أكد عدد من
الحقوقيين وممثلي منظمات المجتمع المدني في الأردن أن التعذيب وإساءة المعاملة والعديد من أشكال انتهاكات حقوق الانسان لا تزال مستمرة في السجون ومراكز التوقيف الأردنية، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة أن تؤكد بأن ما تشهده البلاد ليس سوى "ممارسات فردية عابرة وليس سياسات ممنهجة".
ورآى رئيس مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان الأردني، المحامي عاصم ربابعة أن "إرادة الأردن بمناهضة التعذيب في مراكز التوقيف والإصلاح ما زالت ضعيفة، وأن المملكة ما زالت تحبو بأول الطريق في مجال حقوق الإنسان، عبر ما تعتمد من منظومة قانونية".
جاءت أقوال ربابعة هذه، بعد مناقشة لجنة
مناهضة التعذيب في
الأمم المتحدة، لتقرير الأردن الثالث في إطار اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي ستظهر نتائجه خلال النصف الأول من الشهر الجاري.
وكان قصر ويلسون في مدينة جنيف، شهد نهاية الشهر الماضي، مناقشة تقرير الأردن الثالث المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، من قبل وفد رسمي، إضافة إلى مجموعة من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني برئاسة السفير وصفي عياد مدير إدارة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأردنية.
وقال ربابعة في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "لقد قدمت منظمات ومؤسسات المجتمع المدني التي شاركت في الوفد الأردني، 4 تقارير حول حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب في الأردن، هدفت كلها إلى مساعدة الحكومة في الكشف وتبيان الخطأ في المنظومة القانونية المحلية، إضافة إلى أنها عكست رؤية هذه المنظمات والمؤسسات تجاه السلوك الحكومي في ميدان حقوق الإنسان".
وأكد ربابعة في ختام حديثه لـ"عربي21" أن "التزام الأردن باتفاقيات حقوق الإنسان الدولية، عبر ما يترجمه على أرض الواقع مع مواطنيه ما زال ضعيفا، إذ لا أدلة قوية على وفاء الأردن بهذه الالتزامات أو ترجمتها بشكل صحيح".
والأردن إحدى الدول البالغ عددها 158 دولة التي صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وبالتالي يلزم أن يخضع سجلها لأعمال فحص منتظمة أمام اللجنة المؤلفة من 10 خبراء مستقلين.
الى ذلك، ناقشت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة مع الوفد الأردني مسائل عدة كان من أهمها الاحتجاز الإداري والتعسفي، والتحقيقات الفورية والنزيهة والفعالة في ادعاءات التعذيب والعنف العائلي، واستخدام الأمن للقوة والعنف في تفريق المظاهرات،
من ناحيتها، اعتبرت مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية، ليندا كلش، التي شاركت في الوفد الأردني إلى الأمم المتحدة، في حديث لـ"عربي21" أن "ما قدمته الحكومة من إجابات وردود في مناقشة التقرير الذي تم تقديمه للجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، كانت عبارة عن ردود وإجابات رمادية لم تكن واضحة أو مباشرة".
يذكر أن لجنة مناهضة التعذيب في جنيف كانت طلبت من الحكومة نتائج التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بدعوى استخدام ضباط مديرية الأمن العام للقوة المفرطة في 15 تموز/ يوليو 2011 خلال مظاهرة ساحة النخيل في عمان، إضافة إلى عدد من الادعاءات بشأن انتشار ممارسة التعذيب الروتيني وسوء المعاملة للمحتجزين في مرافق الاحتجاز، بما في ذلك المرافق الخاضعة لمديرية المخابرات العامة وإدارة التحقيقات الجنائية.
بدوره، اعتبر المدير التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور أن "الحكومة قدمت تقريرا فيه الكثير من التغني والقليل من الحقائق، واعتمدت إجاباتها عن أسئلة اللجنة على سرد إنجازات غير واقعية أحيانا، والسعي للتهرب من الاعتراف بالتقصير ووقوع الأخطاء".
وقال منصور الذي كان من المشاركين في الوفد الأردني، ضمن مؤسسات المجتمع المدني لـ"عربي21": "شاركتُ في هذا الاجتماع ممثلا لمركز حماية وحرية الصحفيين، وعضوا في التحالف المدني الأردني لمناهضة التعذيب، وقدمنا تقرير ظل عن الانتهاكات التي تقع على الإعلاميين، والتي نعتبرها معاملة مهينة ولا إنسانية وترتقي للتعذيب".
ولخص منصور ما تم تقديمه أمام اللجنة من قبل الحكومة بقوله: "ملخص ما تقوله الحكومة يتركز على أنه لا يوجد سياسة للإفلات من العقاب في الأردن، وأن أي خروقات لحقوق الإنسان فردية وليست ممنهجة، ولكن في المقابل هناك الكثير من الملاحظات التي طرحت، والانتقادات التي قيلت، والأسئلة التي لم تقدم إجابات شافية ومقنعة عنها من قبل الحكومة".
وأشار منصور في نهاية حديثه لـ"عربي21" إلى أن "الهدف من التقرير الذي قدمه المركز هو مساعدة كل من لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة والحكومة الأردنية للانخراط في حوار مفتوح ومثمر يهدف إلى تحسين التزام الأردن بنص وروح الاتفاقية، إضافة إلى حث الحكومة الأردنية على المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب".
لكن مستشار رئاسة الوزراء لحقوق الإنسان باسل الطراونة، أكد أن "الحكومة ماضية في الالتزام الحكومي بدعم منظومة حقوق الإنسان"، مشددا أن "الحكومة جادة في صيانة حقوق الإنسان".
وقال الطراونة في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "إن رئيس الوزراء عبدالله النسور أصدر 11 تعميما لمختلف الجهات من أجل دعم التحرك الجدي للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان"، لافتا إلى أنه على إثر اجتماع الوفد الأردني مع لجنة مناهضة التعذيب في جنيف، سيقوم الأردن باختيار عدد من التوصيات التي يوافق على مراجعة إجراءاته، ويعلن التزامه بتنفيذها، وله أن يتحفظ أو يرفض التوصيات التي لا يوافق عليها".
وشدد الطراونة أن "الأردن عبر التزامه بتقديم تقريره في الموعد المحدد وحضوره لجلسات المراجعة الأممية، مؤشر على رغبته في تطوير إجراءاته وتشريعاته في سياق مناهضة التعذيب".