فنون منوعة

"دونت لوك أب".. محاكاة ساخرة خيالية لنهاية كوكب الأرض

تصدر الفيلم منصة نيتفليكس لأعلى الأفلام مشاهدة فور عرضه خلال وقت سابق من الشهر الجاري- موقع نيتفليكس
تصدر الفيلم منصة نيتفليكس لأعلى الأفلام مشاهدة فور عرضه خلال وقت سابق من الشهر الجاري- موقع نيتفليكس

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على فيلم "دونت لوك أب"، الذي تصدر منصة نيتفليكس لأعلى الأفلام مشاهدة فور عرضه خلال وقت سابق من بداية شهر كانون أول/ ديسمبر الجاري.


وفي التقرير الذي ترجمته "عربي21"، يعرض الفيلم قضايا عديدة وتفاصيل نواجهها في العالم الحالي، كما أنه يعرض نهاية كوكب الأرض بطريقة كوميدية وبنمط جديد عن باقي الأفلام التي تعرض نهاية كوكب الأرض.


وتاليا نص المقال كاملا:


فيلم "لا تنظر إلى فوق" عبارة عن عمل فني ساخر. ولكن انطلاقاً من موقعي كعالم متخصص في المناخ يبذل كل ما في وسعه من أجل تنبيه الناس وتجنب الدمار الذي يتربص بكوكبنا، فإنني أرى أن الفيلم يعكس بدقة بالغة حالة عدم التجاوب المرعب الذي أراه إزاء التدهور المناخي.

يروي الفيلم، وهو من إخراج آدم ماكيه وتأليف دافيد سيروتا، حكاية طالبة دكتوراه في علم الفلك اسمها كيت دبايسكي (تؤدي دورها الممثلة جنيفر لورنس) والمشرف على رسالتها هو الدكتور راندول مندي (الذي يؤدي دوره الممثل ليوناردو ديكابريو)، حيث تكتشف الطالبة مذنّباً - "قاتل الكوكب" – سوف يرتطم بالأرض خلال فترة زمنية تزيد قليلاً على ستة أشهر. وهذا الارتطام مؤكد بنسبة 99.7 بالمائة، وهي نسبة لا تقل جزماً عن أي شيء آخر في العلوم.

يجد العلماء أنفسهم وحيدين بما توفر لديهم من معلومات، إذ يتم تجاهلهم تماماً من قبل المجتمع الذي يعيشون فيه. تعكس مشاعر الهلع والإحباط التي لديهم نفس مشاعر الهلع والإحباط التي توجد لدى علماء المناخ. في أحد المشاهد تبدو مندي في حالة من الذعر داخل أحد المراحيض بينما يظهر ديابسكي في مشهد آخر وهو يصرخ عبر شاشة التلفاز "ألم نكن واضحين؟ نحن على يقين مائة بالمائة أننا جميعا سوف نموت." بإمكاني القول بأن ذلك بالضبط هو ما أشعر به اليوم كعالم متخصص في المناخ.

يحظى عالما الفلك بلقاء مدته عشرين دقيقة مع الرئيس (ميريل ستريب) التي يسعدها أن تسمع بأن التصادم غير مؤكد فنياً بنسبة 100 بالمائة. وإذ تخلص إلى أن استراتيجية حملتها الانتخابية أهم من مصير الكوكب فإنها تقرر "مراقبة الوضع بهدوء وتقييم الأمر". شعوراً منهم بخطورة الوضع، يقرر العالمان المشاركة في برنامج صباحي لإنذار العامة، إلا أن مقدمي البرنامج التلفزيوني يخففان من قيمة تحذيرهما (والذي غطت عليه أنباء انفصال زوج من المشاهير).

ثم يصدر تأكيد من العلماء حول العالم بأن المذنب ديابسكي يوشك فعلاً أن يرتطم بالأرض. بعد تغير مجرى الرياح السياسية، تقرر الرئيس البدء بمهمة غايتها تحويل مسار المذنب، ولكنها تغير رأيها في اللحظة الأخيرة نزولاً عند إلحاح ملياردير (مارك رايلانس) يتبرع عادة لحملتها، لكي يتسنى له تنفيذ خطة لديه بتوجيه المذنب حتى يهبط بسلام على الأرض مستخدماً تقنيات لم تجرب من قبل رغبة في الحصول على ما يحتويه من معادن نفيسة. تتساءل مجلة رياضية على صفحة غلافها: "ها قد اقتربت النهاية، فهل سيكون هناك مباراة لدوري كرة القدم؟".

ولكن ليس هذا فيلماً حول كيفية تعامل البشرية مع مذنب قاتل للكوكب، وإنما فيلم حول كيفية تعامل البشرية مع تدهور مناخي قاتل للكوكب. فرغم ما بات جلياً بما لا مجال معه للشك من وجود خطر مناخي يتفاقم يوماً بعد يوم، إلا أننا نعيش في مجتمع ما زال أكثر من نصف أعضاء الكونغرس من الجمهوريين فيه يقولون إن التغير المناخي مجرد خديعة ويرغب عدد منهم أكبر من ذلك في إعاقة اتخاذ أي إجراء لحماية البيئة.. مجتمع ما زالت المنصة الرسمية للحزب الديمقراطي فيه تحصن الدعم المالي الممنوح لقطاع الوقود الأحفوري، والذي ترشح للانتخابات فيه الرئيس الحالي متعهداً بأن "شيئاً أساسياً لن يتغير" بينما صرف رئيس البرلمان فيه النظر حتى عن خطة مناخية متواضعة مقللاً من أهميتها باعتبارها "الحلم الأخضر أو شيئاً من هذا القبيل"، والذي تشكل أضخم وفد فيه لمؤتمر المناخ الـ26 من ممثلين لقطاع الوقود الأحفوري، بينما بدار البيت البيض مباشرة بعد القمة إلى بيع حقوق التنقيب في جزء كبير من خليج المكسيك، مجتمع يقول فيه زعماء العالم إن المناخ يمثل "تهديداً وجودياً للبشرية" بينما يقومون في نفس الوقت بالتوسع في إنتاج الوقود الأحفوري، مجتمع مازالت فيه الصحف الكبرى تنشر إعلانات لقطاع الوقود الأحفوري بينما يتم بشكل روتيني تهميش الأخبار المتعلقة بالمناخ لصالح أخبار الرياضة، مجتمع يمضي فيه رجال الأعمال قدماً بالدفع بحلول تقنية خطيرة بينما يروج أصحاب المليارات للأفكار السخيفة التي تزعم بأن بإمكان البشر الانتقال للعيش في المريخ.  

بعد العمل خمسة عشر عاماً قضيتها في إثارة موضوع الخطر المناخي توصلت إلى قناعة بأن الجمهور بشكل عام، وزعماء العالم بشكل خاص، يقللون من مدى سرعة وجدية التلف البيئي الدائم الذي يلحق بالكوكب فيما لو أخفقت البشرية في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتداركه. قد لا يتوفر لدينا أكثر من خمسة أعوام قبل أن تنفق البشرية ما تبقى من "ميزانية كربونية" حتى تبقى دون 1.5 درجة من التسخين العالمي بمعدلات اليوم من الانبعاثات – وهو مستوى من التسخين لست واثقاً من أنه سيكون منسجماً مع الحضارة التي نعرفها. وقد لا يكون المتبقي أكثر من خمسة أعوام قبل أن تتجاوز غابات الأمازون ولوح الجليد القطبي الضخم نقطة اللا عودة.

يتعرض نظام الأرض الآن إلى التفكك بسرعة تأخذ بالأنفاس، بينما يواجه علماء المناخ مهمة بالغة الصعوبة في التواصل والتفاهم مع الجمهور تتجاوز تلك الصعوبة التي واجهها علماء الفلك في فيلم "لا تنظر إلى فوق"، نظراً لأن الدمار المناخي يتم عبر عقود – وهي سرعة خاطفة حين يتعلق الأمر بالكوكب، ولكنها بطيئة بشكل جليدي حين يتعلق الأمر بالدورة الإخبارية – فهي ليست مباشرة ولا مرئية بنفس القدر الذي كان عليه وضع المذنب المنطلق في عنان السماء.

أخذاً بالاعتبار ذلك كله فإن تجاهل الرسالة التي يحملها في طياته فيلم "لا تنظر إلى فوق" باعتبارها مما هو معروف ينبئ عن الناقد أكثر مما ينبئ عن الفيلم، الذي وإن كان مضحكاً إلا أنه مرعب لما يحمله من حقيقة مؤكدة مخيفة يعيشها يومياً علماء المناخ وغيرهم ممن يفهمون الأبعاد الكاملة للحالة المناخية الطارئة. أرجو أن يكون الفيلم، الذي يشرح بشكل فكاهي مدى صعوبة اختراق الأعراف السائدة، مما يساعد بالفعل في اختراق الأعراف السائدة في واقع الحياة.

كما أرجو أن تتعلم هوليوود كيف تروي حكايات المناخ التي تهم الناس. فبدلاً من حكايات تقيم بوناً شاسعاً ومريحاً بيننا وبين الخطر الذي نعيشه من خلال اللجوء إلى فنون تكنولوجية غير واقعية لتصوير سيناريوهات كارثية غير واقعية، تحتاج البشرية إلى حكايات تسلط الضوء على الكثير من السخافات التي تنجم عن معرفة ما هو آت دون عمل شيء بشأنه.

كما نحتاج إلى حكايات تثبت أن البشرية تتعامل بشكل رشيد مع الأزمة. وليس انعدام التكنولوجيا هو الذي يعيق الفعل. تحتاج البشرية بدلاً من ذلك إلى الوقوف أمام قطاع الوقود الأحفوري وجهاً لوجه، وتقبل بأننا بحاجة لأن نستهلك قدراً أقل من الطاقة، ونتحول إلى حالة الطوارئ التامة. حينما يحدث ذلك – إذا ما قدر له أن يحدث – فإن الإحساس بالتضامن والارتياح الذي سنشعر به سيكون كفيلاً بإحداث تغيير جذري لصالح نوعنا البشري. قد لا يحفز وجود المزيد من الحقائق على الوصول إلى نقطة الانقلاب الاجتماعي والثقافي، ولكن المزيد من مثل هذه الحكايات قد يفي بالغرض.

بيتر كالماس عالم متخصص في المناخ ومؤلف كتاب حول آثار التغير المناخي على الحياة البشرية.


التعليقات (0)