حينما صدر قانون
الإرهاب في
العراق عام 2005 بررت السلطة الحاكمة آنذاك بأن العراق يمر بمرحلة صعبة، ويعاني من أعمال العنف. لكن نحو عشر سنوات من إصداره، بات الآلاف من المحكومين بموجبه ينتظرون أحكام الإعدام في السجون، وهو ما شكل مادة للجدل السياسي في العراق.
وصدر القانون الذي يحمل الرقم 13؛ عن الجمعية الوطنية العراقية، ووقعه كل من الرئيسين السابقين جلال الطالباني وغازي عجيل الياور، إضافة إلى عادل عبد المهدي وزير النفط الحالي. ويضم القانون ست مواد تتعلق بالإرهاب، من بينها المادة الرابعة التي يدور حولها جدل سياسي في العراق حاليا.
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، حامد المطلك، لـ"عربي21" إن المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب استغلت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، من سياسيين متنفذين في الدولة، بمساعدة قيادات أمنية".
وأكد المطلك، وهو نائب عن جبهة الحوار الوطني، أن المادة لمشار إليها "ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء، حيث كان هنالك ضباط في الجيش والشرطة لديهم أوامر قضائية جاهزة، ويقومون فقط بإدخال أي اسم يشاؤون في انتهاك واضح لحقوق الإنسان، وابتزاز للمواطنين في المعتقلات".
وتابع المطلك أن هذه الحالات توقفت نوعا ما بسبب الفضائح التي تلتها، بعدما تم كشفها من بعض الكتل السياسية، وأعقب ذلك تظاهرات حاشدة في خمس محافظات طالبت بإلغائها.
لكن رغم ذلك، فإن آثار هذه المادة "لا تزال موجودة، بسبب أن أغلب الموقوفين حسب هذه المادة، لا يزالون يقبعون في السجون وينتظرون محاكمتهم، فيما حُكم آخرون بالمادة نفسها وهم أبرياء". ويتلقى المحكومون عادة بموجب هذه المادة أحكاما بالإعدام.
ويؤكد القيادي في التحالف الكردستاني، شوان محمد طه، لـ"عربي21"، أن بقاء هذه المادة دون تعديل سيضع الكتل السياسية مرة أخرى في خلاف عميق، خاصة أنها تمس شرائح كبيرة من المواطنين.
وشدد طه على أن على البرلمان أن يقوم بتعديل قانون
العقوبات أو تشريع قانون جديد، لأن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، يحتوي على نصوص قانونية تغني عن العمل بقانون مكافحة الإرهاب الحالي.
لكن يبدو الأمر مختلفا عند كتل أخرى، على رأسها التحالف الوطني الشيعي، فهو يجد "المادة 4 إرهاب" السبيل الوحيد للقضاء على الإرهاب وضمان عدم عودته.
ويقول رئيس كتلة الأحرار البرلمانية، ضياء الأسدي، إن "المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب جاءت ضمن قانون، وليس لشخص أن يلغيها أو يعدلها إلا ضمن السياقات القانونية والدستورية المعتمدة في مجلس النواب، ولا يكون ذلك إلا بإرادة البرلمان؛ لأن الإرهاب في العراق يحتاج إلى معالجة قانونية"، حسب قوله.
ويرى الأسدي في حديث لـ"عربي21"؛ أن إلغاء القانون "يعني إطلاق سراح كل من يقتل ويفخخ ويؤوي ويمول ويستورد ويدعم الإرهاب"، مضيفا: "إننا بإلغاء هذه المادة نتيح الفرصة للإرهابيين بتنفيذ مخططاتهم وحصد أرواح الأبرياء، وبالتالي انهيار الواقع الأمني في البلاد والمجتمع" وفق قوله.
إلى ذلك، يرى النائب عن ائتلاف دولة القانون (شيعي)، كامل الزيدي، وهو عضو في اللجنة القانونية البرلمانية، أن المناكفات السياسية حول هذا القانون قد عطلت تنفيذ أحكام الإعدام لنحو سبعة آلاف مدان، وفق هذه المادة، ولا يزالون في السجون.
وتشير إحصائيات وزارة العدل، الجهة المشرفة على تنفيذ أحكام الإعدام، إلا أن عدد الأحكام النهائية التي ثبتها مجلس القضاء الأعلى لا يتجاوز 750 حكما بالإعدام. وهناك نحو 400 حكم بالإعدام لا يزال في المحاكم ولم يتم رفعه لمجلس القضاء الأعلى ليصبح حكما نهائيا، فيما هناك نحو 3000 شخص ينتظرون المحاكمة. لكن التحالف الشيعي يرى أن كل المعتقلين تحت "المادة 4 إرهاب" محكومون بالإعدام بشكل تلقائي.
ويضيف الزيدي لـ"عربي21"، أن بقاء المدانين بالإرهاب وفق هذا القانون دون محاكمة، وأغلبها قد تنتهي بالإعدام؛ فيه مخالفة قانونية ويضع علامات استفهام حول من يريد إبقاءهم، أو من يريد المراهنة بهم، أو ربما من أجل تمرير قوانين ومصالح سياسية تخدم أجنداتهم، كما يقول.
ويبين الخبير في الشؤون القانونية شوكت رحيمة؛ لـ"عربي21"، أن قانون مكافحة الإرهاب، وبقدر ما يتضمن نصوصا تجرم أفعالا بالغة الجسامة وتعاقب جناة شديدي الخطورة، ينبغي أن يتضمن أيضا من النصوص ما يكفل طمأنة الرأي العام والمثقفين وأصحاب الرأي، من أنه لن تكون هناك وسيلة للتضييق عليهم أو لمصادرة حقوقهم.
كما أن القانون، حسب رحيمة، "كان يجب أن يتضمن إشارة ولو بسيطة إلى التوازن المطلوب بين أمن المجتمع وحماية الحقوق والحريات، كأن يكون عنوانه قانون "الأمن والحرية" كما هو القانون الفرنسي، وكان يجب أن يتضمن مادة استهلالية تفيد بأنه لن يترتب علي تطبيق أحكامه الإخلال بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، على النحو الوارد في الدستور والتشريعات الأخرى ذات الصلة".
وتعد المادة الرابعة من قانون الإرهاب العراقي الأكثر رواجا واستخداما في القضاء العراقي، وتحتوي على بندين أطلق عليهما "العقوبات".
البند الأول يعاقب بالإعدام كل من ارتكب بصفتِه فاعلا أصليا أو شريكا في الأعمال الإرهابية، ويعاقب المُحرض والمُخطط والمُمول وكل من مَكن الإرهابيين من القيام بالجريمة كفاعل أصلي.
أما البند الثاني فينص على العقاب بالسجن المؤبد على كل من أخفى عن عمد أي عمل إجرامي، أو تستر على شخص إرهابي.
ويرفض الرئيس العراقي فؤاد معصوم التوقيع على أحكام الإعدام، ما دفع الحكومة لتمرير مشروع لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، بحيث تنفذ الأحكام دون توقيع الرئيس بمرور شهر على صدورها، وهو ما رآه سياسيون بأنه مخالف للدستور.