يتنامى في العالم الإسلامي ظهور بعض النخب التكفيرية التي تعتبر الإسلام المتداول حاليا هو غير الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، ولن يقبل بالتالي من عموم المسلمين تعبدهم السائد. فالحجاب مثلا في فقه هذه النخب ليس عبادة، بل عادة، وقد تكون جاهلية أيضا، والخمرة في شرعهم غير محرمة إلا من قِبل الأدعياء الذين حرموا البشر من متعتها، وتعدد الزوجات باطل، والجهاد فتنة ورموزه الأوائل في الإسلام مجرد جزّارين..
طفا حضور هؤلاء على سطح الإعلام مع الجدال المطروح عالميا تحت عنوان "الإسلام والإرهاب"، لينفذوا من فظاعة مشاهد القتل والذبح الواقعية أو "السينمائية" وحالة الرفض العالمية لها، إلى ما ليس له علاقة بفكر سياسي أو إلغائي، بل إلى "الإسلام الاجتماعي" ليمارسوا دورهم الإقصائي الذي ورثوه غالبا عن متأثرين بالفكر الشيوعي، مع أن بعضهم حائز على شهادات في الدراسات الدينية أو الفلسفية، فيقررون من هو المسلم حقاُ ومن هو غير ذلك، ويضعون معالم دينية "متحررة" تتهم "الإسلام المتداول" بسقطات علمية يضعون لها كليشهات مثل ادعاء "إقفال باب الاجتهاد" يرددونها بأصوات عالية دونما نقاش هادئ ومنهجي. والتهمة "الداعشية" جاهزة وسريعة كالوجبات الساخنة لإلصاقها بكل معارض لهم..
في مصر تحديدا لا توفر هذه "النخب التكفيرية الحليقة" أي فرصة للتحرش بالعقائد والعبادات والسلوكيات الإسلامية، وقد وجدت في التباين القائم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب مدخلا ذهبيا للهجوم على الأزهر الشريف وتحميله مسؤولية الإرهاب الذي يرتكب حول العالم باسم الإسلام، رغم شخصية الشيخ أحمد الطيب الانفتاحية والتي تلقى معارضة واسعة حتى داخل الأزهر. فلم يعد "الإخوان" و"السلفيون" هدفا لدى هؤلاء بعد تحقيق محاصرتهم محليا ودوليا، بل باتت مواجهتهم مباشرة مع الدعاة والمشايخ الذين يعلمون الناس وتلاميذ المدارس الحلال والحرام في المأكل والملبس وأحكام الطهارة والنجاسة وأركان الصلاة وشروط الصيام ومكارم الأخلاق ونواقض العفّة. حتى وصل الأمر بأحدهم إلى حد الدعوة لإغلاق الأزهر الشريف عشر سنوات يعاد خلالها صياغة فقه إسلامي جديد. وهي دعوة لم يجرؤ على مجرد التفكير بها جميع الغزاة الذين عبروا الديار المصرية المحروسة.
هؤلاء "التكفيريون الحليقون" يخدمون دون قصد منهم حقيقة وعمق الصراع الأبدي مع الإسلام كدين ينظم حياة الفرد والعائلة والمجتمع بقائمتين طويلتين من المسموحات والممنوعات، قبل أي شيء آخر.
لهؤلاء حريتهم في تبني الأفكار التي يريدون، لكن ليس من حقهم تكفير المسلمين أو تجهيلهم، وإقصاء المدارس العلمية والفقهية السائدة ،وتهديد السلام المجتمعي؛ بحجة مكافحة الإرهاب.