صحافة دولية

"إنترسبت": قنابل أمريكية دمرت مشاريع مولتها واشنطن بغزة

لا تخضع "إسرائيل" لأي تفتيش لضمان عدم استخدام أسلحة أمريكية في ارتكاب جرائم حرب أو تدمير مشاريع تمولها واشنطن- عربي21
لا تخضع "إسرائيل" لأي تفتيش لضمان عدم استخدام أسلحة أمريكية في ارتكاب جرائم حرب أو تدمير مشاريع تمولها واشنطن- عربي21

نشر موقع "ذي إنترسبت" مقالا للصحفي الاستقصائي دانيال بوغسلو قال فيه إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم مئات القنابل والصواريخ والقذائف في شهر أيار/ مايو الماضي، خلال هجوم على قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 240 فلسطينيا وإصابة أكثر من 1900 آخرين.

أكثر من نصف الشهداء كانوا من المدنيين، وفقا لمركز مئير عميت للمعلومات حول المخابرات والإرهاب، على الرغم من المزاعم الإسرائيلية بأنها تستهدف فقط مقاتلين من حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى.

في نهاية الهجوم الذي استمر 11 يوما، نزح عشرات الآلاف من سكان غزة من منازلهم المتضررة، وهم يعانون أصلا في منطقة بها معدل بطالة بنسبة 50%، ومياه سامة، وبنية تحتية متداعية. ولحقت أضرار بآلاف الوحدات السكنية ومئات المدارس و 19 مرفقا للرعاية الصحية.

ومما زاد من أثر الخسائر على المدنيين الفلسطينيين، استخدام الأسلحة التي صنعتها ومولتها الولايات المتحدة لتدمير المشاريع والشركات الإنسانية الأمريكية.

وبحسب الوثائق والتقارير التي استعرضها موقع "إنترسبت" فقد وصل الدمار إلى العديد من المستشفيات ومنشآت معالجة المياه المدعومة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والعشرات من المدارس التي تديرها وكالة الأنروا التي تعتبر واشنطن من مموليها، ومصنع كوكا كولا الذي بناه مواطن أمريكي.

وقال رائد جرار، المدير في منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (DAWN)، لموقع "إنترسبت": "الغالبية العظمى من الذخيرة التي تستخدمها إسرائيل تصنعها الولايات المتحدة أو تدعمها.. من العدل أن نقول إن كل ذخيرة إسرائيلية مدعومة بطريقة أو بأخرى، بدولارات الضرائب الأمريكية".

وتعاني غزة من فقر كبير بسبب الحصار الإسرائيلي الذي دام عقدا ونصف العقد، وتعتمد بشدة على المساعدات الخارجية لتجنب أسوأ الكوارث الإنسانية. وجددت وزارة الخارجية الأمريكية للتو التزامها بالتمويل المتأخر للأونروا، حيث ساهمت بمبلغ 150 مليون دولار لدعم أكثر من نصف مليون فلسطيني بالمدارس ومرافق الرعاية الصحية. ووفقا للوثائق التي تم جمعها من الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية وجماعات حقوق الإنسان، فقد تضررت أكثر من 100 منشأة تابعة للأونروا في غزة في حملة القصف التي استمرت 11 يوما في أيار/ مايو 2021، ما تطلب أكثر من مليون دولار كإصلاحات. وتعرضت عشرات المدارس الأخرى التي تديرها السلطة الفلسطينية لأضرار مماثلة.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها أسلحة ممولة من الولايات المتحدة لتدمير مشاريع إغاثية تدعمها الولايات المتحدة. ففي عام 2014، خلال هجوم إسرائيلي سابق على غزة، استهدف صاروخ هيلفاير الذي تصنعه الولايات المتحدة مدرسة تابعة للأونروا، ما أسفر عن مقتل 10 مدنيين. قوبلت المذبحة بإدانة واسعة النطاق، حتى إنها جلبت توبيخا نادرا من إدارة أوباما، ووصفها سكرتيرها الصحفي بأنها "لا يمكن الدفاع عنها أبدا". ما بقي غير معلن آنذاك هو حقيقة أن الصاروخ والمدرسة تم تمويلهما من قبل الحكومة الأمريكية.

لم تكن وزارة الخارجية الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي دعمت أموالها مشاريع إغاثية دمرتها الأسلحة الأمريكية. وتظهر الوثائق والتقارير الإخبارية التي راجعها موقع "إنترسبت" أن أكثر من عشرة مصانع في المنطقة الصناعية في شرق غزة، تم بناؤها بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إلى جانب العديد من المشاريع الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتوفير المياه والنظافة والصرف الصحي، التي قد تعرضت للقصف أيضا.

في خان يونس ورفح وبيت لاهيا، تم تدمير البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي وخزانات المياه التي أنفقت الحكومة الأمريكية الملايين على بنائها، بسبب الهجمات الجوية وهو ما أثر على أكثر من 300 ألف مدني. كما أن 97% من المياه في غزة ملوثة، ما أدى إلى أزمة صحية عامة واسعة النطاق، تفاقمت بسبب تدمير البنية التحتية للمياه التي تمولها الولايات المتحدة.

وقال مايكل لينك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية: "أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي والوفيات والمعاناة التي ترافقه، هو الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي الاستثنائي الذي تقدمه الولايات المتحدة له إلى حد كبير دون شروط.. يتم تقديم هذه المساعدة العسكرية الأمريكية، على الرغم من حقيقة أن قوانين الكونغرس التي تحكم صادرات الأسلحة الأمريكية تنص على أن البلدان المتلقية لا يمكن أن تشارك في أنماط ثابتة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".

وفي حين أن إسرائيل هي أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية، فإنها لا تخضع فعليا لأي عمليات تفتيش لضمان عدم استخدام الأسلحة الأمريكية لارتكاب جرائم حرب أو تدمير المشاريع التي تمولها الولايات المتحدة أو إتلاف ممتلكات المواطنين الأمريكيين في غزة. ومع ذلك، فإن القوانين التي تحكم كيفية صرف المساعدات للأراضي الفلسطينية صارمة. إن عمليات التدقيق التي تضمن عدم وجود روابط بين التمويل الأمريكي وبين حركة حماس تكلف ملايين الدولارات، وتتجاوز أحيانا تكلفة مشاريع المساعدات ذاتها التي يتم تدقيقها.

منذ عام 1948، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات تزيد على الـ150 مليار دولار، وحصلت في المقابل على موطئ قدم في منطقة ذات أهمية استراتيجية هائلة. النموذج الحالي موجود بموجب مذكرة تفاهم وقعها الرئيس باراك أوباما في عام 2016، وتعهد بتقديم 38 مليار دولار كمساعدة بين عامي 2019 و 2028 مع سياسة الباب المفتوح للحصول على مساعدات إضافية - مثل المليار دولار التي منحها الكونغرس لإسرائيل في آذار/ مارس من أجل نظام القبة الحديدية المضادة للصواريخ.

يوفر نظام المساعدة أيضا تمويلا للتدفقات النقدية، وهو نظام يسمح لإسرائيل بشراء أسلحة في الوقت الحاضر باستخدام أموال من المستقبل. ويحتوي على إعفاء للمشتريات الخارجية - لا يقدم لأي دولة أخرى - ويسمح لإسرائيل بإنفاق دولارات الولايات المتحدة على صناعة الأسلحة الخاصة بها دون الكشف عن كيفية إنفاقها الأموال للكونغرس أو الجمهور الأمريكي.

وبالطبع، تحتفظ الولايات المتحدة بمخزونها من الأسلحة في إسرائيل، والمتاح للاستخدام من قبل الجيش الإسرائيلي - على الرغم من مكانة إسرائيل كواحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم. وفي حالتين، استغلت إسرائيل المخزونات الأمريكية لشن حملات ضد حركة حماس وحزب الله اللبناني.

والنتيجة النهائية هي ترسانة إسرائيلية تتكون بالكامل تقريبا من أسلحة صنعتها الولايات المتحدة أو دعمتها.

مع سقوط القنابل على قطاع غزة في أيار/ مايو الماضي، تم استبدال رائحة البلاستيك المحترق برائحة تحميص المكسرات والبطاطس. وتم تدمير مصنع رقائق البطاطا ومصنع معتوق للبوظة، بالكامل في القصف.

العديد من الشركات التي تم تأسيسها في المنطقة الصناعية بغزة فعلت ذلك بحجة أن الجيش الإسرائيلي لن يقصف المنطقة التجارية. كان يُعتقد أن المنطقة الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي تعرضت للقصف بأسلحة تمولها الولايات المتحدة، محمية تحت رعاية اتفاقيات أوسلو، التي أنشأت مناطق اقتصادية خاصة تهدف إلى استبدال الصراع مع التجارة الحرة ذات المنفعة المتبادلة.

وتأثر مصنع فومكو للمراتب - المنتج الرئيسي للمراتب لغزة - ومصنع أبو إسكندر للبلاستيك، ومصنع كليفر للمنظفات، ومصنع سكسك للأنابيب البلاستيكية، ومصنع الوادي للأغذية، ما أدى إلى خسائر تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.

وكان يعمل في المصانع 1500 فلسطيني، وقد تأثرت بشدة جراء القصف في ساعات الصباح الباكر يومي 17 و 18 أيار/ مايو 2021.

وتضرر المستشفى الأهلي العربي، الذي حصل على منحة بقيمة 900 ألف دولار من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لبناء مركز جراحي، وكذلك مستشفى بيت حانون، وهو مستفيد آخر من تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وفي عرض رمزي للغاية لمدى امتداد تجاهل إسرائيل للمصالح المادية للولايات المتحدة في غزة، كان مصنع كوكا كولا - الذي لطالما كان سمة مميزة لامتداد أمريكا العالمي - ضحية أخرى للقصف خلال هجوم أيار/ مايو.

وقال زاهي خوري، مالك المصنع، لموقع "إنترسبت": "كوكا كولا هي أيضا مساهم وليست مجرد مرخص، وأنا مساهم بصفتي مواطنا أمريكيا، لذلك أثر هذا على العديد من المواطنين الأمريكيين.. أحرقت آلاف البالات، ووقعت أضرار في المنطقة اللوجستية. كانت هناك أضرار في المنطقة الصناعية، ولكن ما تضرر أيضا هو استثمار شركة كوكا كولا في مشروع من خلال "Mercy Corps" حيث إننا قمنا ببناء محطة لتنقية المياه لمخيم للاجئين".

ووفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن حصة كوكا كولا البالغة 15% في الشركة المشغلة للمصنع تمثل أكبر استثمار أمريكي خاص في فلسطين.

بينما يتم تطبيق آليات معاقبة جرائم الحرب التي تُرتكب بدعم من الولايات المتحدة بشكل انتقائي ضد العديد من البلدان الأخرى، فإن الافتقار إلى التدقيق في استخدام الجيش الإسرائيلي للأسلحة الأمريكية أمر صارخ.

وسط هجوم أيار/ مايو الماضي، قامت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بتفصيل عدد من القوانين الأمريكية التي انتهكتها هجمات إسرائيل. وشمل ذلك قانون المساعدة الخارجية، الذي ينص على أنه لا يمكن تقديم المساعدة إلى بلد "ينخرط في نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا"، وقانون مراقبة تصدير الأسلحة الذي يحظر المساعدة العسكرية الأمريكية للدول التي تستخدم الأسلحة لأسباب غير "الدفاع المشروع عن النفس"، وقوانين ليهي، التي سميت على اسم السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي، والتي تحظر مبيعات الأسلحة للوحدات العسكرية التي ارتكبت "انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان".

مع تقاعد ليهي الوشيك، فإن مجلس الشيوخ الراضي تماما عن تلقي مساهمات الحملات الانتخابية من مقاولي الدفاع ومجموعات الضغط الإسرائيلية، سيخسر أحد المدافعين الصريحين القلائل عن حقوق الإنسان. وبعد عقود من القتال للحفاظ على قانونه الذي يحمل عنوانا ذاتيا وتعزيزه والجهود المستمرة للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، يشغل ليهي الآن منصبا قويا كرئيس لجنة المخصصات، حيث يشرف على الكثير من الإنفاق الذي خصه زملاؤه المتحالفون سياسيا بالنقد.

في أيار/ مايو 2021، مع اقتراب حملة القصف العام الماضي من نهايتها، طرح السيناتور بيرني ساندرز والعديد من الأعضاء التقدميين في مجلس النواب مشاريع قرارات لمنع حزمة أسلحة بقيمة 735 مليون دولار تتضمن نفس النوع من القنابل الموجهة بدقة التي كانت إسرائيل تستخدمها لقصف غزة.

قال ساندرز في ذلك الوقت: "أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تساعد في قيادة الطريق نحو مستقبل سلمي ومزدهر لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.. نحن بحاجة إلى إلقاء نظرة فاحصة على ما إذا كان بيع هذه الأسلحة يساعد بالفعل في القيام بذلك أم إنه ببساطة يؤجج الصراع".

لكن البيت الأبيض اعترض. وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض آنذاك، جين بساكي: "لقد رأينا تقارير عن تحرك نحو وقف محتمل لإطلاق النار. من الواضح أن هذا أمر مشجع". ووافقت إدارة بايدن على بيع الأسلحة.

في شهر أيار/ مايو الحالي، شنت إسرائيل حملة قصف أخرى على غزة.

 

0
التعليقات (0)