مقالات مختارة

الاختيار المُر بين روسيا وأمريكا

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600

التأثيرات السلبية والمدمرة للصراع الدائر الآن بين روسيا والغرب في أوكرانيا كثيرة جدا، لكن أحدها أنها ستضع غالبية بلدان العالم خصوصا الدول النامية في موقف شديد الإحراج للاختيار بين تأييد أمريكا والغرب، أو روسيا والشرق.

الذي لفت نظري إلى هذا الموضوع المهم دبلوماسي عربي كبير بقوله إن الدول النامية ومنها غالبية البلدان العربية ستجد نفسها أمام خيارات عسكرية واقتصادية وسياسية شديدة الإحراج، للاختيار بين هذا الطرف أو ذاك.

حينما تدخل الدول الكبرى صراعات مثل تلك التي نراها في أوكرانيا هذه الأيام فإنها تطلب من بقية بلدان العالم أن تختار بين تأييد موقفها، أو تهددها بأنها ستضعها في خانة الخصم أو العدو. بعض الدول تنحاز إلى هذا الطرف أو ذاك طالما أن الانحياز في مصلحتها.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ ــ ١٩٤٥، دخل العالم في حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين الغرب وحلف الأطلنطي بقيادة الولايات المتحدة، والشرق وحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي، واستمر ذلك حتى انهيار جدار برلين عام ١٩٨٩، وتفكك الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١.

طوال مراحل الحرب الباردة كانت غالبية الدول مصنفة إما إنها مع أمريكا وإما مع روسيا، أو حتى قريبة ومتعاطفة مع هذا الطرف أو ذاك. صحيح أنه كانت هناك كتلة عدم الانحياز التي أسستها مصر والهند ويوغسلافيا منتصف الخمسينيات، ولعبت دورا مهما في محاولة إيجاد مخرج ثالث، لكن الدقيق أيضا أن غالبية أعضاء هذه الكتلة كانوا إما منحازين إلى واشنطن وأما إلى موسكو.

العالم يقوم على المصالح دائما، وفي لحظات الحروب والصراعات الكبرى تكون الأمور أكثر سفورا، وإذا كانت واشنطن أو موسكو تقدم مساعدات ومنحا مختلفة لبعض الدول فإنها تتوقع منها أن تدعمها سياسيا، وأن يكون هذا الدعم علنيا من دون لف أو دوران، ورأينا الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن يرفع بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠١١ شعاره المتطرف، «من ليس معنا فهو ضدنا».

حتى إسرائيل التي تتبجح كثيرا بقدرتها وقوتها اكتشفنا أنها لا يمكنها أن تقف على الحياد.

في عدد الشروق أمس الأول الجمعة، وفي صفحة الرأي كان هناك ملخص لمقالة مهمة كتبها ثلاثة باحثون في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وهم الداد شافيط وأودى ديكل وعينات كورتس يتناولون فيها نفس القضية، وهي ما مدى إمكانية أن تقف إسرائيل ودول منطقة الشرق الأوسط موقف الحياد في الأزمة، باعتبار أن إسرائيل لا تريد بالطبع أن تغضب أمريكا بسبب العلاقات الاستراتيجية بينهما، لكنها في نفس الوقت لديها علاقات مهمة جدا مع روسيا سواء بالتنسيق الأمني في سوريا أو صفقات الأسلحة أو اليهود الموجودين في روسيا.

وتنتهي الدراسة بتوصية تتضمن ضرورة إعلان إسرائيل لدعم واشنطن بسبب التزام الأخيرة بأمنها.
هذه التوصية وجدت طريقها للتنفيذ فورا بإعلان إسرائيل انحيازها للموقف الأمريكي والغربي، رغم أنها لم تذكر اسم روسيا في البيان. الملفت للنظر أكثر أن روسيا ردت في نفس اليوم بمجلس الأمن بإعلانها أنها لا تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السورية المحتلة.

إذا كانت إسرائيل لا تستطيع أن تناور كثيرا في هذه القضية، فهل تستطيع بقية دول المنطقة الوقوف على الحياد، أم تخاطر بخسارة صداقة أمريكا أو روسيا؟

أحد الاقتراحات أن يكون هناك موقف عربي موحد، أو على الأقل للدول العربية الفاعلة والمؤثرة، بحيث لا تجد كل دولة عربية نفسها وحيدة في مرمى التهديدات السياسية من أمريكا أو روسيا.
بالمناسبة الاختيار الإجباري بين تأييد أمريكا أو روسيا قد يتكرر قريبا أيضا إذا اشتد الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين.

ما الحل لهذه المعضلة؟!

من دون أن تملك أية دولة قرارها السياسي والاقتصادي وقوتها الشاملة فسوف تجد نفسها في نار الاختيار المُر بين هذا الفتوة أو ذاك!!.

كان الله في عون المضطرين في البلدان المختلفة.

(الشروق المصرية)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل