مقالات مختارة

أحزاب السلطة الطائفية تفوز في الانتخابات اللبنانية رغم حراك تشرين!

وائل عصام
1300x600
1300x600

من تابع مظاهرات تشرين في لبنان وما رافقها مما بدا أنه إجماع شعبي على رفض أحزاب السلطة وزعماء الطوائف، لاعتقد ربما أن هذه القوى الطائفية التقليدية فقدت التأييد بين اللبنانيين، وأن شرعيتها الجماهيرية انتهت، إلا من بعض المستفيدين والطائفيين، واذا بالانتخابات اللبنانية تُظهر من جديد أن هذه الأحزاب التي تحكم منذ عقود، حصلوا على الأغلبية الساحقة من أصوات اللبنانيين، بينما حصلت قوائم التغيير المعارضة لأحزاب السلطة، التي تجاوزت 50 قائمة، على نحو 13 مقعدا من 128 مقعدا، بنسبة 10% من أصوات اللبنانيين.


التقديرات الخاطئة لمدى قوة تيارات التغيير في لبنان كما في العراق، تشكلت بسبب الدعاية والتسييس أكثر من المعلومات والمعرفة، تحولت الدعوة لإسقاط أحزاب السلطة، رغم أنها ظلت منتخبة لسنوات، في العراق كما لبنان، إلى “ترند” مهيمن على فضاء الإعلام ووسائل التواصل، وأخذ كل طرف في تيار المعارضة يصف نفسه بأنه “الشعب”، وهي من سمات اللغة الإعلامية للأنظمة المستبدة، التي تلجأ لاحتكار تمثيل الشعب وإنكار الاختلافات داخل المجتمع، ولكن يبدو أنها أثرت في خطاب حركات التغيير التي تعارضها، وهنا يجب أن ننبه لجانب مهم، وهو أن أغلب “الشعب” معارض بالفعل وجاد وصادق في معارضته لفساد السلطة، ولكن دوافعه مختلفة وأهدافه التي يريد تحقيقها متباينة، بمعنى أن التظاهر ضد الفساد والفقر وسوء إدارة أحزاب السلطة، هي قضايا جامعة، يتفق عليها أغلب الناس، لكن هذه القضايا المعيشية والمطالب الخدمية ليست أقوى من شعور الهوية والانتماء لجماعة ما، خاصة في بلدان منقسمة مذهبيا، عانت ويلات الحروب الطائفية، فالناس في المشرق العربي تفضل إبقاء السلطة بيد القادر على حمايتها وإذكاء هويتها والانتصار لها، وإن كانوا فاسدين لصوصا، ولعل الأمر يشابه هنا ما قاله علي الوردي عالم الاجتماع العراقي عن الانفصام العربي بأنه لو حصلت انتخابات لصوت الناس الى الدولة الإسلامية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية.


اريد بداية التأكيد على أن وجهة نظري وقناعاتي الخاصة تؤيد بقوة التيار المدني، وقيمه، ولكن تأييد فكرة ما شيء، وتوصيف الواقع شيء آخر تماما، وتحقيق أهداف فكرة ما يستلزم مواجهة أمراض مجتمعاتنا بشكل موضوعي للتمكن من علاجها وليس تكرار الأوهام والافتراضات المستقاة من بيئة مصطنعة يخلقها البعض من حوله ويظن أنها “الشعب”، ليعيش واقعا افتراضيا مفصولا، وهنا من المؤسف القول إنه ليست كل القوى المدنية والعلمانية مدنية حقا وعلمانية حقا، بل بعضها يمثل جسرا تعبر عليه قوى وأنظمة عربية أكثر فسادا واستبدادا ورجعية، لكنها تعتقد أن المال يمكن أن يشتري النفوذ، إضافة لسذاجة الكثير من قادتها وعدم إلمامهم لأبجديات العمل السياسي وطبيعة المجتمعات التي يعملون فيها وتاريخ صراعاتها ودور الهوية في تشكيل دوافعهم، مع أنها على الصعيد التنظيمي فاشلة تماما، يقول ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأمريكي عن المعارضة اللبنانية: “المعارضة منقسمة بصورة مريعة، وتمتلئ بالقادة النرجسيين والشخصانيين، وهم مهتمون أكثر بأن يتزعّموا أحزابهم، على أن يتوحّدوا لإطاحة النخبة الفاسدة”. محاولة إخفاء الاختلافات الكبيرة بين جمهور القوى المعارضة لأحزاب السلطة، كان متعذرا منذ البداية لمن يملك اطلاعا عميقا بمعنى الهوية وفهمه لطبيعة تفاعل المجتمعات المنقسمة مع الأحداث، فكل الشعب بلا شك معارض للفساد ولممارسات السلطة، لكن العامل المشترك الذي يجمع “الشعب” هنا هو مطالب معيشية وخدماتية مكانها المظاهرات، ولا تتعلق بالضرورة بشأن سياسي هوياتي يظهر ويمتحن في الانتخابات.

 

ونعود لنطرح أمثلة على أن دوافع أطياف الشعب في الدعوة للتغيير ومعارضة فساد السلطة مختلفة وأهدافها متباينة، وكيف أن الاختلاف سيقود حتما للصدام والتشظي في أول مناسبة، كما حصل في أول استحقاق للاستفتاء على رأي “الشعب”، فمثلا مناصرو حزب الله كانوا من أوائل المتظاهرين ضد الفساد، وما زلت أذكر أحدهم يقول “أول دولاب احترق في مظاهرات تشرين كان بالضاحية الجنوبية”، لكن هذا الجمهور الشيعي اصطدم مع المتظاهرين المعارضين لحزب الله أصحاب شعار “كلن يعني كلن نصر الله واحد منن”، وتحولت أحياء الشيعة القريبة من ساحة الشهداء مركز حراك تشرين، كزقاق البلاط والخندق الغميق، إلى معقل لمتظاهرين معارضين لتشرين، يفصل بينهم الجيش، وكان من الواضح أن الانقسام بين أحزاب السلطة نفسها بات ممثلا في الشارع، وأن النزاعات بين جماهير أحزاب السلطة، هو أحد الدوافع والمحركات التي استثمرت مطالب الناس المعيشية، فتجد في ساحة الشهداء أنصار القوات اللبنانية المعارضين للعونيين، وشبابا سنيا مشحونا يهاجم رئاسة البرلمان، لأنه بنظرهم يمثل رمزية موقع شيعي هو نبيه بري، وطبعا هناك وجود لأنصار التيار المدني البعيد عن الاعتبارات الطائفية، لكنه ضعيف التمثيل اجتماعيا، هذا ما لمسته بشكل جلي خلال حضوري عدداً من تلك المظاهرات، خصوصا في أوجها، بعد انفجار مرفأ بيروت.

 

الخسارة الأبرز لحراك تشرين كانت على ما يبدو في المجتمع الشيعي حيث معاقل حزب الله وأمل (الثنائي الشيعي)، حيث حصلت “أحزاب السلطة” على كامل المقاعد الشيعية الـ 28، مع ثلاثة مقاعد إضافية لهم من المستقلين ومنهم زعيم سني محلي في صيدا حليف لحزب الله كونه يمثل بنظره “تيار مقاوم”، هو أسامة معروف سعد ابن الزعيم اللبناني القومي العربي معروف سعد، ولم تكن خسارة “قوى التغيير” مفاجأة لمن يدرك تأثير الهوية على ما دونها في المجتمعات المنقسمة، فالشيعة كغيرهم من اللبنانيين مستاؤون من فساد السلطة، بل وكثير منهم لديه انتقادات حادة ضد حزب الله وأمل، لكن هذه تبقى خلافات البيت الواحد، غالبا ما تصبح ثانوية في استحقاق يمس موقع الطائفة الشيعية في مشرق محتقن مذهبيا، إذ تغلب هنا هوية المذهب ورمزية الانتماء لجماعة على قضايا معيشية مثل الفساد، وكان هذا المشهد واضحا منذ فترة، لأن تيارات التغيير والمدنية لم تكن قادرة على إحداث خرق حقيقي داخل المجتمع الشيعي في أوج الاحتجاجات.

 

وحتى الناشطون المدنيون من الشيعة كانوا غير قادرين على لتغيير في توجهات عائلاتهم هم أنفسهم قبل اللبنانيين، مثلا هناك ناشطة بارزة في الحراك كانت تندد بـ”زعران حركة أمل” الذين هاجموا خيم المعتصمين في ساحة الشهداء، ولكن الكثير من أبناء عمومتها وأقاربها في جنوب لبنان هم أعضاء في حركة أمل! وكثيرا ما سألت الشباب الشيعة المؤيدين للحراك من التيار المدني في بيروت عن مدى قدرتهم على التأثير في قراهم القادمين منها من الجنوب، فأجابوا بصراحة إنهم يبقون أقلية أمام مؤيدي حزب الله، ولا يتعلق الأمر فقط بالدعم المالي الذي يقدمه الحزب أو شبكات الرعاية، فهذا العامل يلعب دورا فقط بين الأحزاب المتنافسة من الطائفة نفسها، كما كان الحال بين زعماء السنة المتنافسين في طرابلس، ميقاتي والصفدي والحريري، لكن أيا من الجمهور السني الفقير لم تجتذبه أموال حزب الله وكذلك العكس في الجمهور الشيعي الذي لم يحصل الحريري يوما على موطئ قدم له فيه رغم الملاءة المالية الهائلة التي كان يتمتع بها ومؤسسات الخدمات الاجتماعية التي أنفقت مليارات على علاج وإيفاد الآلاف من اللبنانيين.


ولنستمع هنا إلى بشار حيدر الذي كان يتحدث في الندوة نفسها التي جمعته مع مساعد وزير الخارجية الامريكي السابق ديفيد شينكر: “وفيما يتعلق بنظرة الشعب إلى حزب الله، أصبحت قضية مقاومة إسرائيل بالدرجة الثانية، ولا تُعتبر الخدمات الاجتماعية للحزب مهمةً للدعم الشيعي بقدر ما يظنّه الناس.

 

ولا يزال الكثير من الشيعة يعتمدون على الدولة حتى لو كانوا يتلقون الخدمات من حزب الله، لذلك فإن تقديم خدمات بديلة قد لا يحظى بدعم كبير من الحزب.

 

وتبقى الحقيقة أن العديد من الشيعة يدعمون حزب الله لأنه يقوّي مجتمعهم داخل الدولة ويمنحهم امتيازات لا يتمتع بها الآخرون. وعلى الرغم من أنهم لا يتماهون بالضرورة مع الجانب الإيراني من هويةحزب الله، إلا أنهم ما زالوا يتمتعون بالقوة التي تمنحهم إياها”.

 

(القدس العربي اللندنية)

0
التعليقات (0)