أن تكون أساليب الحكومة السعودية في إسكات النقاد ملهمة للأفراد
لإيجاد السبل الكفيلة بمقاومة هذا القمع. وسواء استهدفت السلطات أصدقاء أو عائلات
المعارضين سعياً إلى تقييد قدرتهم على إيصال رسائلهم، أو هددتهم بإلقاء القبض
عليهم واعتقالهم، فإنه يتوجب على من يؤمنون بحقوق الإنسان الوقوف إلى جانب الضحايا
وإظهار الدعم والمساندة لهم.
ويعني الدعم الترويج لقصص الضحايا والارتقاء بوعي الرأي العام حول ما
يتعرضون له من معاناة. كما ينبغي على من يهمهم الأمر المسارعة إلى مناصرة النشطاء
والمنظمات التي تواجه العقوبات من قبل تويتر، وعليهم في نفس الوقت التبليغ عن
الحسابات السعودية التي تمارس الرقابة على الآخرين. فحتى أبسط الرسائل المباشرة
التي تعبر عن التضامن والتعاطف بإمكانها أن تعني الكثير بالنسبة لأولئك الذين
يتعرضون للهجوم بسبب آرائهم.
بينما توسع المملكة
العربية السعودية دائرة قمعها لتشمل عالم السوشال ميديا فإن علينا أن نتعلم كيف
نذود عن أنفسنا في مواجهة ذلك القمع.
للاطلاع على نص المقال الأصلي من هنا