قضايا وآراء

إذن.. لماذا غاب بشار الأسد عن قمم العرب السابقة؟!

محمود عثمان
واس
واس
اختتمت قمة العرب الرسمية الثانية والثلاثون أعمالها في مدينة جدة السعودية بحضور رؤساء وملوك وأمراء عدة دول عربية، من بينهم رئيس النظام السوري بشار الأسد لأول مرة منذ 2010، وبمشاركة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.

وتم الإعلان عن اعتماد القرارات الصادرة عن القمة، ومشروع جدول الأعمال و"إعلان جدة"، وصدر بيان مشترك مؤلف من 105 صفحات، تناول جميع القضايا التي تحوز اهتمام الأمة العربية دون استثناء.

ظروف انعقاد القمة العربية

انعقدت القمة العربية، في ظروف استثنائية بالغة التعقيد، يمر بها العالم والشرق الأوسط، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، من أزمات وحروب وصراعات إقليمية ودولية، حيث تتزاحم الملفات الشائكة في الوطن العربي، بدءاً من الأزمة السورية، التي دخلت نفقا مظلما بعد أن استعصت جميع الحلول السياسية والعسكرية، ثم تفجر الصراع في السودان، واستمرار حالة عدم الاستقرار التي تشهدها ليبيا، والتوتر الذي يسود العلاقات الجزائرية- المغربية، والنزاعات حول الصحراء الكبرى، إضافة إلى الملف اليمني المعقد الشائك.

وقد شهدت هذه الدورة منح النظام السوري مقعد سورية في الجامعة العربية، وحضور رئيسه بشار الأسد بناء على دعوة رسمية، بالرغم من تصاعد قضية اللاجئين السوريين في لبنان، واستمرار المعاناة الإنسانية لدى عموم السوريين، الذين بات أكثر من 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، وبحاجة إلى المعونات الإنسانية الأممية.

الأمن القومي العربي المشترك

ارتبط مفهوم الأمن القومي العربي بشكل أساسي بالصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته، وتمحور حول المفهوم التقليدي للأمن، الذي يركز على الجانب العسكري والاستراتيجي، والذي يؤكد على ضرورة درء الخطر الصهيوني على المنطقة العربية. حتى إن الخلافات بين الدول العربية مع حدتها، لم تكن تتجاوز في تداعياتها التوتر السياسي الذي يحصل اليوم، إذ كانت تتضاءل أهميتها أمام تطورات الصراع العربي الإسرائيلي، كالإجماع العربي في قمة الخرطوم ذات اللاءات الثلاث في آب/ أغسطس 1967م.   

تدريجياً، ومنذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي، تجسّد زمن النكوص والردة العربيين، نظراً لجسامة الخلافات العربية، وحالة الوهن التي بدت تظهر بشكل أكبر على الجسد السياسي العربي، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة، وما أفرزته من تغيرات بنيوية في النظام الدولي.

وقد تسبب الاحتلال الأمريكي للعراق، في إحداث فراغ استراتيجي مقصود ومتعمد، سرعان ما بادرت إيران، صاحبة المشروع القومي الديني التوسعي، إلى الاستفادة منه وملئه، فتمكنت خلال فترة وجيزة من السيطرة على أربع عواصم عربية، بينما كانت الأنظمة العربية وجامعتها، وقراراتها المتعلقة بمفهومي الأمن القومي العربي المشترك والدفاع العربي المشترك، في حالة شلل تام، تكتفي بمتابعة المشهد من بعيد دون أن يكون لها أي دور واضح فعال.

كسابقاتها، أكدت القمة العربية في جدة على أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للأمة العربية، مع أن قسما كبيراً من أعضائها إما أنه طبّع مع إسرائيل أو في طريقه إلى التطبيع!..

تحدث البيان الختامي للقمة العربية في جدة، عن ضرورة حماية حقوق الدول العربية (مصر والسودان) في مياه النيل، بينما هناك دول عربية داخل القاعة تدعم إثيوبيا في بناء سدها واحتجاز مياه النيل، على حساب إخوانها العرب!..

وبينما كان رئيس الوفد السوداني يتحدث في القمة العربية، عن معركة الكرامة ضد قوات التمرد، معبّراً عن اطمئنانه بتجاوز هذه المحنة، وأن القوات المسلحة السودانية قادرة على هزيمة التمرد، كان من ضمن الحضور دول تدعم ذلك التمرد!..

قمة جدة العربية والقضية السورية

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الدول العربية حسمت قرارها بخصوص التمثيل السياسي للشعب السوري، فمنحته لبشار الأسد ونظامه، وبالتالي فإن ما سيصدر من قرارات عن الجامعة والدول العربية، بخصوص المساعدات وإعادة الإعمار، وغيرها مما يخص الشأن السوري، سيكون مخاطبها الأسد ونظامه.

تحت بند "تطورات الوضع في سوريا" تناولت القمة العربية المسألة السورية (من صفحة 44 حتى 46) واتخذت مجموعة من القرارات. ركزت القمة العربية على الجانب الإنساني الإغائي فقط، مشيرة إلى المؤتمرات والقرارات الدولية، بخصوص المساعدات الإنسانية للشعب السوري، دون التطرق للقرارات الأممية المتعلقة بالانتقال السياسي في سوريا، ما عدا الإشارة العَرَضية إلى القرار 2254 من قبيل أخذه بعين الاعتبار من طرف لجنة الاتصال العربية، المكوّنة من مصر والأردن والسعودية ولبنان والعراق والأمين العام للجامعة العربية. وحتى لو اعتبرنا أن هذه الإشارة تتضمن جانبا سياسياً، فإن عددا من أعضاء لجنة الاتصال يتلقون تعليماتهم من طهران مباشرة، وبالتالي لن تكون اللجنة قادرة على اتخاذ قرار سياسي إلا من خلال الأجندة الإيرانية.

إذا كانت الجامعة العربية غير معنية بالجانب السياسي من الأزمة السورية، وتعتبر وجود نظام الأسد إضافة نوعية، ويخدم مصالحها..

وإذا كانت الجامعة تنظر إلى القضية السورية على أنها أزمة إنسانية فقط، وترى أن التعاون مع نظام الأسد كفيل بحلها..

وإذا كانت الجامعة لا تدري أن مناطق سيطرة نظام الأسد، قد تحولت إلى أكبر مصدر للمخدرات وحبوب الكبتاغون، ولا ترى أن أركان النظام هم من يحمون مصانعها، وهم المتاجرون بها..

وإذا كانت الجامعة العربية لا ترى بأساً في جلوس بشار الأسد في الحضن الإيراني، وقالها بلسانه أثناء خطابه بالقمة، وتكتفي منه بانتمائه اللفظي..

وإذا كانت الجامعة العربية تعلم علم اليقين، أن نظام الأسد لن يلتزم بحرف واحد مما ورد في قراراتها..

وإذا كانت الجامعة العربية تعلم علم اليقين، أن بشار الأسد جاء ليأخذ ويفرض الشروط، لا ليعطي ويقدم التنازلات..

فلماذا علّقت عضويته ومنعته/ حرمته من حضور اجتماعات قممها السابقة؟!..

ما الفرق بين ظروف فصل نظام الأسد من الجامعة العربية وظروف إعادته؟

عندما اتخذت الجامعة العربية قرارها بتعليق عضوية النظام السوري، وسحبت الدول العربية سفراءها من دمشق، وفرضت عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، على خلفية قمع النظام للاحتجاجات والمظاهرات التي عمّت البلاد عام 2011، لم يكن بشار الأسد قد ارتكب هذا القدر من الجرائم الوحشية ضد شعبه، ولم يكن قد استخدم السلاح الكيماوي، ولم تكن علاقته بإيران علاقة ارتهان مصيري، ولم يكن حزب الله اللبناني قد دخل سوريا بجيش تعداده عشرات الآلاف من المقاتلين، ولم تكن المليشيات الإيرانية قد احتلت مساحات كبيرة من سوري، ولم تكن مدينة حلب العريقة تحت السيطرة الإيرانية التامة، ولم تكن مزارع الحشيش قد انتشرت، ولا مصانع الكبتاغون قد أُسست، ولم تكن قرارات الأمم المتحدة 2118 و2254 وغيرها قد صدرت، ولم يكن قانون قيصر ولا قانون الكبتاغون في الكونجرس الأمريكي قد اعتمد. رغم ذلك رأت الجامعة أن الواجب الإنساني يفرض عليها استبعاد هذا النظام، الذي ارتكب بحق شعبه جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية، قلّ نظيرها في التاريخ البشري.

ما الذي تغير مما ذُكر أعلاه حتى تقوم الجامعة العربية، برد الاعتبار لهذا النظام؟!..

وهل رد رأس النظام على التحية بمثلها؟!..

أم أنه وقف مزهوّاً يخاطب أمة الضاد بفوقية وعنجهية، متباهيا بعلاقة الأحضان التي تربطه بإيران؟!..

بعيداً عن الكلام الإنشائي، هل بمقدور أحد أن يفسر للمواطن العربي، ما هي الأهداف التي تحققت، أو الفائدة المرجوّة من حضور بشار الأسد قمة جدة!.. سوى أن الجامعة العربية قررت كتابة وفاتها بنفسها، ليس رسميا، بل في العرب وضمائر السوريين؟..
التعليقات (0)