دخلت
حركة مجتمع السلم، أول قوة سياسية إسلامية معارضة في
الجزائر، جوا من
الصراعات بين القيادة الجديدة بزعامة عبد الرزاق مقري، ورئيسها السابق أبو جرة السلطاني، ولم يبرز ملف بعينه كسبب للصراعات الطارئة، ولكن خلافا حول موقع الحركة بالمرحلة السياسية المقبلة، نشب بين فصيل يريد البقاء بالمعارضة وآخر يدعو إلى الاقتراب من
السلطة.
ويرأس حركة مجتمع السلم، المعروفة اختصارا بـ"حمس" بالجزائر، عبد الرزاق مقري، المعارض للسلطة، وترأس الحركة الإسلامية الأكثر شعبية بالبلاد، منذ أيار/ مايو 2013. واعتلى مقري رئاسة "حمس" خلفا لأبي جرة السلطاني، الذي قادها لعشر سنوات، شاركت خلالها الحركة في الحكومات المتعاقبة كما كانت طرفا فاعلا في الائتلاف الرئاسي المؤيد للرئيس بوتفليقة.
وفي الوقت الذي كانت خلاله الحركة مؤيدة للسلطة بالجزائر، كان قطاع واسع من الكوادر بداخلها يرفضون هذا التوجه، ويطالبون بالانخراط في المعارضة، بالتوازي مع تنامي قضايا الفساد في البلاد، حيث اغتاظ مناضلو الحركة، من بقائها حليفة للسلطة دون أن تحرك ساكنا بخصوص ملفات الفساد المستشرية.
وتضاعف الضغط على قيادة الحركة برئاسة أبي جرة السلطاني من أجل الانسحاب من الائتلاف الرئاسي ومن الحكومة معا، بالتوازي مع ثورات الربيع العربي، وفوز الإسلاميين بتونس والمغرب ومصر بالانتخابات النيابية، فأعلنت الحركة انسحابها من الحكومة ومن الائتلاف، أملا بتحقيق نتائج باهرة بانتخابات نيابية لاحقة (أيار/ مايو 2012).
غير أن الانتخابات النيابية التي جرت بالبلاد شهر أيار/ مايو من العام 2012، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ تحالفت حركة مجتمع السلم مع حزبين إسلاميين آخرين، هما حركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني، لكن نتائج الانتخابات خيبت آمال كوادر الحركة والأحزاب الإسلامية ككل، حيث سيطر حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم والخصم اللدود، على أغلب مقاعد البرلمان (200 مقعد)، ولم يتحصل الإسلاميون مجتمعين إلا على 48 مقعدا.
وكانت تلك الانتخابات دافعا قويا لقيادة حركة مجتمع السلم للتخندق ضمن المعارضة الراديكالية بالبلاد، إذ انتخب عبد الرزاق مقري رئيسا لها خلفا لأبي جرة السلطاني، القريب من السلطة رغم التصادم معها، وضمت الحركة بقيادتها الجديدة صوتها لصوت الداعين لتغيير النظام بالطرق السلمية بمبادرة أربكت السلطة، لتتسع الهوة أكثر بين السلطة وهذا الفصيل الإسلامي الذي كان حليفها المهم يوما ما.
لكن نهج المعارضة التي تبنتها الحركة مهدد بعدم الصمود أكثر إثر عودة رئيسها السابق أبي جرة السلطاني إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، معلنا عن مبادرة لتصحيح خط الحركة على مقربة من الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل 2017.
ويتحاشى الفصيلان إثارة موضوع الخلاف بوسائل الإعلام، كون ذلك لا يخدم الحركة كما يقولان.
وأعلن السلطاني، الاثنين، في بيان، أنه سيكشف عن مبادرة سياسية تتعلق بخط الحركة في الأيام المقبلة بتصريح مدوي، أزعج قيادتها التي دعته إلى كشف مبادرته داخل هياكل التنظيم وليس بوسائل الإعلام.
وأورد السلطاني في بيانه: "إننا نهيب بكل مناضل غيور على وطنه أن يقرأ التحولات الجارية حولنا قراءة مسؤولة ليدرك أن السياسة ليست أبيض وأسود، والرأي المخالف ليس خيانة، فالتخوين عنف لفظي وتحريض على الكراهية وشحن ضد الاحتكام الديمقراطي للصندوق، وكل ذلك مناف لقواعد اللعبة الديمقراطية والدفاع عن الحريات".
وفهم من تصريح السلطاني أن قيادة الحركة التي تحولت إلى خصم عنيد، اتهمته بالتحرك بإيعاز من السلطة، كما قدمت قراءات أن الرجل يريد إعادة إرسال خيوط التطبيع مع السلطة كما كان وهو على رأس حركة مجتمع السلم قبل ثلاث سنوات.
ويخشى السلطاني أن تفقد الحركة ما تبقى لها من مقاعد بالبرلمان الجزائري، بالانتخابات النيابية المقبلة، وقال: "سبق لنا أن تقدمنا بمقاربة سياسية لاستدراك الوضع داخل أُطر الحركة، كان لي فضل صياغتها بعد مشاورات واسعة لتأمين مسار الحركة ودورها الوطني".