في مقاله الأخير والمعنون بـ"فوضى حماس"، الذي نُشر في عدة مواقع إلكترونية، انتقد الأستاذ "عبد الستار قاسم" مواقف حماس في كثير من القضايا المطروحة على الصعيد المحلي والإقليمي، وفي مقالي هذا -من خلال متابعتي لما يجري على الساحة- أود أن أسجل الملاحظات التالية على مقال أستاذنا وصديقنا الدكتور عبد الستار، آملا أن يتسع صدره لهذه الملاحظات:
يقول الدكتور عبد الستار قاسم: "على مدى فترة لا بأس بها من الزمن وحماس تدخل في متاهات ولا تدري بالضبط ماذا يجب أن تعمل ولا كيف وفي هذا ما يدخل قطاع غزة في حالة من عدم الوضوح وربما في فوضى فكرية ومعرفية. الناس بحاجة إلى معرفة البوصلة التي يمكن أن تقودهم، ومعرفة التوجهات والسياسات لكي تستقيم أمورهم ويبتعدوا عن الضبابية والغموض والتيه والضياع، ويبدو أن رؤية حماس الفلسفية والفكرية فيما يتعلق بإدارة شؤون الناس قد أصيبت بضعف كبير ودخلت في حالة من التردد والشك وضعف القدرة على إيجاد البدائل".
حماس يا دكتور بوصلتها واضحة منذ اليوم الأول، والمتمثلة بتحرير الأرض المغتصبة من دنس الصهاينة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على كافة التراب الوطني، وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجروا منها، لكن الذي حصل منذ فوزها في الانتخابات التشريعية، هو تعرضها لهجوم شرس من أبناء الجلدة، قبل الأعداء، لمؤامرة إجرامية استئصالية شاركت فيها اطراف محلية وإقليمية، دولية، توجت بحصار لم يعرف التاريخ الحديث له مثيلا، وأود أن أُذكرك فقط يا دكتور أنه في هذه الفترة التي تتحدث عنها صمدت "حماس" ومعها أهل غزة الأبطال في ثلاث حروب طاحنة، ولم يستطع الاحتلال الصهيوني دخول غزة، ولو شنت هذه الحروب على دول لما استطاعت أن تصمد فيها أياما معدودة، أضافة إلى إنجاز صفقة وفاء الاحرار-1 التي يعتبرها كل الناس إنجازا تاريخيا، ولا زال الحصار مستمرا، بل تزداد وطأته يوما بعد يوم، والمؤامرة مستمرة كذلك، هدفها واضح وهو استسلام غزة وتخليها عن سلاح المقاومة.
ما لاشك فيه أن هذا سيؤثر على أولويات الحركة، يلزمها بعمل مقاربات معينة، بالرغم من محدودية البدائل، قد تصيب في بعضها وقد تخطئ، أن استخدامك لعبارة "التيه والضياع" لمسار الحركة في هذا الوقت فأرى انه غير لائق وغير موفق، فيه تجني على حركة تدفع من لحم أبنائها الحي في كلّ يوم لتحافظ على سلاح المقاومة وخط المقاومة وصولا إلى لحظة الالتحام المباشر مع العدو والذي لن يطول مداه بأذن الله.
ويضيف الدكتور الكريم : ( حماس أدخلت نفسها في نوع من التناقض بين المبدأ والحزبية عندما حشرت نفسها في الفتن العربية ولو من الناحية الإعلامية فقط).
حماس يا دكتور ومنذ نشأتها- وأنت تعرف اكثر مني- نأت بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتجربة منظمة التحرير في لبنان والأردن وفي حرب الخليج ماثلة أمامها، هي تعرف تماما ما هي الأثمان الباهظة التي دفعتها الثورة الفلسطينية المعاصرة ودفعها الشعب الفلسطيني معها، نتيجة هذا التدخل، هي في أدائها الإعلامي حاولت الدفاع عن نفسها بالحسنى، ليس إلا، فقد تعرضت لهجوم ظالم من قبل سوريا، مصر، قبل أسابيع من السعودية والبحرين ومن قبل حفتر في ليبيا ورغم ذلك لم تهاجم احد، حفظت الفضل لأهله، و وقرب حركة "حماس" وبعدها عن هذه الأنظمة هو بقدر دعمها ومساندتها للحق الفلسطيني، كما وتحرص "حماس "على أن يكون ذلك الدعم وتلك المساندة دون قيد أو شرط، فالحركة لا تقبل مساعدات مشروطة وهذا ما حصل بينها وبين النظام السوري، فقد وفر لها النظام السوري الدعم اللوجستي ولكنه عندما طلب منها موقفا يسانده في معركته ضد المعارضة السورية، رفضت "حماس" واعتبرت أن هذا شأنا سوريا وتحملت في سبيل ذلك الخروج من سوريا. وبالرغم من ذلك فقد امتدح السيد "خالد مشعل" - قبل إنهائه لموقعه كرئيس للمكتب السياسي لحماس - مواقف سوريا حينما احتضنت "حماس" وفتحت أرضها للمقاومة، لم يبخسها حقها، بالرغم مما قامت به مصر "السيسي" ومصر "مبارك" من أعمال إجرامية بحق "حماس" واهل غزة إلا أن خطاب "حماس" ظلَّ يردد :"الإخوة الأشقاء في مصر". فكيف يستقيم هذا مع ما تفضلت به من أن "حماس "أدخلت نفسها في نوع من التناقض بين المبدأ والحزبية عندما حشرت نفسها في الفتن العربية ولو من الناحية الإعلامية فقط.!!!!
ويضيف الدكتور "عبد الستار قاسم" في مقاله (أدارت حماس ظهرها لمحور المقاومة لأسباب مذهبية وحزبية تاركة خلفها مبدأ المقاومة الذي يجب أن يعلو على كل الاعتبارات الأخرى ما دامت فلسطين محتلة. نحن لا سنة ولا شيعة، وإنما نحن مسلمون فقط، والمذهبية لا تقيم إلا شقاقا وفسادا ونحن لا نجد في ذلك ضالة لنا. والموقف العام أننا أصدقاء كل من يدعمنا ويساعدنا بدون شروط أو منّة. لقد ارتكبت حماس خطأ استراتيجيا كبيرا في أنها لم تحافظ على مكانتها ووضعها في محور المقاومة، ودفعت علاقاتها مع حزب الله وإيران إلى ما يضر ولا ينفع.)
وحماس يا دكتور هذا نهجها وهذا ما تصبوا إليه، خطابها لم يتجاوز ما تفضلت به، لم تدر ظهرها للمقاومة لأسباب مذهبية وحزبية، كما تفضلت، فكيف تتهمها بشيء هي بريئة منه، إلا اذا اعتبرت انحيازها إلى مظلومية الشعوب والذي يعتبر الحدّ الأدنى من التعاطف الإنساني- قبل أن يكون واجب أخلاقي وقيمي- مع المظلومين في هذا العالم أينما وجدوا، هو مجافاة للمقاومة، "حماس" يا دكتور لم تخرج من سوريا إلا مكرهة، فقد حاول النظام السوري إجبار "حماس" للخروج بموقف مؤيد له في قمعه لشعبه، لذلك كان لا بد من الخروج من سوريا لنزع أي أوراق يستغلها النظام السوري من أجل ارتكاب المزيد من الجرائم ضد أبناء شعبه، إعطاء أي نوع من الشرعية لها، ولهذا كان القرار من "حماس" بأن القيم والمبادئ التي تتسلح بها "حماس" مٌقدمة على المصالح، هي تملي عليها الخروج من سوريا..
ويضيف د.عبد الستار قاسم: (والآن واضح تخبط حماس وضعف قدرتها على التركيز والتسلح بالخطاب العقلاني الذي يوجه الميدان. نرى حماس يوما تغازل قطر، ويوما تدافع عن تركيا، وأحيانا تهادن مصر، وأحيانا أخرى تتقرب من إيران، الخ. إنها تتشعب في طروحاتها وصداقاتها وعداواتها وتصنع نوعا من الفوضى بحيث لا يتمكن المراقب من تتبعها).
وهنا نقول لدكتورنا العزيز: أن المنتمي لشعبه يبحث عن المستحيل في اطار المبادئ والثوابت للتخفيف عنه وبالتالي هو يبحث هنا وهناك من اجل التنفيس عن كرباته التي صنعها ابن الجلدة قبل الأعداء الصهاينة مع الحفاظ على الثوابت، وبالرغم مما تحدثت به تشعب لعلاقات حماس مع هكذا توليفة من هذه الدول هل تخلت حماس عن واحد من الثوابت؟! وهي نقترب من واقعنا العربي والإسلامي بقدر دعمه ومساندته للحق الفلسطيني دون شروط مسبقة أو إخلال بالثوابت.
ختاما، نقول لك دكتورنا الكريم: بالرغم من اعتزازنا بمواقفك المشرفة تجاه قضيتنا الوطنية، بخطابك الأصيل في دعم المقاومة وأهلها، إلا إنني شعرت في مقالك هذا تحاملا غير مبرر على "حماس"، انتقادا يفتقر إلى الوجاهة والدلائل المقنعة، لا أقول ذلك لان الموضوع يتعلق بحماس- التي لا شك اقدرها وأجلها-ف"حماس" في النهاية حركة بشرية، وليست حركة ملائكية، فهي تصيب وتخطئ،- بل يتعلق بالمنهجية التي ينبغي علينا جميعا الالتزام بها في نقدنا للآخر والتي ينبغي أن يكون شعارها قول العلي العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
دمت بخير أستاذنا الكريم، الهمنا الله وإياك السداد والرشادِ