أعلنت السلطات السويسرية أنها تخلت مع بداية العام الجديد عن نظام "
السرية المصرفية" وذلك عملا بالاتفاقية الدولية المتعلقة بالتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية.
ويبدو أن بعض أصحاب الأموال سيفكرون الآن بالخروج من "الجنة الضريبية" طوعا، أو سيقبلون بتحويل المُعطيات الخاصة بهم بشكل تلقائي إلى بلدانهم أو سلطات الدول المعنية مرة واحدة في السنة بشكل تلقائي.
الخبير
الاقتصادي الدكتور عبد الله باعشن أوضح لـ"
عربي21" أن القرار السويسري جاء نتيجة لتوجه الصناعة المصرفية للإفصاح والرقابة على حركة الأموال في ظل تزايد الجرائم المالية وأبرزها غسيل الأموال.
ولفت إلى أن القرار سيؤثر بعض الشيء على توجه أصحاب الأموال إلى المصارف السويسرية، حتى أصحاب الأموال النظيفة ممن لا يحب أن يفصح عنها.
وقال إن القرار سيعود بالفائدة على الجميع، وعلى
سويسرا بالخصوص، والنظام المصرفي العالمي، وعلى كل من يرغب باستثمار أمواله بطرق سليمة.
وأكد أن أصحاب الأموال الآن سيتوجهون إلى "الاستثمارات الجريئة" التي لا تخلو من خطورة، لكنها مجزية ماديا، كالاستثمار في مجال التكنولوجيا على سبيل المثال.
وبحسب ما نشر موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية "سويس إنفو"، فقد كانت سويسرا لا تقدم أي معلومات مصرفية إلا إذا ما طُلبت من طرف بلد آخر سبق أن أبرمت معه اتفاقية لمنع الإزدواج الضريبي. وحتى في تلك الفترة، فإن التعاون من قبل السلطات السويسرية لم يكن مضمونا.
ويتوقع أن يكون أول المستفيدين من التحول السويسري نحو الشفافية، دول أوروبا الغنية، إلى جانب اليابان وكندا وكوريا الجنوبية.
وطالما كانت سويسرا موئلا آمنا للأثرياء والفاسدين العرب، غير أنه أصبح بمقدور بلدانهم الآن ملاحقتهم، ويتوقع خبراء أن يكون هؤلاء أول الخاسرين والمتضررين من القرار السويسري.
وفي عام 2013، جمدت سويسرا نحو 700 مليون فرنك سويسري للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك و60 مليون فرنك للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كانوا يحتفظون بها هناك.
وفي حزيران/ يونيو من العام الماضي، أعادت سويسرا إلى تونس مبلغا ماليا محدودا من أرصدة هربها أقارب بن علي إلى بنوك سويسرية.
وقال كمال الهذيلي، المكلف العام بنزاعات الدولة في تونس، على هامش مؤتمر حول "منظومة استرجاع الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة"، إن "سويسرا أعادت الاثنين إلى تونس 225 ألف يورو تعود إلى شركة يملكها سفيان بن علي" ابن أخ الرئيس المخلوع.
وفي آب/ أغسطس من العام الماضي، أبطلت المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية، قرارا سابقا بالتوقف عن ملاحقة الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك، في قضية الأموال المهربة والأرصدة المجمدة في سويسرا وقيمتها 590 مليون فرنك سويسري.
مدير تحرير جريدة "لوسيل" الاقتصادية القطرية، حسن أبو عرفات، قال لـ"
عربي21"، إن النظام المصرفي حول العالم أصبح نظاما شفافا وواضحا والمعايير المالية العالمية حازمة جدا، ومن الصعب على سويسرا بالنهج السابق.
وأشار إلى أن سويسرا اتخذت قرارا صعبا وضحت بأحد أهم مزاياها المصرفية، لصالح المعايير الدولية.
ولفت أبو عرفات إلى أن سويسرا ربما تخسر بعض الشيء لكون كثير من الأموال والاستثمارات الخاصة توطنت هناك بسبب معايير السرية، وأن بعض الأموال ربما تبحث الآن عن ملاذات أخرى آمنة.
واستدرك بأنه من الصعب الاختباء بعد اليوم، كما من الصعب إيجاد ملاذات آمنة بعيدا عن سويسرا، لأن جميع البنوك الآن ترفع شعارات الشفافية المصرفية.
وختم بأن العالم الآن وبعد أن أصبح قرية صغيرة، لا تستطيع سويسرا أن تكون استثناءً حين يعمل الكل بمبدأ النوافذ المفتوحة.