مقالات مختارة

في حضرة شيرين الشاهدة والشهيدة

صادق الشافعي
1300x600
1300x600

على مدار ربع قرن والشهيدة شيرين أبو عاقلة تتنقل من مكان لآخر على امتداد أرض فلسطين وخارجها، مسلحة فقط بصوتها وبالكلمة لتنقل لنا بأمانة ومهنية مخلصة ومتميزة جرائم وبشاعة الاحتلال.


لذلك لم يكن غريبا أن تصبح «شيرين» هدفا لقناص مجرم يحاول جاهدا التغطية على جرائمه التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني على مدار الساعة باختلاف أشكالها وأنواعها.


هذا المجرم القاتل ليس هو الفرد بذاته الذي ضغط على الزناد، إنه دولة الاحتلال بكامل تكويناتها ومكوناتها وجبروتها وعدوانيتها.


ربما يكون صحيحا القول إنه منذ استشهاد المبدع الوطني والمناضل غسان كنفاني في تموز 1972 في عملية نفذتها قوة عسكرية صهيونية اقتحمت لبنان ووصلت إلى بيته، أنه منذ ذلك الوقت لم تلق أي عملية اغتيال صهيونية لمناضل وطني إعلامي هذا الزخم الجماهيري بعمقه السياسي كما لقيتها عملية اغتيال الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة.


خصوصا أن هذا الزخم الجماهيري يأتي على درجة غير مسبوقة من الاتساع والشمولية والانسجام في الإدانة والرفض، ومن التوحد والوضوح في التأشير على القاتل والمطالبة بتوقيع القصاص العادل فيه.


صحيح أن استشهاد شيرين خسارة وطنية بالدرجة الأولى وخسارة لعائلتها المباشرة ولكل الإعلام الوطني وناسه ولكل الوطن والوطنيين الفلسطينيين والعرب، لكن ما يوفر بعض العزاء أن الناس أهل الوطن على اتساع الكلمة وتنوع تعبيراتها وتفاصيلها اعطوها حقها من الحب والتقدير، لها ولدورها.


وهذا الحب والتقدير جاء مقترنا مع التمسك والإصرار على توقيع القصاص العادل بالقاتل وهو محدد ومعروف ومفضوح تماما. ولا تلاقي أي من محاولات أو مناورات أو تدخلات أو مطالبات لتجاوز هذا الإصرار أو الالتفاف عليه أي نجاح في النيل منه والتمسك به والإصرار عليه أو إضعافه. بل إن هذا التمسك والإصرار يزداد تجذرا ورسوخا، خصوصا مع تبني القيادة الفلسطينية ومعها كل القوى الوطنية السياسية والشعبية موقفا صلبا بنفس المحتوى والأسس والاتجاه.


وخصوصا أيضا أن هذا الموقف يستمر ويتواصل مقترنا بعمق مع إصرار الكل الوطني على متابعة وتواصل مسار النضال بكافة أشكاله وتعبيراته وأدواته حتى تحقيق الهدف الوطني، الذي استشهدت «شيرين» وكل الشهداء في مساره النضالي وفي سبيل تحقيقه.


إضافة إلى دورها المميز بالإخلاص والاقتدار والتفاني طوال سني عملها، فإن استشهاد شيرين أبو عاقلة على يد قوات العدو الصهيوني المحتل، يكتسب بعدين إضافيين مهمين:


البعد الأول، انه يأتي مندغما مع استمرار حالة جماهيرية نضالية فلسطينية عارمة شاملة ومتواصلة ومستمرة وممتدة بلا توقف وبمشاركة الكل الوطني الفلسطيني عنوانها الآني الجامع هو: الدفاع عن القدس ومقدساتها ضد مشاريع العدو الصهيوني وأهدافه العدوانية.


وهذه الأهداف تتمحور في عنوانين رئيسيين:


العنوان الأول: فرض وجود دولة الاحتلال ودورها وسيطرتها التامة والمطلقة على كل القدس، وفرض القبول والاعتراف بها والتعامل معها بوصفها العاصمة الموحدة لدولة الاحتلال. بالإضافة إلى العنوان الثاني وهو: فرض وجود ودور ديني لها (دولة الاحتلال بكل مكوناتها وبالذات القوى الدينية) - مشارك أو بديل - في الأماكن الإسلامية المقدسة: المسجد الأقصى بشكل خاص، وبدرجة اقل في بعض الأماكن المسيحية المقدسة.


وأما العنوان الثاني، فيتمثل في توسعها المستشرس في مجال الاستيطان واستباحة أي ارض فلسطينية - بالذات في الضفة الغربية - في سبيل ذلك.


وقد تحول توسعها الاستيطاني إلى عنوان رئيسي للمزايدة والابتزاز بين أطراف ومكونات الائتلاف الحكومي القائم وشرطا لتماسكه ولاستمرار بقائه في الحكم.


أما البعد الثاني، فهو تصاعد الجدل العلني بين قوى الكيان السياسية والرموز القيادية فيها حول الذهاب إلى تبني نهج الاغتيالات السياسية لأي شخص: قائدا كان أو كادرا أو مسؤولا في أي موقع أو هيئة أو مجال أو دور يشكل خطرا على دولة الكيان حسب رؤيتها وتقديراتها وحساباتها.


في لحظة الوداع الأخير، ورغم كل تهديدات دولة الاحتلال واستدعائها لبعض الأفراد ومنهم شقيقها، تواجد الآلاف أمام المستشفى الفرنسي حيث رقد جثمان الشهيدة بانتظار نقله إلى المقبرة.
وقد حولوا تواجدهم إلى تظاهرة وطنية وهتافات وطنية، ويصرون فيها على مسيرة جماهيرية جنائزية تليق بها. وهتفوا «سيرا سيرا عالأقدام ... حتى طريق الآلام».


وعلت الزغاريد أمام باب الكنيسة تزف عروسة جديدة لفلسطين. ومعها علت هتافات المشيعون
«من جنين الأبية ... طلعت شمعة مضوية».... «ارفع صوتك وعلي ... الموت ولا المذلة».


إن قضية وطنية هذا شعبها وهؤلاء المناضلون من أجل تحقيق أهدافها لا بد لها أن تنتصر.

 

(الأيام الفلسطينية)

0
التعليقات (0)