نشر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد تغريدة لكاتب يسمى د. علي العراقي مهاجماً فيها خير الدين باشا الذي كان يقاتل عام 1916 دفاعاً عن المدينة النبوية، وهاجم فيها الرئيس أردوغان في نهايتها قائلاً: "هؤلاء هم أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب".
إن أخطر ما في هذه التغريدة المسيئة هو توظيف الجدليات التاريخية التي تزرع الفرقة لأغراض سياسية تكتيكية! فتغريدة مثل هذه من شأنها أن تزرع الفتنة بين الشعوب الشقيقة من أجل قضية حصلت قبل قرن من الزمان. والأدهى من ذلك أن هذه التغريدة انتشرت من وزير دولة غير منتخب، على أساس أنه يمثل شعبه، مما ينعكس سلباً على العلاقات بين شعوب البلدان العربية وتركيا.
لقد استدعت هذه التغريدة نقاشاً حول القضية المحورية التي ما زالت عالقة في أذهان الكثيرين، وهي ما حصل في الحرب العالمية الأولى فلذا يتوجب علينا التعريج على تلك المسألة.
هل فعلا ظلم العثمانيون العرب وخان العربُ العثمانيين؟
قبل الخوض في هذه القضية التي استجلبتها تغريدة الوزير، علينا أن نوضح أن هناك إشكالية في أسلوب طرح المشكلة، فالعرب كانوا جزءا لا يتجزأ من العثمانيين حالهم حال البلقان والأكراد وبعض الفرس
وبعض العرب وصلوا إلى مناصب رفيعة في الدولة وكانوا ممثلين بشكل كبير في مجلس المبعوثان -والذي كان بمثابة البرلمان العثماني- على الرغم من عدم تفعيله في الوقت المناسب.
بل إن المدهش أكثر هو أن عدد العرب الذين قاتلوا في الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى أكبر من عدد القبائل العربية التي قاتلت في صف الشريف حسين.
وَمِمَّا لا يخفى على المطلع على التاريخ أن الدولة العثمانية ذات التاريخ الطويل والامتداد الواسع عبر ثلاث قارات كانت تواجه العديد من التحديات الداخلية التي حفزتها جهات من الخارج بهدف تجزئة الدولة على أسس مذهبية وقومية من أجل الاستيلاء على تركتها –ومنها القدس- علاوة على المؤامرات الخارجية المباشرة، حالها في ذلك حال الدولة العباسية والدولة الأندلسية اللتين جابهتا تحديات شبيهة طوال تاريخهما الطويل والمشرق في اكثره.
وعودة إلى إعادة نشر التغريدة فينبغي أن لا ننسى أن خيرالدين باشا وقواته كانت لا تقاتل عن اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية وإنما عن مدينة رسول الله، المدينة المنورة التي هي ملك للمسلمين جميعا على اختلاف أعراقهم. وقد ذكرت بعض المصادر أن الصدر الأعظم –رئيس وزراء الدولة العثمانية- والسلطان قد أرسلوا مكاتيب إليه آمرينه بالانسحاب من المدينة المنورة إلا أنه أبى ذلك وأصر على الاستمرار في الدفاع عن المدينة إلى أن أنهكت قواته بشكل كامل..
لعل هذا القدر من التوضيح يكفي في هذه القضية، وأعرج على ما ينبغي أن نتحدث عنه في هذا الوقت، وهو البوصلة!
البوصلة!
إن المنطق السليم يقتضي ونحن في هذا العصر الذي نواجه فيه أزمات وجودية تهدد كينونتنا ومستقبلنا كأمة أن نجلس معا ونعمل على إطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة والتي تمتد إلى الجوار يوما بعد يوم، وتوحيد البوصلة ووضع خطط استراتيجية لإعادة دفع عجلة الحضارة الإسلامية للأمام لتعود كما كانت: الحضارة الرائدة في أرجاء المعمورة.
ولو ألقينا نظرة على التاريخ لوجدنا أن جيوش أجدادنا الأمويين والعباسيين والعثمانيين قد وصلت إلى مشارق الأرض ومغاربها بفضل تجمعهم تحت راية واحدة. وارتقت العلوم في العالم الإسلامي إلى مراتب عالية لدرجة أن طلبة العلم وفدوا من جميع أنحاء العالم لينهلوا من هذه العلوم. فأين نحن من هذا اليوم؟
ينبغي لنا كمسلمين أن نتجاوز المسائل التفصيلية التي تنسينا قضايانا الجوهرية وأزماتنا الحالية، فكارثة القدس لمّا تنته والدم السوري والعراقي واليمني ما زال ينزف، ناهيك عن ماساة الروهنجيا التي تتفاقم يوما بعد يوم، والقائمة تطول...
قد أتلعثم في ذكر كلمة "الوحدة" فقد أصبحت وللأسف وكأنها مسألة إعجازية زرعت اليأس والإحباط في نفس كل من يعمل لها، ولكن لا مناص مِن أن نعمل معاً ضمن استراتيجيات مشتركة لحل خلافاتنا وكوارثنا، ودفع عملية التنمية في كافة بلداننا.
ثقوا وتيقنوا أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، فعلينا ألا نسمح لمن يتربص بِنَا بأن يدقوا الأسافين. ما زال الأمل موجوداً، فلنعمل معاً على ترجمته ليصبح واقعاً نعيشه.