تتواكب ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر 1918 مع تزايد
مخاطر حرب جديدة في المنطقة جراء تصاعد التهديدات من قبل بعض الأطراف وتشجيع أطراف
أخرى لها، وبما يهدد بنشوب حرب جديدة تكون ساحتها الدولة اللبنانية هذه المرة.
وقد عرضت في مقالي الأخير بعنوان «الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن» كيف تتجمع
نذر الحرب في المنطقة وشواهد ذلك، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذل من قبل أطراف
عديدة -وعلى رأسها مصر- لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب جديدة، فإن هناك من لا يزال يصب
الزيت على النار، ويبدو أنه لن يهدأ له بال حتى يتم إشعال هذه الحرب. ولعل التقرير
الذي نشرته جريدة الجارديان البريطانية في عددها يوم 11 نوفمبر الحالي بعنوان «القيادة
الإسرائيلية تتحدث عن حرب أخرى مع حزب الله» - ينم عن طريقة التفكير الإسرائيلية ويكشف
عن نواياها.
فقد نقل التقرير ما جاء على لسان قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق اللواء
أمير إيشيل خلال مؤتمر هرتزليا في شهر يونيو الماضي من أن إسرائيل تستطيع تدمير الترسانة
الصاروخية لحزب الله (والتي يتم تقديرها بمائة ألف صاروخ) في غضون 48 إلى 60 ساعة مقارنة
بمحاولة إسرائيل السابقة في عام 2006 والتي استغرقت 34 يوما. فما وجه الشبه والمقارنة
بما حدث في الحرب العالمية الأولى مع ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط حتى نستفيد من
دروس التاريخ ونستشرف بعض ملامح ما قد يحدث في الأيام والأسابيع القادمة؟
بداية وكما نعرف جميعا، فإن شرارة الحرب العالمية الأولى انطلقت مع قيام
متشدد صربي باغتيال ولي عهد النمسا في مدينة سراييفو بالبوسنة في يونيو 1914، لتقوم
بعدها الإمبراطورية النمساوية المجرية -بتشجيع من ألمانيا- بشن حرب ضد مملكة صربيا
التي ينتمي إليها الإرهابي الذي قتل ولى العهد كما ذكرنا.
وكان هدف ألمانيا من تشجيع هذه الحرب هو جر روسيا إلى مواجهة عسكرية معها،
وقبل أن تستكمل روسيا إعادة بناء جيشها وتوسيعه، وهو المشروع الذي بدأته الحكومة الروسية
قبل عدة سنوات، وكانت ألمانيا تخشى من نتائجه عليها.
وبالتالي تصورت القيادة الألمانية أنها يمكنها في هذا التوقيت أن تقضي
على هذه القوة العسكرية البازغة ولفترة طويلة قادمة. هذا، وقد عمدت ألمانيا إلى استغلال
العلاقة التي جمعت روسيا بصربيا من أجل جرها إلى الحرب معها، حيث إن روسيا الأرثوذكسية
التي تنتمي للعرق السلافي قد نصبت من نفسها حامية لمملكة صربيا الأرثوذكسية السلافية،
وبالتالي فإن روسيا ما كانت لتقف مكتوفة الأيدي إذا ما قامت النمسا الكاثوليكية/البروتستانتية
الجرمانية بغزو المملكة الصربية.
وهكذا دخلت روسيا الحرب ووقعت في الفخ عندما سارعت لنجدة صربيا، فأعلنت
الحرب على النمسا لتقوم ألمانيا الكاثوليكية/البروتستانتية الجرمانية بدورها بمساعدة
حليفتها النمسا وإعلان الحرب على روسيا.
وهكذا قامت الحرب في البداية نتيجة نشوء تحالفين أساسيين، هما التحالف
الأرثودوكسي السلافي من روسيا وصربيا في مواجهة التحالف الكاثوليكي/البروتستانتي الجرماني
من ألمانيا والنمسا، وبدأت الحرب التي كانت القيادة الألمانية تسعى إليها وتؤمن بقدرتها
على الانتصار فيها خلال أشهر قليلة.
ولكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن، وبداية الحرب ليست مثل نهايتها،
وما يحدث على الأرض لا يكون بالضرورة ما تم التخطيط له أو توقعه. ودون الدخول في الكثير
من التفاصيل حول مجريات الحرب وكيف سارت، إلا أن أهم ما يعنينا هنا هو كيف اتسع نطاقها
وخرجت عن السيطرة، فقد انضمت كل من فرنسا وبريطانيا إلى صف روسيا لأسباب خاصة بكل منهما.
فرنسا تريد الثأر من ألمانيا لهزيمتها في حرب 1870 وفقدان إقليم الألزاس،
وبريطانيا تخشى من هيمنة القوة الألمانية المتصاعدة على مقدرات القارة الأوروبية. على
الجانب الآخر، فقد انضمت الإمبراطورية العثمانية، العدو التقليدي لروسيا، إلى ألمانيا
والنمسا على أمل استرداد الأراضي التي فقدتها سابقا لروسيا في حروبها العديدة معها.
طبعا كانت هناك أطراف أخرى لا يتسع المجال لعرضهم جميعا، ولكن كما نعلم
فإن دخول الولايات المتحدة البروتستانتية الأنجلو ساكسونية بجانب بريطانيا البروتستانتية
الأنجلو ساكسونية في شهر إبريل من عام 1917، رجح الكفة ضد التحالف الألماني النمساوي
العثماني، ولتنتهي الحرب في 11 نوفمبر من عام 1918 بعد أربع سنوات من اشتعالها، بعد
تدمير أربع إمبراطوريات (الروسية والألمانية والنمساوية والعثمانية)، وسقوط أكثر من
عشرين مليون قتيل، ناهيك عن المصابين وما أصاب المدنيين من خراب ودمار.
كانت الحرب العالمية الأولى درسا واضحا للجميع، فمن السهل بدء الحرب تحت
دعوى نصرة أبناء نفس العرق أو الدين أو الطائفة أو القومية، مثلما اندفعت روسيا لنصرة
صربيا، ولكن من الصعب التحكم في مسار الحرب ومنعها من الاتساع أو الخروج عن السيطرة.
والمتابع للمشهد الحالي في المنطقة لا يستطيع إلا أن يلحظ كيف تتطور الأمور
في اتجاه تحالف سني تقوده السعودية في مواجهة تحالف شيعي تقوده إيران، وسواء اتفقت
المصلحة السعودية مع إسرائيل أم لا في مواجهة حزب الله ومن ورائها إيران، فإن اندلاع
حرب إسرائيلية ضد حزب الله قد لا تقتصر فقط على الأراضي اللبنانية، ولكن قد تتدخل فيها
إيران لمساندة حزب الله من خلال الحرس الثوري المتواجد في سوريا قرب الحدود الإسرائيلية.
وعندها تصبح جميع الاحتمالات مفتوحة، بما فيها فتح جبهة إيرانية سعودية.
فهل يتم استيعاب درس الحرب العالمية الأولى، وعدم الانجرار لأفعال تؤدي
إلى سلسلة من ردود الفعل لا يعلم أحد كيف ستتوقف أو كيف ستنتهى.
الشرق المصرية